فيلم واحد تاني | هل تمرد أحمد حلمي على سينماه “النظيفة”؟ | أمجد جمال

فيلم واحد تاني | هل تمرد أحمد حلمي على سينماه “النظيفة”؟ | أمجد جمال

14 May 2022

أمجد جمال

ناقد فني

سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

أرقام شباك التذاكر والجدل المثار على السوشال ميديا عن فيلم واحد تاني تؤكد عودة أحمد حلمي لأيام مجده القديمة، وقت كان طرح أفلامه حدثًا ينتظره الجميع. الظاهرة التي توقفت تقريبًا منذ إكس لارج (٢٠١١)، ليفقد بعده المشروع بوصلته.

العودة لم تكن كلها مضيئة. هاجم البعض فيلم واحد تاني بدعوى احتوائه على مشاهد تعتمد على الإيحاءات الجنسية، وغير مناسبة للتركيبة الجماهيرية الأسرية التي تستهدفها أفلام أحمد حلمي بالعادة، مع تجاهل هؤلاء لعبارة التصنيف العمري (١٢+) التي تتصدر البوستر.

+12 إشراف عائلي كما ظهرت في فيلم واحد تاني

+12 إشراف عائلي كما ظهرت في فيلم واحد تاني

فيما ذهبت بعض التنظيرات النقدية بعيدًا لاعتبار ما قدمه حلمي نوعًا من الصحوة والتمرد على سينماه العائلية “النظيفة”، ولا بأس أن يحصد ما زرعه في عقول جماهيره من مفاهيم محافظة وبعيدة عن الفن طوال تلك السنوات، باستحقاقه ردة الفعل الغاضبة تجاهه.

“لبوسة الشغف”

من إخراج محمد شاكر خضير وتأليف هيثم دبور، يقدم فيلم واحد تاني قصة عن مصطفى، الإخصائي النفسي والاجتماعي بالسجون، الذي تسير حياته بشكل روتيني ممل، فهو وحيد وفاشل في حياته العاطفية والاجتماعية، وغير متحقق ماديًا، قبل أن يقترح عليه أحد أصدقائه القدامى أن يتناول “لبوسة” الشغف، التي ستحوله لنسخة أفضل من نفسه، فتشعل طاقته، وجاذبيته الجنسية، وخفة ظله، وتضاعف قدر ذكائه، وحجم إنتاجيته المهنية.

لبوسة فيلم واحد تاني

يحدث خطأ غير مقصود، فتخفق اللبوسة في العمل بدوام كامل، وتعمل بدوام يوم بعد يوم؛ أي يستيقظ مصطفى يومًا بشخصيته السلبية، والتالي بشخصية اللبوسة. دون أن تعرف كل شخصية منهم ما حدث في يومها السابق. وتلك هي نقطة الحبكة الرئيسية بالعمل، التي يبدو أن المؤلف استعارها من الفيلم الأمريكي Jonathan.

إفيهات جنسية: نعم. جديدة؟ لا!

بالفعل، يتخلل الأحداث اعتماد كبير على الإيحاءات الجنسية، إفيهات حول “ولوج” اللبوسة، وإفيهات عن أثرها الجانبي ببصيلات الشعر “المنتصبة”. وإفيهات حول ما تفعله كل شخصية بجسد الآخر في يومها. نعم الإيحاءات الجنسية موجودة.

لكن هل خاصمت تلك السمة فعلًا سينما أحمد حلمي القديمة؟

بالتدقيق، تكون الإجابة لا.

لم تخل أفلام أحمد حلمي القديمة أبدًا من الإفيهات الجنسية والإيحاءات. كما هو الحال مع تيار السينما الذي أطلق عليها “نظيفة” بوجه عام، والتي على عكس مما يظن البعض، لم تتحاش يومًا مسألة الجنس والإباحيات والبذاءات اللفظية، طالما أنها بعيدة عن عرض فعل الحب بشكله الرومانسي.

السينما النظيفة كانت تعني أن النساء كلهن عاهرات، عدا حبيبة البطل، التي هي “أطهر” من أن تمارس الحب مع حبيبها. يتناسى البعض أحيانًا أن صعيدي في الجامعة الأمريكية الذي بدأ تلك الموجة، احتوى بالفعل على قبلة ساخنة بين أحمد السقا وسهام جلال، وأدينت تلك القبلة في سياق العمل، لكنه لم يحتو على قبلة رومانسية واحدة بين هنيدي ومنى زكي أو غادة عادل مثلًا. طالما أنهن أهداف رومانسية للبطل، فهن أطهر من أي قبلة أو ممارسة حميمية.

تلك هي السينما النظيفة! ليست بظاهرة أخلاقوية أو طهرانية بحق كما يدعي المتحمسون لها، بل ظاهرة تكشف عن تجميعة من العقد النفسية والجنسية المتصاعدة في المجتمع، تلك التي لخصها فرويد بنظريته الشهيرة: عقدة مادونا العاهرة.

سينما حلمي نصف النظيفة

لناخذ أمثلة بجولة سريعة لأفلام أحمد حلمي “النظيفة” وبتطبيق نفس المعايير.

منذ فيلمه الأول، ميدو مشاكل، عرّف حلمي السينما المصرية على مهنة راقصة التعري Stripper، بشكلها البصري، بأحد مشاهد الفيلم. ومر المشهد بسلام، طالما أن المتعري ليست بطلة الفيلم التي تحصل على حب البطل في النهاية.

فيلمه التالي صايع بحر، شهد إفيهات من عيار “ياللي أمك ماتقولش لأ”. طالما كان الإفيه موجهًا للمرأة التي تخلت عن البطل من أجل رجل آخر، فهي تستحق خرق كود الأخلاق المزعوم من أجل توبيخها والخوض في عرضها.

وفي زكي شان، حاول البطل استدراج سائحة أجنبية لعلاقة جنسية ورفضته فوبخها بعبارة “أنا كنت عارف إنه No على فكرة. يلا يا زبالة). هذا بعد أن حاول معاكسة ابنة مديره في العمل، وصديقته القديمة في الجامعة (سميرة بهيج) بالإفصاح أنه خاض معها تفاصيل إيروتيكية لم يصل لها خطيبها المغفل (شكري السيد) ذات نفسه.

ولا ننسى أكثر إفيه اشتهر في ظرف طارق عبارة “حمرا”. هل يعقل تصنيف ما سبق  بالسينما العائلية المحافظة فعلًا؟! أم أن ذاكرة المتكلم مثل ذاكرة السمكة؟

حتى المثلية حضرت من قبل

سيرد البعض بأن الاعتراضات في فيلم واحد تاني ليست على الإفيهات الجنسية العادية، بل المثلية الجنسية بالتحديد.

لكن هذا أيضًا ليس جديدًا على سينما أحمد حلمي. راجع على سبيل المثال فيلم مطب صناعي، بتلميحاته المتواصلة عن حقنة في العضل تتلقاها شخصية عزت أبو عوف، والإيحاء بأن تلك الحقنة قد تكون في الحقيقة ممارسة مثلية مع الخادم، إلى أن يثبت العكس. فكرة لا تختلف كثيرًا عن فكرة اللبوسة.

حضرت إيحاءات مثلية أخرى، بالفيلم نفسه، مع شخصية رجل الأعمال اللبناني الذي عرض على البطل “ترويقة” (تعني فطار باللهجة اللبنانية) لكن لجهله باللهجة أساء البطل تفسيرها كفعل “مشين”. كل ذلك كان يقدم بحثًا عن الإفيه.

إذًا: ما هو التجاوز النوعي الذي قدمه أحمد حلمي في فيلم واحد تاني الجديد؟ ربما هناك تجاوز كمّي في عدد الإفيهات والإيحاءات القائمة على هذا النوع من الكوميديا، وهي مسألة تستحق التفنيد الفني لا الأخلاقي، طالما المبدأ ليس بجديد.

مخلص لسينماه “النظيفة”

باختصار، أحمد حلمي في فيلم واحد تاني لا يزال مخلصًا لـ سينماه “النظيفة”، وسيظل كذلك طالما لا تزال قصص الحب بأفلامه لا تحتوي على ذرة حميمية بين البطل والبطلة، بل إنه لا يزال يشين هذا الفعل.

وهو ما تجلى بوضوح في مشهد من مشاهد واحد تاني، إذ أشاد مصطفى بالبطلة فيروز (روبي) لأنها صدت محاولاته بالليلة السابقة، حين كان تحت تأثير اللبوسة.

لكن الأمر نفسه لم ينطبق على ليندا (نسرين أمين) التي حظت بالنصيب الأكبر من الإيحاءات الجنسية بالفيلم لمجرد إنها لم تكن الهدف الرومانسي للبطل مثل روبي. وتلك هي شيزوفرينيا السينما النظيفة.

وإذا اتفقنا أن أحمد حلمي لا يناقض كود سينماه النظيفة، فلا أستبعد أن الجدل والهجوم غير المبرر على فيلمه جاء بدافع عقابه على عمل زوجته منى زكي بفيلم “أصحاب ولا أعز”. لم نبتعد عن كونها مجرد مزايدات فارغة، أصوات ذكورية متضخمة تمارس الوصاية بشكل بات يستحق إيداعها في المصحات العقلية.

لكن وبرغم سلبية تلك التعليقات وكثرتها، أظن أن مسيرة أحمد حلمي كانت بحاجة ماسة لجدل مثل هذا النوع، بعد السكون الرهيب الذي ارتبط بأعماله لفترة. وهو الرابح الأكبر منها. إذا كنا نعيش في عصر الترند. فحلمي نجح كترند. وهذا ما سيثير الفضول العام لمشاهدة جديده في السينمات، وهو على الصعيد الفني يستحق المشاهدة.

فتش في دفاتره القديمة

حلمي لم يخلص لسينماه النظيفة وحسب، لكنه استدعى من دفاتره القديمه ما أحبه الجمهور في الأفلام المبكرة من مشواره. الكوميديا البحتة والحكي البسيط الذي يقوم على صراع الرجل الطيب الساذج العادي من أجل الحصول على مكاسب الحياة المعروفة، والتي يمنعه من بلوغها كونه طيبا وساذجا وعاديا، فيتطلع ليكون نسخة أفضل نفسه.

في زكي شان، تمنى زكي أن يحصل على بعض صفات غريمه أمير كرارة. وفي ظرف طارق، تمنى طارق أن يحصل على صفات صديقه مجدي كامل، وفي كدا رضا، تمنى سمسم أن يكون مثل شقيقيه بيبو والبرنس حتى وصل للتنكر في شخصياتهم بالفعل.

بيبو والبرنس في كدا رضا هما نفساهما “إكس” في واحد تاني، أو الألتر إيجو للبطل، الذي يسعى طوال الفيلم ليكون مثله، قبل أن تأتيه لحظة مكاشفة فيتحول لنسخة ثالثة من نفسه، نسخة تجمع مزايا الرجل الطيب مع مزايا الرجل الوغد مضروبين في الخلاط، ليكسب بهما كل شيء في النهاية.

هكذا كانت مسيرة أحمد حلمي. تسير بشكل محسوب وآمن ومستقر، توليفة مضمونة النجاح، حتى اليوم. قبل أن ينتقل بعدها لأفكار درامية واجتماعية تقوم على صراعات نفسية أكثر اختلافًا وتعقيدًا.

بعض أفلام هذه النقلة كانت موفقة، وأحدثت قفزة بمسيرة حلمي، مثل أسف على الإزعاج أو ألف مبروك أو عسل أسود. فيما خاب البعض الآخر، وأضر كثيرًا بمشروع حلمي، لأنها أرض محفوفة بالمجازفة عمومًا.

يقدم فيلم واحد تاني نفس العلة الدرامية القديمة والآمنة في أفلام أحمد حلمي بنفس الأسلوب الذي أحبه الجمهور. وسيحبه من جديد في الفيلم الأخير، الذي أضاف للخلطة السابقة بعض التنويعات العصرية المناسبة للجيل الجديد من جمهور السينما، وعلى رأسها أغنية الفيلم على طريقة الراب بصوت حلمي، وهي لفتة شديدة الذكاء منه.

روبي المظلومة في فيلم واحد تاني

صاغ هيثم دبور فكرته بتصاعد جيد، ورسم شخصياته بشكل متميز، ونجح باعتماده على تيمة سلة الأهداف Bucket list بالنسبة لبطله المنغلق، والتي تنوعت بين الفوز بحب عمره، وإشباع رغباته مع فتاة جذابة، وخوض مغامرات وسفريات لم يكن يقوى على فعلها، وتحسين شخصيته دون الحاجة لقوى خارقة، وتحقيق شغفه بكتابة القصص، وشغف آخر بالعزف الموسيقي على آلة الدرامز.

وإن كنت أرى أن البطل كان يحتاج لشغف فني من نوع واحد، إما القصص وإما الموسيقى، فكان هذا نوع من التطويل، وإن لم ينل من مصداقية الشخصية، فهو مقبول.

العناصر التمثيلية في فيلم واحد تاني من ضمن عوامل تميزه بصفة عامة، يقدم أحمد حلمي أداءً سهلًا ممتنعًا، لا يخلو من الإمتاع بخفة ظله الفطرية.

ابتعد عن الاستظراف والتكرار التي شعرنا به في أفلامه القليلة الماضية.

أحمد مالك أيضًا مقنع، ومناسب تمامًا لدوره. وكذلك عمرو عبد الجليل بدور “الزط” كان محظوظًا بحصوله على الإفيهات واللزمات الأخف ظلًا في الفيلم.

بينما روبي كانت تستحق توظيفًا أفضل، سواء على صعيد المساحة، أو على صعيد الشخصية التي كانت تحتاج خطًا دراميًا رومانسيًا أعرض في تفاصيله.

ولم يكن إعطاؤها فرصة للغناء كافيًا، رغم أن اللحظة جاءت منعشة، لكن دون تناغم حقيقي مع السياق.

الدور الباهت لروبي ظهر أسوأ بتألق ممثلات أخريات في أحداث الفيلم: الوجه الجميل نور إيهاب، التي لم تبذل مجهودًا كبيرًا لتخطف الأنظار بعفويتها وطزاجتها.

ونسرين أمين التي استعارت بعض تفاصيل شخصيتها الأيقونية في فيلم حملة فريزر، فواصلت تقديم تصورها العصري عن المرأة اللعوب خفيفة الظل.

لا أظن فيلم واحد تاني أشبع الطموح الفني لمخرجه محمد شاكر خضير، لكنه سيشبع طموح جمهور المولات والأعياد الذي يريد قضاء ساعة ونصف من التسلية المصنوعة بإتقان.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك