في بداية عصر الإمبراطورية الرومانية، كان أغسطس قيصر، الذي ينحدر من عائلة من المقرضين، مؤيدًا لنظام السوق الحر، واتبع إصلاحات اقتصادية تشبه سياسات تخفيض الضرائب لتشجيع الاستثمار.
بحسب مركز دراسات كاتو، وصل أغسطس قيصر السلطة في وقت توقفت فيه كثير من طرق التجارة، وازدادت الضرائب بسبب الحرب الأهلية، فأعفى المزارعين من الضرائب، وأعاد تنظيمها ليسمح للتجارة بإعادة بناء ثرواتهم، وأعاد التجارة الحرة، وتعهد بالحفاظ على الملكية الخاصة.
لكن، بقيت مشكلة القمح المدعوم الذي يقدمه حكام روما للشعب لضمان الحد الأدنى من الشعبية؛ لأن الشعبية في روما قامت على "الخبز وألعاب السيرك".
بعكس الحرية الاقتصادية لروما وإيطاليا عمومًا، كانت مصر المحتلة من الرومان تحت سلطة مركزية مهمتها الأساسية توفير القمح والغلال، شحنات القمح هذه كان هدفها تمويل سياسة رومانية أخرى تسمى بـ "إعانة الحبوب" أو Grain dole وهي مقدار معين من الحبوب يحصل عليه المواطنون الرومان أيا كانت مكانتهم الاجتماعية بشكل مجاني وشهري بهدف تثبيت أسعار الحبوب.
دعم القمح كان موجودًا بالفعل منذ القرن الثاني قبل الميلاد - قبل عصر أغسطس - قبل أن يقوم "صلا" - ديكتاتور روما- بإلغائه حوالي 90 ق.م .. المشكلة هنا أن هناك الآلاف من الفقراء كانوا يعتمدون عليها.
لذا أعادها القنصل "كلوديوس" في 58 ق.م. وحصل عليه حوالي 320,000 نسمة، باعتبارهم مستحقي الدعم، قبل أن يخفض يوليوس قيصر العدد إلى 150,000 دون التجرؤ على إلغائها خوفًا من الغضب الشعبي.
وفي عصر أغسطس، الذي كان يريد مزيدًا من الشعبية في نهايات عصره زاد العدد مرة أخرى إلى 320,000 نسمة.
بوفاة أغسطس، شهدت روما أول أزمة مالية عندما تدخل وريثه تيبيريوس في السياسة المالية بتخزين كميات كبيرة من المال ووقف مشروعات تمديد الطرق التجارية.
وفي سنة 33 ميلادية، توقفت الكثير من الأنشطة التجارية، حتى اضطرت روما لعرض قروض على المواطنين بتخفيض الفائدة إلى الصفر.
بدأ التضخم في الظهور ولم ينخفض للمعدلات التي كان بها في عصر أغسطس. بينما استمر الدعم.
وفتح تيبيريوس الباب أمام الأباطرة للتدخل المالي أكثر، ففي عصر تراجان خفضت قيمة العملة عبر تقليل نسبة الفضة إلى 85%
ثم خفضها ماركوس أوريليوس إلى 75%
وفي عصر سبتيموس سيفروس انخفضت إلى 50%.
أي أن الدينار الروماني في عصر سيفروس بات يعادل نصف دينار روماني في عصر أغسطس.
كل هذا حدث بعدما وصلت روما لأكبر اتساع جغرافي لها في عصر تراجان. ومن بعده بدأت مرحلة الحروب الدفاعية والأهلية والتراجع الحضاري
تأثير التدخلات الحكومية المستمرة ظهر في القرن الثالث عند تخفيض قيمة الفضة إلى 5% فقط وقت "أزمة القرن الثالث"، بينما استمر دعم القمح بعد تحويله لخبز جاهز.
ثم تدخل أباطرة مثل دوميتيان بسياسة مصادرة أموال التجار والأثرياء لحل مشاكل السيولة المالية.
فأصبحت روما تعاني انخفاض العملة مع قلة المشروعات وزيادة الانفاق العسكري والضرائب، بما قاد الفلاحين لترك الزراعة والتدفق لمدينة روما نفسها، والتجار لترك أعمالهم لأنهم يضمنون الحصول على خبز مجاني بدلُا من الاستثمار وتكوين ثروة ثم مصادرتها بعد ذلك.
في نهاية عصر الامبراطورية كان التدخل الحكومي على أشده، لدرجة أنه بدلًا من اتباع سياسة اقتصادية حرة مثلما كان الأمر في البداية، صدرت قوانين تمنع سفر الفلاحين وتغيير أماكن إقامتهم، فأصبح الفلاح وإن كان حرًا بالاسم، إلا أنه مرتبط بالأرض التي يعمل بها هو وأولاده.
وحتى عندما باع الفلاحون أراضيهم، لم يكن العمل متوفرًا، وتخلت الحكومة المركزية عن توفير الدعم بنفس النسبة وألقت حمل إعالة الفقراء في المقاطعات على الأثرياء
في النهاية، وجه الجيرمان الضربة الأخيرة لروما.
لكن بحسب المؤرخ جيرالد جندرسون، فإنه قبل حتى أن يقتحم الجيرمان روما، كان المواطنون الرومان في المقاطعات الإيطالية قد حولوا ولاءهم للجيرمان، مقابل وقف دفع الضرائب لروما.