بينما استوديوهات صناعة المسلسلات التلفزيونية عالميًا مشغولة بصناعة محتوى أكثر تطورًا في الأفكار والتقنيات، وأكثر قدرة على حبس أنفاسك لأطول فترة ممكنة، تتسمر المصريات أمام الشاشات لمشاهدة مسلسلات مثل “إلا أنا” أو “زي القمر” و”ليه لأ”.
تتعاطفن مع ياسمين بعدما طردها زوجها إلى الشارع، وتدعون على إنجي حيث خربت بيتها وشردتها، وتطلقن الزغاريط احتفالًا بعثور شادية على “عوضها” أخيرًا والحمد لله.
صناع الدراما التليفزيونية في مصر لجؤوا إلى مسلسلات دراما الحكايات القصيرة. جيث كل مسلسل يضم عددًا من الحكايات القصيرة المتصلة المنفصلة، أو المنفصلة كليًا.
لكل حكاية فكرة بسيطة، وقصة مختلفة، ونجوم مختلفون، ومخرج مختلف يحكيها عبر 8 أو 10 حلقات.
معظمها نال نجاحًا مهمًا، وصنع الترند على السوشال ميديا.
لكن. كيف نجح صنّاع مسلسلات دراما الحكايات القصيرة في اقتناص النجاح بهذه الأفكار البسيطة في ظل هذا التطور الرهيب في صناعة الدراما التلفزيونية في العالم؟
دراما الحكايات القصيرة تتناسى “المط والتطويل” في دراما رمضان بأنماط درامية تراعي ظروف المشاهد، وظروف باقته، وظروف الراوتر.
قبل أن تنتهي باقتك ستكون استمتعت بوجبة فنية متكاملة.
محتوى موجز ومكثف يمكن لربة المنزل متابعته خلال فترة طهي الأرز، أو انتظار وصول “باص” المدرسة.
الفيلم نوار في السينما المصرية | من كمال الشيخ إلى نسخة “السينما النظيفة” لساندرا نشأت | أمجد جمال
القضايا التي تناقشها مسلسلات دراما الحكايات القصيرة تبدو سطحية. لكنها في بعض الأحيان مؤثرة.. ربما لبساطتها.
المحتوى الذي تقدمه يشبه البوستس الطويلة على جروبات فيسبوك النسائية، مثل “بيتي حياتي”، “قعدات ستات”، “حكاوي وحكايات”.
تحكي مشكلات اجتماعية تبدو بسيطة، لكنها غنية بالتفاصيل المثيرة:
تخيل أن تلك البوستس التي تثير شغفك في فيسبوك تتحول إلى قصة درامية،
بأبطال من لحم ودم، تتعايش مع شخوصها، وتنفعل بمواقفهم في وقت قصير، ثم تنتقل إلى بوست جديد أو حكاية جديدة!
تبدأ القصة من هنا. . وتنطلق حملات التعاطف من الحلقات الأولى..
بداية من مرحلة “شوف ازاي”،
مرورًا بـ “حسبي الله ونعم الوكيل فيك راجل”!
وصولًا مع الحلقات الأخيرة إلى مرحلة :”جدعة.. أهو كده”.
فيلم لص بغداد.. ما الذي ينقص السينما المصرية لصناعة فيلم أكشن جيد؟ | ريفيو | حاتم منصور
عدم توقع النجاح أحد أسرار نجاح مسلسلات دراما الحكايات القصيرة.
تتر مسلسل ليحيي الفخراني أو يسرا أو نيللي كريم يرفع سقف توقعات النجاح في عقلك لا إراديًا.
بينما ينخفض السقف عندما تتابع قصة بطولة مجموعة من الوجوه الجديدة..
فالنجاح القادم من سقف توقعات منخفض له مذاق مختلف.
من حسنات هذا التوجه الدرامي أنه لا يسلط الضوء على الوجوه الجديدة فحسب، بل يعيد فرز وإنتاج الوجوه المعروفة، مثل مي كساب ونيرمين الفقي وأحمد بدير، فيمنحهم شهادات ميلاد جديدة مختومة بنجاح المسلسل.
معظم المشاهد تصور على كنبة الصالون أو السفرة.. ولهذا ميزات خفية:
لا نجم يشترط اصطحاب أسرته وفريق عمله للتصوير في الخارج (ليس هذا موقفا تخيليا. نجمة اشترطت على الإنتاج اصطحاب زوجها في رحلة التصوير الخارجية وأن يعثروا له على وظيفة خلال إقامتها). ولا تكالبف إضافية لشراء ملابس مناسبة للدور.
من دفاتر صلاح أبو سيف.. الواقعية والرقابة والجنس والنقاد | أمجد جمال
أجور أقل. بالتالي تكلفة أقل. مقابل مصادر دخل أكثر تنوعًا: “إعلانات المحطات التلفزيونية + منصات البث + الربح من الفيديوهات القصيرة على فيسبوك ويوتيوب”.. بالتالي إنتاج أكبر.
وبشكل عام نسبة الخسارة أقل؛ لأن القاعدة الإنتاجية هنا تقول إن “الحكاية بتشيل حكاية”، بمعنى أنه حال فشل إحدى القصص سيعوض المنتج بنجاح القصة التالية وهكذا، بعكس مسلسل الثلاثين حلقة والأربعين نجم والخمسين مليون جنيه.. الضربة هنا قاضية.
بعد أن كانت حياة العاملين بالمجال متوقفة على شهر رمضان، منحت مسلسلات دراما الحكايات القصيرة – ومسلسلات الأوف سيزون بشكل عام- مصدر دخل لجميع صناع الدراما التليفزيونية، من مديري تصوير، ومونتيرين، ومهندسي ديكور، فنيي إضاءة، عاملي بوفيه، وغيرهم.
الأمر يشبه فكرة الخروج من العاصمة إلى المدن الجديدة، الهروب من زخم رمضان لرحاب باقي شهور السنة.
بالطبع لا!
الصديقة الخائنة التي خطفت زوج صديقتها وتزوجته، انقلبت عليه بسرعة بسرعة، والبطلة المظلومة حصلت على ترقيات غير منطقية في عملها بسرعة بسرعة، من كاشير لمدير عام توريدات كل الفروع.. لا وقت لتبرير الأحداث، الحلقات هتخلص.
لكن في النهاية، حسنات تجربة مسلسلات درانا الحكايات القصيرة وأماراتها تجعلنا نمنحها رصيدًا إضافيًا من الصبر.
الخطوة لا تزال في بدايتها. وبناءً عليه، فأمام صنّاعها الوقت الكافي لتطويرها بإتقان، والاستفادة منها بشكل أوسع، لصالح التجربة نفسها أولًا.. ثم لصالح صناعة الدراما التلفزيونية عمومًا.
وحيد حامد | أحلام الفتى الكاتب وكوابيس الواقع المصري | حاتم منصور