الكوميديا الذكية في السينما المصرية .. التيار الحقيقي بعد المضحكين “الجدد” | أمجد جمال

الكوميديا الذكية في السينما المصرية .. التيار الحقيقي بعد المضحكين “الجدد” | أمجد جمال

8 Sep 2022

أمجد جمال

ناقد فني

سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الحاسة السابعة .. طير أنت .. سمير وشهير وبهير .. لا تراجع ولا استسلام .. ورقة شفرة .. الحرب العالمية الثالثة .. قلب أمه.. ما الذي يجمع تلك الأفلام؟

1. أنها انتخبت من 32 ناقدًا وعدد من السينمائيين المحترفين ضمن أفضل 100 فيلم كوميدي في تاريخنا السينمائي.

2. أنها مترابطة فنيًا، سواء بالعلاقات بين صناعها، أو لأنها تمثل نمطا فنيا واضحا في الكوميديا. نالت حظها جماهيريًا، لكن لم تنل حظها من التنظير كثيرًا، بسبب حداثتها نسبيًا.

ما بعد المضحكين الجدد

يمكن تسميتها موجة “ما بعد المضحكين الجدد” (محمد هنيدي ورفاقه) والذين لم يعودوا “جدد”. والبعض يحب تسميتها بموجة الكوميديا الذكية. سنتطرق لهذا المسمى لاحقًا.

مع التأثير الذي تركته تلك الأفلام، والاعتراف الأخير من مجتمع النقاد بها، ومرور ما يزيد عن 10 أعوام على انطلاقها. آن أوان الحديث عنها، ومحاولة استيعابها، ووضع الخط الفاصل بينها وبين الموجة التي سبقتها، فهي تختلف عنها بالأدوات والتوجهات والوجوه.

فيلم واحد تاني | هل تمرد أحمد حلمي على سينماه “النظيفة”؟ | أمجد جمال

من قائد موجة الكوميديا الذكية ومتى ظهرت؟ 

يصعب تحديد الأشخاص؛ لأنها نتاج تراكمات عديدة. لكن يمكن اعتبار أفلام الممثل أحمد مكي والمخرج أحمد الجندي هي نقطة بداية الجناح الأول لتلك الموجة، أما الانطلاق الأول لهم كان بفيلم “الحاسة السابعة” 2005م من تأليف وإخراج مكي، والذي فشل جماهيريًا وقت عرضه؛ ربما لعدم اعتماده على نجم شباك، أو لأن الجمهور لم يكن مستعدًا بعد لتلك النبرة من الكوميديا في وقت سيطرة الكوميديا التقليدية من المضحكين الجدد وسطوع سينما الأكشن.

الخسارة جرى تعويضها لاحقًا مع أحمد مكي نفسه بأفلام مثل “إتش دبور” 2008 – “طير أنت” 2009 – “لا تراجع ولا استسلام: القبضة الدامية” 2010 وامتدت النبرة نفسها بوضوح في مسلسل “الكبير أوي” بمواسمه و”خلصانة بشياكة”.

بينما الجناح الثاني لموجة الكوميديا الذكية فقد بدأ بالتزامن، مع الثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو.

قبل عملهم الرسمي قدموا عدة تجارب غير احترافية معبرة جدًا عن أسلوبهم في الكوميديا، مثل الفيلم المنزلي “رجال لا تعرف المستحيل”، ثم مسلسل “أفيش وتشبيه”.

حتى جاء فيلمهم الرسمي الأول “ورقة شفرة” 2008 للمخرج أمير رمسيس، وتبعوه بفيلم “سمير وشهير وبهير” 2010 للمخرج معتز التوني، والذي يمكن اعتباره حجر الزاوية أو المرجع الأساسي لتلك الموجة وأهم أفلامها.

ثم امتدت الموجة وتفرعت بأعمال مثل “الرجل العناب” و”الحرب العالمية الثالثة” و”كلب بلدي” و”حملة فريزر” و”قلب أمه”، وصولًا لمسلسل “اللعبة”.

نبرة الذاتية داخل الكوميديا الذكية

أول ما يميز هذه الموجة، أن أبطالها متورطون بشكل أو بآخر في مطبخ صناعتها، إما عبر الإخراج أو الكتابة أو الإشراف على الكتابة والرؤية العامة، جميعهم بدأوا كصناع قبل أن يتحولوا لوجوه على الشاشة، مكي مخرجًا وفهمي كاتب سيناريوهات.

وهذه سابقة تاريخية في السينما المصرية، حيث اعتدنا على كوميديانات يكتفون بوضع بصماتهم على نصوص جاهزة بالفعل، وقليل من الارتجال. لكننا لم نعتد على الكوميديان الذي يكتب ويخرج ويؤدي، بصيغة رسمية مثبتة في التترات.

الكوميديا الذكية .. مشكلة التعريف 

يحلو للبعض تسمية هذه الموجة بـ “الكوميديا الذكية”. والمسمى خلافي، يرفضه من يرى أن الدعابة بطبعها وثيقة الارتباط بالذكاء، فما من كوميديا غبية! لكن يظل المسمى معبرًا لو كان الذكاء يأتي هنا بمعنى “الوعي”، بكلمات أدق “الوعي الذاتي” Self awareness وليس بمعنى الحذق أو النباهة.

الوعي الذاتي مسمى لتيار فني معروف عالميًا، ويقصد به الأعمال القصصية التي لا تبذل مجهودًا كبيرًا في إيهام المتلقي بأن ما يراه حقيقيًا، بل تُذكّره من حين لآخر أنه بصدد عمل فني مختلق أو Meta fiction.

الكوميديا الذكية تعني فيلمًا لديه الوعي المعبر بأنه مجرد فيلم، يكسر ممثلوه الحائط الرابع كي يعلقوا على الأحداث.

فيلمًا يشير دائمًا إلى الأفلام الأخرى، يستعير منها بشكل هزلي، ويصنع محاكاة ساخرة لأفلام بعينها، أو لقوالب فنية معروفة أو مشاهد بعينها بأدوات متعددة للتناص (Intertextuality)، مثل: الإحالة (Allusion)، والمحاكاة الساخرة (Parody)، والمعارضة (Pastiche).

وكذلك تستهدف دعاباتهم الظواهر العامة في الثقافة الجماهيرية (Pop culture)، الأغاني، والألعاب، والمنتجات الإعلامية، والشخصيات العامة… إلخ.

أمثلة على موجة الكوميديا الذكية

هناك عشرات الأمثلة على ما سبق، بداية من الافتتاحية لفيلم “الحرب العالمية الثالثة” والتي تكون عبارة عن لوحة تقول: “هذا الفيلم غير مسروق من فيلم “ليلة في المتحف”.. لكن شبهه أوي”.

وكذلك يفتتح فيلم “طير أنت” أحداثه بلوحة مشابهة تقول: “فكرة هذا الفيلم مأخوذة من فيلم Bedazzeled وأي تشابه بين الفيلم والواقع “مصلحة”.

وهنا لا يكتفي صناع الكوميديا الذكية بشرح فكرة المحاكاة الساخرة أو البارودي بأسلوب اعتذاري، بل يشرحوها بمزيد السخرية.

مزيد من تلك اللمحات تجدها في سمير وشهير وبهير، كهذا المشهد الأيقوني للشاب القادم من الألفية إلى السبعينيات كي يبيع لعبد الحليم حافظ أغنيات إيهاب توفيق، ونانسي عجرم، وعماد بعرور.

وفي الحاسة السابعة، سخرية متواصلة من نشرات الأخبار وسينما الأكشن الآسيوية والمحتوى التلفزيوني الحكومي في حقب قديمة.

“حملة فريزر” فيلم يسخر من كليشيهات السينما بجرعات فوق قياسية، بداية من موسيقى عادل حقي التي تحاكي تيمة جيمس بوند الشهيرة، والفيلم نفسه يسخر من أفلام الجاسوسية، بدعابات لا تبتعد عن البوب كالشر.

يجتمع مدير الجهاز الأمني (بيومي فؤاد) بضباطه ويقترح خطة يتنكرون فيها بهيئة سينمائيين يصورون فيلمًا، بينما في الحقيقة يصورون الأنشطة الجاسوسية للأعداء، واقترح تسمية الفيلم “الجزيرة 9″، ليبتعد بقدر الإمكان عن الجزيرة 1 و2 لشريف عرفة.

وتنبع الكوميديا الذكية أساسًا من اجتماع نقيضين: شخصيات من مجتمع الحياة الميري مع شخصيات من مجتمع الفن.

– القائد: عندك فكرة عن السينما بشكل عام؟

– الضابط: مش أوي، بس أنا بصلي الجمعة في نفس الجامع اللي بيصلي فيه حمادة هلال.

لم يكن ذلك الأسلوب مجرد دعابات عارضة بالأفلام، ولكنها جزء من صميم تلك الأفلام.

البوب كالتشر في الكوميديا الذكية

في “كلب بلدي” يلجأ الفيلم لحل الأزمة الدرامية بأسلوب البوب كالتشر، حين يرفع البطل (أحمد فهمي) مسجل بصوت عمرو دياب في وجه الشرير (أكرم حسني) الذي يعشق بدوره تامر حسني فيحترق الشرير بمجرد سماع صوت الهضبة؛ في إشارة لمشاحنات قديمة بين جمهور النجمين.

وهنا يسخر الفيلم مرة من حالة معروفة في الثقافة الجماهيرية المصرية، ومرة ثانية من كليشيهات أفلام الرعب الأمريكية التي تُحل عقدها حين يرفع البطل صليبه في وجه القوى الشيطانية لتحترق بمنتهى البساطة،

وهو كذلك أسلوب تفكيكي لفيلم “كلب بلدي” ذاته، إذ يلجأ لحل “بلدي” لصراعه، مع إقرار ضمني بذلك، وهكذا يعلق الفيلم على نفسه، فيحيل ثغرة في الكتابة إلى مصدر جديد للإضحاك.

مسلسل “الرجل العناب” احتوى على لمسات لا تعد ولا تحصى من تلك النبرة الكوميدية، يكفي أن فكرته الأساسية تحاكي أفلام السوبر هيرو الأمريكية، مع تخيل أن الحاضنة للبطل الخارق المصري ستكون في مجتمع السرسجية!

عانى مسلسل الرجل العناب من عثرات إنتاجية، لكن بحنكة صناعه وخفة ظلهم الفطرية، استطاعوا تحويل ذلك التقشف المظهري للمسلسل إلى سلاح كوميدي، فصار الكيتش إيفيه ودعابة في حد ذاتها، يستمر فيها أسلوب التفكيك أو النقد الذاتي للعمل.

الفانتازيا والهزل الصرف ضد القضايا 

باختصار، موجة الكوميديا الذكية أفلام تشتبك مع الموروث الفني، والثقافي المحلي، والعالمي، مثلما تشتبك مع البنية الفيلمية لذاتها، أكثر مما تشتبك مع مشاكل المجتمع وقضاياه، وذلك فارق رئيسي بينها وبين موجة مضحكي التسعينيات، والتي كانت أقرب للدراما الاجتماعية خفيفة الظل، تعتمد على كاريزما الكوميديان، وتلتزم بالإيهام القصصي، وتطرح صورًا واقعية لمعاناة أبطالها. (خرجت عن ذلك في أضيق الحدود في فيلم “الناظر”).

الصراعات في موجة مضحكي التسعينيات كانت حول بطل يكافح البطالة أو الفقر أو الفساد أو البيروقراطية، بينما في موجة الكوميديا الذكية أصبحت الصراعات عن بطل يسافر بآلة الزمن ويكافح من أجل العودة، أو بطل يجد نفسه في متحف غرائبي فيكوّن صداقات مع شخصيات تاريخية، ويصطدم بشخصيات تاريخية أخرى.

موجة الكوميديا الذكية ورثت من سابقتها سمة السينما النظيفة في تعاملها مع الحب والقُبلات، أو ربما فُرض عليها ذلك. لكنها كانت أكثر جرأة في تناول قضايا الجندر.

أفلام مثل “بنات العم” و”قلب أمه” و”حامل اللقب” دون أن تتعمد لعبت نفس اللعبة التي لعبها فطين عبد الوهاب وجليل البنداري في “الآنسة حنفي”.

إنها كوميديا تغيير الأدوار الجنسية التي ينبع منها تعاطف ودعم للنصف المظلوم من المجتمع. وهي سمة تقدمية موجودة في أفلامهم دون شبهة وعظ.

“قلب أمه”.. الكوميديا المصرية تستعيد عافيتها

العدوى تنتشر 

ولأن مُنتَجهم بات مطلوبًا بشدة، ظهرت أفلام وفنانون آخرون يحملون نفس مبادئ الموجة، فهناك “هاتولي راجل” و”ديدو” من تأليف كريم فهمي شقيق أحمد فهمي، وهناك “بنك الحظ”.

وكذلك “عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة” والذي قدم فيه المخرج شادي علي ثلاثة أسماء طازجة في عالم كتابة الكوميديا الذكية جاء بهم من عالم السوشيال ميديا: عمرو سكر، وأحمد سعد، ومحمد كامل، وهو الفيلم الوحيد في رأيي الذي استطاع تناول ظاهرة “داعش” بما يتناسب معها من عبثية وتهريج مطلق فهي، برغم مآسيها، تظل أكبر نكتة في القرن الـ 21.

جدير بالذكر أن أول أعمال شادي علي من هذا النموذج كان مسلسل “الرجل العناب” من بطولة الثلاثي فهمي وهشام وشيكو.

لكن الأجدر بالذكر، أن كوميديان من عيار محمد هنيدي نفسه، والذي كان رمزًا لموجة المضحكين الجدد، خلع عباءته القديمة في فيلمه الأخير “الإنس والنمس”، ورفع راية استسلام مدرسته الكوميدية لصالح الكوميديا الذكية مع قصة للمخرج شريف عرفة ونص للكاتب الشاب كريم حسن بشير، الذي كتب سابقًا مسلسل “بنات سوبرمان” المنتمي بإخلاص لمدرسة الكوميديا الذكية، انتشر منه مشهد لبيومي فؤاد يحاكي مشهد شهير من فيلم Whiplash عن قائد فرقة موسيقية شعبية يوبخ أفراد فرقته بسبب وجود نشاز.

إذن، أمامنا تيار سينمائي مكتمل التعريف، ينتمي لمدرسة فنية واحدة ويسير وفق أسلوب محدد، يشبه زمنه ويشتبك مع السياق وفي حالتنا كان السياق هو الموروث الفني.

إضافة إلى تأثير وعدوى فنية تنتقل من فنان لآخر ومن عمل لعمل حتى تحول من مجرد موجة إلى شكل سائد وتيار عام في الكوميديا في العشر سنوات الأخيرة.

ورغم حداثة التجربة نالوا ثمانية مقاعد في قائمة أفضل 100 فيلم كوميدي مصري.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك