قبل سنوات، اكتشف علماء آثار الحفريات من مدينة قديمة مدمرة، في الأردن الحالي.
تمكن الباحثون من تحديد طبقة مختلطة من الفحم، والرماد، والطوب اللبن المذاب، والفخار الذائب.
حينها، توقعوا أن عاصفة نارية شديدة دمرت هذه المدينة منذ زمن بعيد.
لم يكن أحد متأكدًا تمامًا مما حدث للمدينة. لكنهم استبعدوا سيناريوهات البراكين والزلازل والحروب، باعتبار أن تلك الاحتمالات لا تفسر كل تلك المواد المصهورة.
بحثًا عن احتمال ما حدث، استخدم الباحثون حاسبة التأثير الإلكترونية لنمذجة السيناريوهات التي تناسب الأدلة التي عثروا عليها.
الحاسبة التي صممها خبراء التأثير، سمحت للباحثين بتقدير التفاصيل الدقيقة للحادث. واستنتجت أن المتسبب في إبادة تل الحمام كان كويكبًا صغيرًا مشابهًا للذي أسقط 80 مليون شجرة في روسيا عام 1908، أو نسخة مصغرة جدًا من الصخور العملاقة التي تسببت في انقراض الديناصورات قبل 65 مليون عام.
بالوصول إلى تلك النقطة، توصل الباحثون إلى سيناريو محتمل، لكنهم باتوا بحاجة إلى دليل.
في الموقع، عثر الباحثون على حبيبات رملية مكسورة بدقة تسمى "الكوارتز المصدوم (المرو، وهو معدن مألوف يوجد في العديد من أنواع الصخور)، لكنه يتشكل فقط عند 725,000 رطل لكل بوصة مربعة من الضغط (5 جيجا باسكال "وحدة قياس دولية مشتقة للضغط").
غالبًا لا تدرك تلك المصطلحات العلمية المعقدة أعلاه. للتبسيط: تخيل أنك تحمل 408 أطنان بإصبعك الإبهام.
وجد الباحثون كذلك بنى ألماسية دقيقة "مواد قاسية مثل الماس لكن حجمها دقيق جدًا أصغر من فيروس الإنفلونزا".. هذه البنى، وفق الباحثين، ليست إلا أخشابًا ونباتات تعرضت لضغط عال ودرجات حرارة قاسية.
أما الفجار والطوب اللبن الذائب، فقد تأكد الباحثون أن الوصول لتلك الدرجة من الإسالة في أفران المختبر لم تكن ممكنة في درجات حرارة أقل من 1,500 درجة مئوية.
وجدوا كذلك كرات صغيرة من المواد المنصهرة أصغر من جزيئات الغبار المحمولة جوًا، تسمى الكريات، وهي مصنوعة من الحديد المبخر والرمل الذائب عند حوالي 1,590 درجة مئوية.
بالإضافة، كانت أسطح الفخار والزجاج المصهور مغطاة بحبيبات معدنية ذائبة صغيرة، بما في ذلك الإيريديوم الذي تصل درجة انصهاره إلى 2,466 درجة مئوية، والبلاتين الذي يذوب عند 3,215 درجة مئوية، وسيليكات الزركونيوم التي تنصهر عند 2,800 درجة مئوية.
كل تلك الأدلة مجتمعة كانت تعني للباحثين أن المدينة تعرضت إلى درجة حرارة أعلى من البراكين والحرائق العادية مهما بلغت شدتها.. وكان الاحتمال المتبقي هو التدخل الكوني، خصوصًا أن نفس الأدلة وجدت في مواقع الاصطدام المعروفة، مثل كويكب روسيا، وحفرة تشيكسولوب، التي أنشأها الكويكب الذي تسبب في انقراض الديناصورات.
السيناريو الذي رسمه الباحثون للواقعة أن أهالي المنطقة كانوا يمارسون أعمالهم المعتادة في يوم ما قبل 3,600 عام، بينما كانت صخرة فضائية جليدية تتسارع نحوهم بسرعة 61,000 كم في الساعة، قبل أن تنفجر في كرة نارية ضخمة على بعد 4 كيلومترات فوق الأرض، في انفجار يعتقد الباحثون أنه كان أقوى 1,000 من انفجار قنبلة هيروشيما الذرية.
وميض الانفجار خطف أنظار الأهالي الذين أصيبوا بالعمى على الفور. قبل أن ترتفع درجة الحرارة سريعًا إلى ما يتجاوز 2,000 درجة مئوية، لتشتغل النار في كل مكان، وتبدأ السيوف والحراب والطوب اللبن والفجار في الذوبان.
بعد بضع ثوان، ضربت المدينة موجة صدمية "اضطراب هوائي يحدث عند تحرك جسم بين طبقات الهواء بنفس سرعة الموجات الصوتية الناتجة أو بسرعة أكبر".
سرعة الموجة وصلت 1,200 كم في الساعة، وهو معدل أقوى من أسوأ إعصار مسجل في التاريخ.
الرياح القاتلة دمرت كل المباني، بما فيها قصرلمقدر بـ 12 طابقا، ثم نقلت الحطام بعيدًا عن وادي الحمام إلى وادٍ قريب.
والنتيجة، أن أجساد 8,000 شخص، هم كل سكان المدينة حينها، وكل الكائنات الحية فيها، تمزقت كليًا، وانفجرت العظام إلى شظايا صغيرة.
بعد حوالي دقيقة، كانت الموجة الانفجارية تضرب مدينة أريحا على بعد 22 كم إلى الغرب من تل الحمام. لتنهار أسوار المدينة وتحترق تمامًا.
أحد الألغاز التي تبقت بعد هذا التفسير كان استكشاف السبب في أن المدينة وأكثر من 100 مستوطنة بشرية أخرى في نفس المنطقة بقيت خاوية من البشر لعدة قرون أخرى بعد هذا الدمار.
التفسير الذي رجحه الباحثون أن المستويات العالية من الملح المترسب خلال الحادث جعلت من المستحيل زراعة المحاصيل.
الأمر محل بحث. لكن العلماء يعتقدون أن الانفجار ربما تسبب في تبخر أو تناثر مستويات سامة من مياه البحر الميت المالحة عبر الوادي.
وبدون زراعة، بات مستحيلًا أن يعيش بشري في تلك المنطقة لنحو 600 عام، إلى أن أدت قلة هطول الأمطار في هذا المناخ شبه الصحراوي إلى إزالة الملح.
الوصول إلى هذا السيناريو تطلب 15 عامًا من الحفريات المضنية التي شارك بها مئات الأشخاص. كما تضمن تحليلات تفصيلية للمواد المستخرجة بمشاركة علماء من 10 ولايات أمريكية، بالإضافة إلى باحثين من كندا والتشيك.
نشر الباحثون النتائج مؤخرًا في مجلة ساينتيفيك ريبورت، بمشاركة 21 شخصًا يشملون علماء الآثار، والجيولوجيين، وعلماء الجيوكيمياء، وعلماء الجيومورفولوجيا، وعلماء المعادن، وعلماء النباتات القديمة، وعلماء الرواسب، وخبراء التأثير الكوني، والأطباء.
يحكي سفر التكوين عن عذاب قوم لوط فيقول: "فأمطر الرب على سدوم و عمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء. وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض. ونظرت امراته من ورائه فصارت عمود ملح".
ويحكي القرآن: "قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّها المُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِيْنَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهمْ حِجَارَةً مِّنْ طِيْنٍ* مُّسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلمُسْرِفِيْنَ".
قبل السيناريو العلمي الجديد، كانت تفسيرات "الإعجاز العلمي" تحكي عن هزة أرضية عنيفة؛ باعتبار أن البحر الميت منطقة زلزالية نشطة، لكي تتطابق مع آية "فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنا عَالِيَهَا سَافِلَهَا" أو انفجار بركاني استدلالًا بآية "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ المُنذَرِينَ".
لكن الباحثين في الدراسة الجديدة لا يستبعدون احتمال أن الناجين من تلك الكارثة الكونية في المناطق المحيطة تناقلوا روايات ما شاهدوه شفهيًا، ثم استمر التناقل على مدى أجيال، حتى سجل أحد تلك الأجيال اللاحقة ما تبقى من الرواية في قصة سدوم التوراتية.
وصلنا لنقطة النهاية، وهي مخيفة بكل الأحوال.
من شبه المؤكد أن تل الحمام لن تكون آخر مدينة مأهولة تتعرض لهذا المصير المأساوي.
يقول الباحثون إن انفجارًا مماثلًا لما حدث في تلك الحمام قادر على تدمير مناطق بأكملها، وأن تشكل خطرًا شديدًا في العصر الحديث.
يضيفون أن أكثر من 26,0000 ألف كويكب معروف، و100 من المذنبات قصيرة المدى تدور قريبًا في الأرض، وفق الأرقام المسجلة بحلول 2021. بخلاف ملايين أخرى من الأجسام الفضائية غير مكتشفة، التي ربما يتجه بعضها نحو الأرض في أية لحظة.
الفارق الوحيد بيننا وبين سكان تل الحمام قبل 3,600 سنة، أن العلم أعطانا ما يكفي لنعرف أن إحدى تلك الأجسام سيتوجه إلى منطقة ما.. لن نفتح أعيينا لنرى السماء تنفجر فوق روؤسنا.
الدراسة التفصيلية حول تل الحمام (نيتشر)
صخرة فضائية عملاقة دمرت مدينة قديمة في الشرق الأوسط وكل من فيها (ذا كونفرزيشن)