الأزمة الاقتصادية الحالية في دولة (س) سببها اضطراب سلاسل الإمداد.. جملة تتكرر في خطابات المسؤولين الرسميين والاقتصاديين والخبراء في نشرات الأخبار يوميًا
ماذا تعني سلاسل الإمداد أصلًا؟
لماذا وكيف بدأ الاضطراب؟
وما الأثر الذي قد يتركه تعطل مصنع في الصين أو مزرعة قمح في أوكرانيا على مائدة طعامك في مصر؟ أو السوبر ماركت الذي تتبضع منه في الخليج؟
ومتى قد تنتهي الأزمة؟
س/ج في دقائق
ما هي سلاسل الإمداد بدايةً؟
للتبسيط، تابع ما يحدث في هذه الصور أولًا، ثم واصل القراءة:
سلاسل الإمداد “Supply Chain” تعني باختصار النظام الكامل لإنتاج وتسليم منتج أو خدمة، من مرحلته الأولى بتوريد المواد الخام، وصولًا إلى تسليمه للمستخدم النهائي.
هذه السلسلة تشمل شبكة متصلة، تضم أفرادًا ومنظمات، وفي جميع جوانب عملية الإنتاج، بما في ذلك الأنشطة المتضمنة في كل مرحلة، والمعلومات المتبادلة بين أطراف التصنيع والنقل، والتقنيات المستخدمة، والموارد الطبيعية التي يجري تحويلها إلى مواد مفيدة، والموارد البشرية، والمكونات الأخرى التي تدخل في المنتج النهائي أو الخدمة.
أعطني أمثلة تبسيطية لأفهم أكثر!
حسنًا. لنعطيك مثالًا على سلاسل الإمداد بـ “سلسلة التوريد العامة”:
تبدأ بتحديد مصادر المواد الخام واستخراجها، ثم نقل المواد الخام من مزود الخدمات اللوجستية، إلى مورد يعمل بمثابة تاجر جملة، ثم نقل المواد الخام إلى الشركة المصنعة، أو ربما العديد من الشركات المصنعة، التي تجري عمليات المعالجة للتحويل إلى منتج نهائي.
بعد ذلك، يذهب المنتج إلى الموزع الذي يبيع المنتج النهائي بالجملة، والذي يسلمه بعد ذلك إلى بائع التجزئة، الذي يبيع المنتج للمستهلكين.
بمجرد أن يشتري المستهلك، تكتمل دورة سلسلة التوريد. لكن الطلب هو الذي يدفع لإنتاج المزيد من المواد الخام، لتستمر الدورة.
لماذا اضطربت سلاسل الإمداد في العامين الماضيين؟
بداية من أزمة كورونا، وصولًا إلى الحرب في أوكرانيا، دخلت سلاسل الإمداد في مشاكل لسببين رئيسيين:
1- تغيرات أساسية على سلوك المستهلك “اختلال الطلب”.
2- توقف أجزاء من السلسلة عن العمل جزئيًا أو مؤقتًا نتيجة عمليات الإغلاق “إيقاف المصانع مثلًا في الصين وأوروبا مثلًا”، أو توقف حركة الشحن “تعطل الموانئ وإيقاف حركة الطيران”، أو منع عمليات تصدير المواد الخام “وقف تصدير القمح الأوكراني مثلًا”.
هذه التغيرات أدت لخروج شركات من السوق، وتعطل أجزاء من السلسلة. مثلًا، في الفترة من نوفمبر 2020 إلى سبتمبر 2021، ساهم اضطراب سلاسل الإمداد في خفض التجارة العالمية المتوقعة بـ 2.7%، وخفض الإنتاج الصناعي العالمي بـ 1.4%.
بالتبعية، تأثر وصول المنتج النهائي إلى السوبر ماركت الذي تشتري منه، بما أدى أولًا لقلة المعروض، وثانيًا لارتفاع الأسعار.
نتمنى بالتأكيد أن تنتهي الأزمات، وإن كان هذا خياليًا. لكن عمومًا، حل الأزمات الأساسية لا يحل المشكلة سريعًا!
العالم بمفهوم سلاسل الإمداد شبكة متصلة. تعطل أي جزء منها بسبب أي أزمة يضر بشبكات الإنتاج العالمية، وهذا يسبب اختلالًا بين العرض والطلب على بعض السلع؛ بسبب ما يشار إليه بأنه “اختناقات التوريد”، أو حدوث “نقطة عنق زجاجة” في نظام الإنتاج، تحدث عندما تتضاعف أعباء العمل بسرعة كبيرة، عندما يعاود الطلب ارتفاعه القوي، بحيث يتعذر على عملية الإنتاج التعامل معها، وبما يؤدي غالبًا إلى حدوث تأخيرات في التسليم وتكاليف إنتاج وشحن أعلى، وبالتالي زيادة الأسعار مجددًا.
هذه التأثيرات تسهم أيضًا في ظهور ما يعرف بـ “تأثير السوط”؛ أي أن تقوم شركات في مجال معين بإنتاج مخزونات كبيرة من سلع بعينها لأنها تتوقع طلبًا قويًا عليها، وسط نقص في مدخلات الإنتاج الرئيسية، مثل المواد الخام والمواد الوسيطة، بما يربك سلاسل الإمداد للسلع الأخرى التي تعتمد على نفس المواد.
مثال: في أزمة كورونا، ارتفع الطلب على الرقائق المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية لتلبية الطلب على المعدات الضرورية للعمل من المنزل. الرقائق الإضافية في هذا القطاع خصمت من نصيب قطاع إنتاج السيارات، التي تضررت بشدة.
يأمل المتخصصون في أن تتقلص اضطرابات سلسلة الإمداد تدريجيًا حتى 2022، وإن كان هذا غير مؤكد.
مثلًا، انخفضت تكاليف الشحن. لكن أزمة أوكرانيا عطلت توريد المواد الخام من المنطقة كلها.
وعمومًا، لا يمكن استبعاد مخاطر حدوث مزيد من اضطرابات العرض، خصوصًا إذا طرأت أحداث على الساحة العالمية مثل تصاعد وتيرة الحرب الأوكرانية، أو ظهور جائحة جديدة، مما قد يتسبب في إغلاق موضعي في الموانئ أو الشركات، فيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في الإنتاج والشحن.
كما أن الظروف العالمية قد تؤدي لحدوث تحول أكبر في طلب المستهلكين من الخدمات إلى السلع، مما يؤدي إلى تفاقم اختناقات العرض.