تبدأ قصة الطوفان في العهد القديم من غضب الإله خالق النبي نوح.
في سفر التكوين، يرى "أبناء الله" أن بنات البشر جميلات، فيتمردون على يهوه، ويتخلون عن مكان سكناهم الطبيعي في السماء، ويتخذون أجسادًا بشرية ليمكنهم التزوج من محبوباتهم.
التقاليد اليهودية اللاحقة تقول إن "أبناء الله" المقصودين في سفر التكوين لم يكونوا إلا "ملائكة أشرارًا" علموا البشر أيضًا علوم المعادن، التي استخدموها في صك المال وصنع سلاح الحرب، لتتضاعف الشرور.
من تلك العلاقة، ينجب "أبناء الله" من بنات البشر ذرية هجينة تسمى "عمالقة النفيليم". لا تشبه البشر العاديين، بل عمالقة جبابرة مستبدين يفوقون القوى البشرية الطبيعية، فينشرون الرعب، ويملؤون الأرض عنفًا.
في الأدب الرؤيوي لرؤى أخنوخ، يعاقب الله أبناءه عبر تقييدهم بالسلاسل في أدنى حفر شيول، وهو مفهوم يهودي مبكر عن الجحيم.
لكن، يبقى على الأرض الذرية الجديدة من "النفيليم" الذين يقرر يهوه القضاء عليهم لتعود الأرض إلى الطبيعة التي خلقها الله عليها.
الفكرة نفسها أثارت الجدل بين مفكري اليهودية لقرون؛ إذ تساءلوا حول قاعدة معرفة الله بكل شيء؛ ألم يكن يعلم أن كل هذا الشر سيحدث؟ أم أنه يمكن أن يغير الإله رأيه بشأن خليقته؟
عمومًا، كان على الأرض رجل صالح يدعى نوحا. ولدت له ذرية. واختاره الله للنجاة من المصير الذي ينتظر "النفيليم".
أخبر الله نوحًا أنه قرر القضاء على كل المخلوقات. لكنه أمره بصنع سفينة عملاقة "الفلك" من خشب السرو، وأن يغطيها بالقار داخليًا وخارحيًا.
صنع نوح الفلك. وهي، بوصف التوراة، سفينة عملاقة بمساحة ملعب كرة قدم تقريبًا؛ طولها 135 مترًا، وعرضها 23 مترًا، وارتفاعها 14 مترًا.
كما طلب الله من نوج أن يجمع زوجًا من كل كائن من الكائنات الحية، بحيث يمكن للحيوانات إعادة ملء الأرض بعد الطوفان، وأن يحضر معهم الطعام الذي يكفيهم بعد التطبيق المنتظر لقرار إعادة تكوين البشرية.
فتحت أبواب السماء، فهطل المطر لـ 40 يومًا و40 ليلة. لا نعرف بالضبط إن كان العدد مقصودًا في ذاته، أو أنه مجرد إشارة لطول المدة الشديد؛ باعتبار أن "أربعين" تستخدم غالبًا للإشارة إلى "الجيل".
بنهاية الطوفان، وقع الله عهدًا مع النبي نوح ليحدد سلوك الناجين الجدد مقابل الحصول على الحماية الإلهية وعدم تكرار الطوفان.
وفق التوراة، تضمن عهد نوح أن يملأ الأرض ذرية ويعمرها بالزراعة، وألا يسفكوا الدماء إلا للقصاص من القتلة، وألا يأكلوا المخلوقات حية ودمها يسيل"،
مقابل أن يؤمنهم الله من الوحوش والطيور، وأن يسهل لهم صيد الأسماك، وأن يبيح لهم الطعام من كل ما يتحرك نباتًا أو حيوانًا طالما أن دمه توقف؛ باعتبار أن الدم مقدس ومملوك للإله.
ولذلك ظهرت مهنة خاصة لاستنزاف الدم من الحيوانات قبل تناولها، وهي مهنة لا تزال مستمرة في المجتمعات اليهودية إلى اليوم.
وكما كان للنبي إبراهيم علامة لعهده مع الله، وهو الختان، تلقى نوح علامته الخاصة، وهي أن الله أظهر قوس قزح في السماء، كميثاق لمخلوقات الرب بأنه لن يأمر بالطوفان مجددًا.
ورد في سفر التكوين: "فمتى كانت القوس في السحاب، أبصرها لأذكر ميثاقًا أبديًا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض".
وفق الرواية، خرج مع النبي نوح من الطوفان ثلاثة أبناء: - سام - حام - يافث. وحام هو أبو كنعان
ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض.
يُنسب إلى نوح امتهانه الفلاحة، وزراعة الكرم لأول مرة على سطح الأرض.. ومن هذه اللقطة تحديدًا سيحدد مصير كل البشر اللاحقين.
وفق السفر، صنع نوح الخمر وشربه، فسكر وتعرى داخل خبائه.
رآه حام عاريًا فخرج وأخبر أخويه سام ويافث، اللذين غطيا والدهما برداء وضعاه على أكتافهما بعدما مشيا نحوه بظهريهما دون رؤية عورة أبيهما.
أفاق نوح من الخمر، بحسب الرواية، وعلم ما فعله ابنه الصغير حام، فلعن ذريته، وأمر بأن يكون كنعان عبدًا لأخوته!
تلك الرواية أثارت نقاشات مطولة منذ العصور القديمة لم تجب على العديد من الأسئلة: ما خطيئة حام بالضبط؟ وإذا كان حام قد أخطأ، فلماذا ذهبت اللعنة إلى ابنه كنعان لا هو شخصيًا؟
بعض نظريات التفسير القديمة اقترحت أن "رؤية العورة" لم تكن إلا تعبيرًا ملطفًا عن المعاشرة الجنسية "كما في سفر اللاويين 20:17"،
كما جادل أحبار القرن الثالث في التلمود البابلي أن حام خصى أباه، أو فعل به فعل السدوميين "المثلية الجنسية" وهي نفس التفسيرات الواردة في التراجم الإغريقية للكتاب المقدس، التي تستبدل بفعل الرؤية فعل الممارسة الجنسية. ولذلك اعتبر كثيرون أن خطيئة حام كانت "انتهاك" والده وهو في حالة سكر.
لكن هذه النظرية كانت مسببة للعار، لذلك دحضتها نظريات أخرى بأن خطيئة حام أنه أهان والده بعدم ستره وإخبار إخوته اللذين صححا الخطأ بتغطية والدهما.
سكن أولاد كنعان، من صيدا باتجاه جرار حتى غزة، ثم باتجاه سدوم وعمورة وأدمة وزبوييم حتى لاشا، وهناك إجماع على أن قصة لعن كنعان أضيفت فيما بعد لتبرير ظلم عداوة بني إسرائيل للكنعانيين .
ولأن أبناء حام سكنوا كوش (إثيوبيا والصومال) ومصر وبوت، استغل أوروبيون لاحقًا هذا اللعن لتبرير استعبادهم للأفارقة.
على مر القرون، أضيفت مزيد التفاصيل عن النبي نوح.
في سفري اليوبيلات وأخنوخ، يعلم الملائكة نوحًا الطب.
وفي العصور الوسطى، ظهر ادعاء بأن النبي نوح تعمد إبطاء بناء الفلك لتستمر العملية 120 عامًا، بحيث يمنح سكان الأرض المزيد من الفرص للتوبة وتجنب سيناريو الطوفان.
بالإضافة إلى ذلك، ينسب إلى النبي نوح إبطال أثر خطيئة أدم؛ إذ زرع كروم العنب بعدما كانت الأرض تنتج الأشواك فقط.
وأخيرًا نسب إلى النبي نوح اخترع المحراث.
في الكتب المقدسة التالية، يقارن المسيح يسوع في كل من إنجيلي متى ولوقا، طوفان نوح بيوم الدينونة،
ووصفت رسالة بطرس الأولى طقوس المعمودية على أنها نفس خلاص البشر الموجود في سفينة نوح،
وبعبارة أخرى، قدمت الكنيسة نفسها بمثابة الفلك الجديد؛ في مقابل ذلك أنه خارج الكنيسة، سيتم إدانة الجميع.
وتتجلى أهمية نوح في المسيحية المبكرة في فن سراديب الموتى الرومانية.
في الإسلام، يذكر القرآن نوحًا 43 مرة، ويخصص سورة كاملة باسمه، باعتباره أحد رسل الله المفضلين، والمشار إليهم بأولي العزم.
وعرضت السورة كيف أن الناس سخروا منه ولم يصدقوه، ولذلك أمره الله ببناء الفلك لإنقاذ عدد كافٍ من الناس لإعادة إعمار الأرض.
مثل تابوت العهد، كان الناس يبحثون عن سفينة نوح منذ العصور القديمة وحتى الآن.
على مر القرون، ادعى العديد من الأفراد أنهم عثروا على بقايا السفينة، وخاصة قطع الخشب التي أصبحت آثارًا في بعض المجتمعات.
لكن البحث الحديث بدأ بجدية منذ نهاية القرن التاسع عشر، حين حاولت بعض الحفريات إثبات تاريخية الكتاب المقدس.
وبينما تقول الرواية التوراتية إن الفلك استقر على جبل أَرَارَاطَ، وتقول الرواية القرآنية إنه استقر على الجودي، تركز البحث الحديث على جبل أرارات الواقع على حدود تركيا وروسيا.
ادعت العديد من الحملات الاستكشافية أنها عثرت على كتل صخرية بدت كبيرة بما يكفي للسفينة، والتي يفترضون أنها أصبحت الآن خشبًا متحجرًا.
لكن نتائج اختبار التأريخ الكربوني خرجت متناقضة، خصوصًا مع رفض الحكومة التركية الإذن باستكشاف الجبل.
وظهرت قصص الفيضانات في الثقافات القديمة في جميع أنحاء العالم، فعندما بدأ علماء الآثار الحفريات في الشرق الأوسط في العصر الفيكتوري، اكتشفوا الألواح المسمارية وفكوا رموزها، وفوجئوا بالعثور على ملحمة جلجامش، وهي قصة قديمة لفيضان حدث في بلاد ما بين النهرين، بين نهري دجلة والفرات.
التفاصيل كانت قريبة جدًا لدرجة أن العديد من العلماء يعتقدون أن هذا كان مصدر إلهام لقصة الطوفان في سفر التكوين.
لدى الإغريق أيضًا أسطورة ديوكاليون، ابن بروميثيوس، وهي مشابهة لقصة نوح؛ فعندما قرر زيوس معاقبة البشر بسبب غطرستهم، نصح بروميثيوس ابنه ببناء قارب وملئه بالحيوانات، ولذلك استغلها الكتاب اليهود لاحقًا في إثبات وجود نوح.
زعمت الزرادشتية في بلاد فارس أن إلههم الكبير أهورا مازدا حذر من عاصفة شديدة احتوت على الثلج الذائب، فبنوا حصنًا وضعوا فيها الرجال والنساء الأكثر لياقة وزوجًا من كل حيوان لإعادة إعمار الأرض.