السمير لصناعة البهجة.. رحلتنا مع سمير غانم | عمرو عبد الرازق

السمير لصناعة البهجة.. رحلتنا مع سمير غانم | عمرو عبد الرازق

2 May 2021
عمرو عبد الرازق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

منذ الطفولة المبكرة واسم سمير يتم ترجمته في مخيلتي تلقائيًا إلى اثنين لا ثالث لهما: إما مجلة سمير, أو سمير غانم. وكلاهما يحيل مشاعر الطفل تجاه أجواء المرح والنشوة.

تلاشى أمر المجلة بدخولي مراحل عمرية مغايرة الاهتمامات، وبقي سمير غانم الذي خرجنا معه من الطفولة نحو الصبا، ومن الصبا للشباب، وأكمل معنا مراحل العمر، وصار سمير جيلنا.

كبرنا وكبر معنا حتى صار العم سمير، ذلك الذي لم يكن يفارقه الشباب لفترات طويلة. كان عقلي يرفض أن يكبر، كي لا تنقطع بهجته أو يتلاشى حضوره.

رحلة ممتدة من قبل أن يأتى جيلى ابن العقود الأربعة للحياة، يمارس فيها العم سمير غانم مهمته الأولى فى الإضحاك الخالص وبث البهجة فى النفوس، تسلم فيها جيل الآباء، ثم الأبناء، ولحق بالأحفاد. هذا يسلم ذاك. الرجل المخلص لفنه صاحب الموهبة والحضور، بمثابة جزء من المشهد المصرى الفنى والاجتماعى لم يفارقه لأكثر من نصف قرن.

وجود اسمه بتتر العمل يعني أن يعد المرء نفسه للحظات مكثفة من السعادة وحب الحياة لفترة زمنية، بشغف مستمر وترقب لحظات ظهوره، وسواء كان ما ردده أضحكك أو لم يضحكك، فحضوره كافٍ لإشباع نفسك بالسعادة.

يتسلم سمير غانم المتلقي في العمل الفني، أيًا كانت مساحة دوره وطبيعته، ليدخل بك عالمه الخاص. يشع فيك شعورًا بالأمل بأن هناك بهذه الحياة ما يسعدك، ويسكن قلقك ومخاوفك. تبقى صورته في مخيلتك بعد انتهاء العمل، على أمل أن تقابله قريبًا في عمل آخر جديد أو قديم، ليضخ في روحك سعادة تقاوم بها أزماتك الصغيرة في الحياة.

الظريف المضحك

في الصغر ترسم خيالاتنا الأنماط المثالية والكاملة، فلما أخبرونا أن ثالث الثلاثة النحيف الأسمر توفي منذ زمن بعيد، رفضت تصديق الأمر والتسليم به، للحفاظ على آمال البهجة بداخلي. “الضيف أحمد” لم يمت، وهؤلاء الظرفاء موجودون بيننا وسيستمرون فى مرحهم. ثم قبلت الأمر على مضض. ورضيت ببقاء الاثنين، سمير غانم وجورج سيدهم.

حينما أخبرني أبي في الصغر: أن هذا الظريف المضحك ذو الشارب، هو ذاته الأصلع الطويل بهذا الفيلم القديم! ويرتدي الآن باروكة شعر، رفضت الأمر وكذبته وظللت آمل أنه يخادعني، رفضًا لكل ما يغير كمال الصورة  لصانع البهجة في مخيلتي.

فكيف يكون أصلع في أفلام الأبيض والأسود، ثم يصبح شابًا غزير الشعر في مرحلة الأفلام الملونة؟!

كيف يكون كبيرًا في صغره ثم يصير شابًا ناضجًا فيما بعد؟! كما أن ملامحه صغيرًا لم تكن محببة لطفل كملامحه الجديدة. ضايقني الأمر، ودافعت عن صورة صانع البهجة ذي الشارب في مخيلتي بكل قوة.

تستمر قائمة المرفوضات فأترك كلام أبي جانبًا، مطلقًا لخيالي العنان، فلن تُخدش صورته بمخيلتي، وبقى هو سمير غانم المعاصر فقط بصورته المثلى.

حزنت أيضًا بشدة عندما أدركت أن فطوطة هو الظريف سمير غانم نفسه، وليس شخصًا مستقلًا بذاته تدب بداخله روح الحياة، نجح سمير أن يجعله يحيا بخيال طفل كشخصية تستحق حياة كاملة ممتدة.

ليس مهما مع فنان متفرد مثله مساحة الدور الذي يلعبه. لكن المهم تواجده وإضافته في أي مشهد. لا يمكن تخيل فيلم “الزواج على الطريقة الحديثة” بدونه، رغم أن الفيلم به الكثير من عوامل النجاح.. عناصر جاذبة تدغدغ مشاعر المتلقي الصغير، جمال سعاد حسنى، شقاوة حسن يوسف، البحر والصيف فى أجواء فسيحة خالية، لكنها بصمة السمير المميزة.

حتى ربما يكون أكثر ما بقي من الفيلم إلى الآن عباراته الظريفة التي رددها وهو يقدم مباراة الكرة الشاطئية، ربما أكثر من رسالة الفيلم التى تحدث بها الجد “عباس فارس” في نهايته.

هذا الجوكر يمكن أن تضع اسمه بأي عمل، لتدرك على الفور أن شيئًا ما سيتغير به، أو في محصلته النهائية.

إطلالة مميزة ولحظات لا تغادرها البسمات

الظريف الذى تكفي تعبيرات وجهه بمسلسل “حكايات ميزو” ليجلس الطفل مشدوهًا، حتى وإن لم يفهم مضمون العمل ولا قصته، بل ويعجز عن ربط المشاهد ببعضها. لكنه يحب أن يبقى وجه سمير غانم أمامه لأطول فترة ممكنة، بما يجعل أمنياته تدور حول سرعة انتهاء أي مشهد لا يظهر به سمير غانم سريعًا، ليجلس أمامه أطول فترة ممكنة، وإن لم يع ما يقوله، فهذا وجه صنيعة يد الله لإدخال السرور على عباده.

يتخيل الطفل أن الجنة بها وظيفة محببة محجوزة لسمير غانم.

 يتحول يومك لساعات ترقب ممتدة، في انتظار حلقة اليوم التالي. بل وتتمنى أن يتبخر يوم  الجمعة الذى لا يذاع فيه المسلسل نهارًا، لتأتي إطلالته المشعة بكل جميل. يتحول العمل الفنى إلى عمل للأطفال، وعمل للشباب وآخر للكبار.. الجميع يجد سعادته معه.

السمير يعزف لكل جيل معزوفته داخل العمل الواحد..

يستمر سمير غانم وتستمر معه قائمة المرفوضات حفاظًا على صورته المثالية، فأرفض أن يكون هو الشرير الذى يعذب حبيبته بحيل مرعبة فى “مكالمة بعد منتصف الليل”.. هو الظريف الذى لا تطاله شائبة بمخيلة طفل يترقب إطلالته، ليعينه على ثقل دراسته ورتابة يومه.

سمير غانم صديق البطل خفيف الظل، الذي تحزن لقلة حظ الشخصية التي يلعبها، بقدر ما تسعد لزواج صديقه بحبيبته في “البنات عايزة إيه”. وقد يتبدل تعاطفك، لو قام بالدور ممثل غيره، لكنك معلق به ذاته وليس بدوره.

إطلالة مميزة ولحظات لا تغادرها البسمات يصنعها سمير غانم، حتى ولو لم يكن هناك حوار مكتوب يخدمه.. جملة عادية تخلو من الإفيه، فتصير إفيها بوجهه المصنوع على قالب الإضحاك.. هو لا يحتاج للحوار المكتوب، بل تجد نفسك متمنيًا لو استرسل بذاته دون ورق مكتوب..

تقبلنا مع سمير غانم نموذج لبطل يلائم جميلة كـ ليلى علوى، بهيئته المغايرة لهيئة البطل الوسيم أو الرشيق، فصنع حالة ترفيهية غامرة، في فيلم بسيط الإنتاج “تجيبها كده.. تجيلها كده.. هى كده”.

 صنع حالته الخاصة، حتى أنه عندما قام بدور المحتال. لم أكتشف أنه محتال إلا بعد سنوات طويلة من تكرار مشاهدة الفيلم، فلا يمكن لمحتال أن يجعلك تحبه لهذه الدرجة في فيلم كوميدي “4 2 4″؟

هل يمكن تخيل فنان آخر يقوم بدور سمير غانم في “يا رب ولد”؟! يتهاوى بناء الفيلم بأكمله على الفور، ويفقد ثلاثة أرباع كوميديته! فهو الوحيد القادر على تشتيتك عن التركيز في ثغرات بناء العمل.

أجزم أنه يمكنك الاستمتاع بأي مشهد له بمنتصف عمل ما، دون احتياج لمشاهدة العمل من بدايته، سيغنيك مشقة الفعل.

ويستمر حضوره بصورة الشاب فى زفافه الخالد بمسرحية “المتزوجون”.. ويظل الصبي فرحًا لكون صانع البهجة فى شباب دائم لا يأتيه الكبر.

لا يتوقف عن التشكل بكل لحظة. يستخدم عضلات وجهه باحتمالات لا نهائية. ويمتلك القدرة على خلق تعبيرات جديدة بكل ظهور، فلا تنتظر معه إلا السعادة.

انطفأ النجم الثاني جورج سيدهم بالمرض. وبقي سمير غانم الأسطورة الممتدة.. وزحف عليه الزمن ببصماته..

سمير الذى صاحبنا كل هذا الوقت، حفر وجهه خالدًا فى وجدان أجيال متعاقبة، منها جيلي الذى رافقه من المهد.. امتلأ ألبوم أعماله شاهدًا له على رحلة إضحاك عامرة، ورنين ضحكات الملايين رجت جدران منازلنا، تشهد له بحضوره وأثر فنه.. فصار سمير رحلتنا.

السمير.. الذي غلبه الزمن مؤخرًا. لكن لم يغلب محبته في النفوس.

فدعوات ممتدة له بملء ضحكات الملايين..

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك