تشير ألواح طينية لوجود حركة تجارة ونقل عبر النيل في مصر القديمة بقوارب مصنوعة من القصب في 4000 ق.م تقريبًا، كانت مهمتها نقل الأشخاص والحبوب، وكذلك المسلات العملاقة التي يصل طولها 100 متر؛ أطول من أي سفينة حربية في العصور القديمة.
كان العامل الرئيسي للتحكم في القوارب النيلية هو الشراع، قبل أن يعرف المصريون التجديف عندما بدأ المصريون القدماء صناعة سفن بحرية من الخشب للإبحار في مياه مفتوحة في البحرين المتوسط والأحمر، وتاني وصلت حتى جزيرة كريت، بما أنعش حركة التجارة.
الحركة التجارية تعرضت لاحقًا لضربة قاضية بسبب غارات شعوب البحر الذين استخدموا بدورهم قوارب حربية يعتبرها مؤرخون كانت أشبه بالنموذج الأولي لقوارب الفايكنج الطويلة السريعة، بما يسبب انهيار حضارات المايسينيين في اليونان ومدن ساحل المتوسط والحضارة الحيثية، بينما ستبقى مصر كدولة وحيدة مستمرة بفضل نجاح رمسيس الثالث من صد الهجوم.
رغم ذلك، ستعود حركة التجارة والاستكشاف المصرية، حيث سجل هيرودوت إبحار رحلة استكشافية مصرية عام 600 ق.م مصر عبر البحر الأحمر للدوران حول أفريقيا قبل العودة من البحر المتوسط في رحلة استغرقت عامين.
مشكلة مصر الأساسية كانت عدم وجود غابات، وبالتالي قلة الأخشاب المتوفرة لبناء أساطيل حربية أو تجارية.
لكن الفنيقيين استفادوا من وفرة الأخشاب لتأسيس مستعمرات في عدة مناطق في البحر المتوسط، أهمها قرطاجة، التي تحولت بفضل أسطولها التجاري لإمبراطورية وقوة عظمى، كنوع فريد من الإمبراطوريات؛ لأنها لم تعتمد على جيوش كبرى للغزو، بل على النفوذ التجاري والاقتصادي وتأسيس المستعمرات.
في المقابل، كان الرومان شعبًا بريًا في الأساس، لا يجيد الإبحار، ويملك أسطولًا متأخرًا.
لكن نقطة انطلاق الرومان نحو تأسيس إمبراطوريتهم كانت ما يمكن وصفة بأول عملية سرقة تكنولوجية؛ إذ أسر الرومان سفينة قرطاجية انحرفت لسواحلهم في 261 ق.م، واكتشفوا منها طريقة بناء السفن؛ لأن أخشاب السفينة كانت تحوي أرقامًا وعلاماتًا تحدد ترتيبها في عملية البناء، فيما يشبه تركيب البازل.
من هنا، حدث الرومان أساطيلهم، وتمكنوا من تدمير قرطاجة في الحروب البونية الثلاث، لتصبح روما القوة المسيطرة في غرب المتوسط، ثم تلتفت للشرق.
حتى ذلك الوقت كانت السفن في غالبيتها تعتمد على تصميم سفن قادس الفنيقية، لكن التطور الحربي الأخطر في عالم السفن جاء مع غارات الفايكنج باستخدام السفن الطويلة والتي كانت قادرة على الإبحار في المحيطات.
استخدام قطعة خشب واحدة طويلة في بناء سفن الفايكنج منح هذه السفن مرونة وانسيابية في الحركة وقدرة على تحمل ضربات الأمواج.
هذه السفن مكنت الفايكنج بحلول القرن العاشر الميلادي من شن غارات وصلت حتى شمال أفريقيا وتمكن الفايكنج أيضًا من تأسيس متسعمرات لهم في أيسلندا وجرينلاند وحتى الوصول لأمريكا الشمالية على يد ليف إيريكسون.
السفن في الماضي كالطائرات في عصرنا الحالي، وسيلة السفر الأسرع على الإطلاق، مثلما نقلت البضائع والجيوش، ساهمت أيضًا في نقل الأمراض.
في القرن الرابع عشر، كان الطاعون الذي اشتهر تاريخيًا باسم الموت الأسود قد وصل لأوروبا عبر 12 سفينة إيطالية وصلت لميناء ماسينا الصقلي وعليها فئران تحمل القمل الذي يحمل بدوره بكتريا الطاعون.
من هذا الميناء انتقلت سفن الموت بفئرانها لموانئ مارسيليا وروما وفلورنسا ووصلت لندن في 1348 والنتيجة كانت وفاة نصف سكان أوروبا.
من هنا، ظهر اختراع الحجر الصحي حيث طبقت البندقية شرط الحجر الصحي 40 يومًا للسفن التي ستسمح لها بالرسو ومن هنا جاءت كلمة "كوارنتين" من كلمة "كارنتينا" الإيطالية في إشارة للحجر 40 يومًا.
لم تستنسخ باقي دول أوروبا قوارب الفايكنج بسبب صعوبة العثور على الأشجار شاهقة الطول. لكن صناعة السفن تطورت بظهور السفن ذات الـ3 صواري وأحيانًا الـ 4 صواري.
هنا أصبحت السفن أكبر حجمًا، وبأشرعة أكثر، وقوية بما يكفي لحمل عدد كبير من الأشخاص والحمولات وعبور المحيطات.
تزامن هذا مع بداية عصر الاستكشاف والبحث عن أراضي وثروات العالم الجديد وكانت البرتغال وإسبانيا ثم إنجلترا على رأس الدول المتسابقة في إنشاء مستعمرات في الأمريكتين.
انجلترا تحديدًا بدأت سيطرتها البحرية بمجرد تمكنها من هزيمة الأرمادا الإسبانية بفضل وجود بحارة أكثر خبرة وسفن أكثر سرعة من السفن الإسبانية التي تركز على الحجم الكبير.
بجانب السيطرة الإنجليزية البحرية، كانت هولندا في القرن السابع عشر الدولة الأشهر في مجال التجارة البحرية.
عملت الدولتان بنظام "القرصنة التفويضية" أي السماح لملاك سفن أو قراصنة بالهجوم والإغارة على سفن وموانئ الدول المعادية دون مهاجمة سفن الوطن، على أن يقتسم القرصان جزء من الغنائم مع بلده.
هنا كانت بداية العمل الخاص وعصر استكشاف جديد تطور حتى إنشاء أسطول عسكري خاص بشركة الهند الشرقية وتأسيس مستعمرات لهولندا وبريطانيا.. كذلك ارتفعت نسبة الثراء والعمل التجاري الخاص بفضل القرصنة التفويضية.
من بين هذه المستعمرات مدينة نيو أمستردام التي أصبحت فيما بعد مدينة نيويورك.
لكن أهم المستفيدين من السفن الهولندية كانت روسيا؛ لأن قيصرها بيتر الأكبر عندما بدأ مشروع تحويل بلاده لدولة أوروبية حديثة كان عليه ليس فقط إدخال الموضة وأداب البلاط الأوروبي لروسيا المنعزلة بل أيضا هزيمة الأتراك في البحر الأسود لضمان وجود روسيا على قائمة الدول التي تملك شواطئ بحرية.
هنا سافر بيتر الأكبر متنكرًا لهولندا وتعلم عدة صناعات منها الحدادة وطب الأسنان والنجارة وصناعة السفن.. ونقل خبرته تلك في صناعة أسطول روسي تمكن به من هزيمة الأتراك في سلسلة الحروب التي انتهت في 1700، مع وصول روسيا أخيرًا لقائمة الدول العظمى.
كتاب تاريخ بوليبوس الجزء الأول
كتب قصة الحضارة – ويل ديورانت
كيف نقلت سفن الموت الأمراض؟ (ذا كونفرزيشن)
لماذا تدين روسيا بإمبراطوريتها لهولندا (روسيا بيوند)