الاختيار ٢ | كيف تفوق على مسلسلات موسم رمضان وعلى جزئه الأول؟ | أمجد جمال

الاختيار ٢ | كيف تفوق على مسلسلات موسم رمضان وعلى جزئه الأول؟ | أمجد جمال

22 Apr 2021

أمجد جمال

ناقد فني

مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قبل انتصاف موسم دراما رمضان 2021، بات تصدر مسلسل الاختيار ٢ السباق واضحًا: نجح بمقاييس نسب المشاهدة، وأرقام محركات البحث، وحجم التفاعل الضخم على منصات السوشال ميديا، الذي تجاوز كل شيء، حتى أصبح يعرف بالمسلسل الذي تعطلت بسببه إحدى منصات البث لبضع ساعات من شدة الإقبال.

جمع كل عوامل النجاح.. أو الفشل

المتربص سيقول: ولم لا ينجح عمل مثل الاختيار 2 وقد توافرت فيه كل عناصر النجاح: أحداث حقيقية، ميزانية كبيرة، دعم علني من مؤسسات الدولة، قضية مثيرة للجدل، والاستناد إلى جزء أول ناجح. إذن، أيًا كان المستوى الفني للمسلسل كان لينجح!

لكن بالتدقيق في هذا الادعاء نجده غير حقيقي؛ لأن مقومات النجاح المزعومة هي نفسها أسباب للتهديد بفشل محتمل:

١- في كل الدنيا، نادرًا ما تتفوق الأجزاء الثانية على الأولى وتخسر في المقارنة.

٢- أما الأحداث الحقيقية، فسهل أن تتحول لنقطة نزاع بين من عايشها، كلٌ وفق ذاكرته ورؤيته وانحيازاته، وبخاصة حين تكون الأحداث قريبة زمنيًا ولم يتجاوزها المجتمع نفسيًا.

٣- كذلك القضايا المثيرة للجدل قد يمتد جدلها لإثارة الانقسام والاستقطاب بحق المسلسل نفسه.

٤- بينما دعم الدولة يفسر كانحياز سياسي دعائي لموضوع المسلسل، والدعاية سمة سيئة السمعة، حتى والجميع يمارسها شرقًا وغربًا.

إذن، النجاح الفني لا بديل عنه، وكل مقومات النجاح الأخرى محفوفة بالمخاطر. ذلك ما يجعل الاختيار ٢ المسلسل الأهم على الإطلاق هذا الموسم، وأؤمن أنه الأهم حتى بمنظور ألدّ أعدائه وكارهيه ومن يستهدفهم المسلسل، وهم أكثر حرصًا على متابعته والاشتباك معه نقديًا حلقة بحلقة كما يظهر على السوشال ميديا.

رفع سقف التحدي

الاختيار ٢ بالغ الأهمية لأنه مثل الربّاع الذي اختار أن يرفع أعلى وزن ممكن في المنافسة الرياضية. بالمثل يرفع المسلسل سقف التحدي. لا أنكر وجود أعمال درامية أخرى منفذة بإتقان وعناية هذا الموسم، لكنها لم تخض تحديًا فنيًا أو فكريًا أصعب من ذلك، والعدل ألا نكافئ بحسب نتائج الاختبارات دون مراعاة لتفاوت مستواها.

في الاختيار ٢ تنتقل السردية من بطولات الجيش في سيناء، لبطولات جهاز الشرطة في صد واحتواء الإرهاب المسلح الذي قاده أنصار جماعة الإخوان في قلب المدن المصرية في الشهور والسنوات التي تلت ثورة ٣٠ يونيو. ويوّلي اهتمامًا خاصًا بحوادث الخيانة والانشقاق لبعض أفراد الشرطة الذين استقطبتهم الجماعة للعمل لصالحها ضد زملائهم.

تغييرات عن الجزء الأول

يجسد كريم عبد العزيز شخصية زكريا يونس ضابط جهاز الأمن الوطني الذي يتتبع أنشطة الجماعات الإرهابية ويقود عمليات التحقيق والتحري لإفشال مخططاتها، في حين يجسد أحمد مكي شخصية صديقه يوسف الرفاعي ضابط القوات الخاصة والأمن المركزي الذي يخوض المواجهات المسلحة على الأرض.

معظم تلك العمليات عن أحداث واقعية مشهورة إعلاميًا، لكن البطلين مزيج من خيال المؤلف وبعض الحقائق المحرفة لأسباب أمنية.

ينجح الاختيار ٢ في الاختبار الفني الأصعب، لأنه استوعب أسباب نجاح الجزء الأول وتفهم أخطائه ونقاط ضعفه، فتدارك النسبة الأكبر من تلك الأخطاء. واستغل كوادره الجديدة في صناعة الفارق، مع بقاء قائد العمل المخرج بيتر ميمي وهو يزداد نضجًا ومهارة ودقة.

تغيرات مؤثرة حدثت في طاقم العمل بجانب الممثلين. حيث انضم السيناريست هاني سرحان (كاتب الأب الروحي) ليحل محل باهر دويدار. وانضم الموسيقار خالد الكمار ليحل محل تامر كروان.

زيادة الحرفية

لم ينس صناع العمل أن مزج المحتوى الوثائقي بالمحتوى الدرامي كان أحد الأسباب الرئيسية في نجاح الجزء الأول، فتضاعف حجم الاعتماد على هذا المحتوى في الاختيار 2 مع زيادة حرفية المزج الذي يضيف مزيد من الواقعية، كما يرد تلقائيًا على أية اتهامات بالتلاعب وتزوير التاريخ، ويجعل مشاهد الاشتباكات والمعارك أكثر إثارة وفتكًا بالأعصاب والمشاعر. مع مساعدة عناصر الديكور والتصميم الإنتاجي والجرافيكس الذين أعادوا تخليق مسارح الأحداث الحقيقية لتتوافق مع المادة المصورة.

عناصر تقنية أخرى متفوقة أبرزها الهندسة الصوتية وتوليف شريط الصوت، حيث بدا تنفيذها أسهل من حقيقته وهي تخوض تحدي مشاهد اعتصام رابعة العدوية، امتزاج أصوات الشخصيات بأصوات الجماهير بأصوات خطباء منصة رابعة، وكل الخطب كانت من تسجيلات حقيقية تم إعادة توليفها بانتقاء جيد ومعالجة صوتية ممتازة لتعبر عن أجواء الاعتصام تقنيًا وفكريًا.

فيما جاءت موسيقى خالد الكمار لتقوم بتكثيف الحالة التي تعرضها الصورة، مع توظيف آلة الأوبوا والكمان بطابعهما الملحمي، وجمل العود القصيرة وباص التشيلو في المشاهد الموترة. لكن تحتاج بعض التركيز لتميز أبعاد الجمل الموسيقية، هذا شيء يُحمد في موسم رمضاني تتسابق فيه المسلسلات على رميك بالتيمات الموسيقية الزاعقة بسبب ودون سبب.

كذلك ظهر تميز عناصر تقنية كتصميم الملابس والمكياج، الذي لم يكن بحاجة لدراسات تاريخية معقدة بقدر ما احتاج لذكاء في فهم شكل شرائح المجتمع المصري والتعبير عنه بشعرة تفصل التمثيل عن التنميط.

عامل قوة آخر فوجئنا به منذ الحلقة الأولى في الاختيار 2 وهو مزج لقطات من الجزء الأول لشخصية أحمد المنسي وهشام عشماوي داخل أحداث الجزء الثاني في نوع من التناص بين العملين أو صناعة عالم سينمائي تتداخل فيه الشخصيات على طريقة عوالم مارفل ودي سي، وإن كان يتكرر بالكاد في الحلقات التالية.

انضمام نجوم بحجم كريم عبد العزيز وأحمد مكي، مثل إضافة كبرى وتفوقًا ملحوظًا على الجزء الأول في ذلك العنصر. لا أتحدث هنا عن مباراة تمثيلية بل تكامل تمثيلي مدهش، وكل نجم منهم يتمتع بموهبة وكاريزما ملفتة على حدة، ويتضاعف التأثير في مشاهدهما معًا. شخصياتهما ليست صعبة أو مركبة، لكنها تتوقف على ممثل يجعلك تحب الشخصية وتتعلق بها.

وباستثناء إياد نصار الذي جسد دور الشهيد محمد مبروك ببراعة، نلاحظ في سياسة اختيار الممثلين في الجزء الثاني الميل لاختيارهم من ذوي النزعة الكوميدية. كريم ومكي في المقدمة لديهما جانب كوميدي في مسيرتهما، كذلك أشرف عبد الباقي وماجد الكدواني. هذا بعكس الجزء الأول الذي ركز على الممثلين الجانات، يعتمد الجزء الثاني على كوميديانات بأدوار جادة، وهي سياسة لا أظنها اعتباطية.

في الجزء الأول كنا نعاني من مشكلة فتور الأحداث كلما تعلقت المشاهد بالجانب الأسري والشخصي للأبطال، لم تكن الشخصيات الهامشية (زوجة – أم – أب – ابنة) تمثل فارقًا في الأحداث أو تصنع خطًا دراميًا موازيًا وقائم بذاته. هذه المشكلة يفلت منها الجزء الثاني، بل وتكون من عوامل قوته.

حيث امتازت المشاهد العائلية بين الأبطال وذويهم وأحبائهم بدفعة أكبر من الحيوية والأنسنة وخفة الظل، تستطيع أن تتابع خط قصة الحب بين يوسف وعليا باعتباره خطًا قصصيًا قائمًا بذاته وجزءًا من الدراما، صممه الكاتب هاني سرحان بحرفية وحميمية، وتألق مكي وأسماء أبو اليزيد فيه بعرض قصة حب عصرية عذبة من السهل استثمار أبعادها دراميًا في ملاحم البطولة المنتظرة.

ولا شك أن ابتعاد سرحان عن نوعية السيرة الذاتية الصارمة التي سيطرت على الجزء الأول، ساهم في تحقيق حرية أكبر للمؤلف في سرد جوانب حياتية للشخصيات، فلا يوجد محاذير أمنية أو ورثة يعترضون، لكن حتى تلك الحرية استخدمت بحساب، فلا ننسى في النهاية أنه عمل قائم على الحدث والحبكة أكثر من الشخصية، ولا حاجة لأبعاد شخصية أعمق مما يلزم لتشتتنا عن السياق الأصلي.

نفس الحرية السردية بأبطال نصف حقيقيين نصف خياليين، ساعدت المسلسل في التعرض لأكبر كم من الحوادث التاريخية، حيث لا يعقل أن يمر شخص واحد بكل تلك المعارك والعمليات إلا لو كان نصف حقيقي نصف خيالي.

في الاختيار ١ كنا نشاهد ونشاهد ونشاهد بغرض الوصول للحلقة ٢٨ (ملحمة البرث) وهي حلقة الذروة، بقية العمليات كانت مصغر لعملية البرث، أما في الاختيار ٢ فكل حلقة تمثل ذروة مختلفة، وكل عملية تحمل تحديًا مختلفًا نوعيًا عما قبله.

خطأ متواصل لكن بجرعة أقل

تبقى سمة استخدام الدين لمحاجاة التكفيريين، وقد كانت من السمات الأكثر إزعاجًا في الاختيار ١، فهي تنقل الخلاف من مفهوم المواطنة إلى ملعب المزايدات الدينية التي يحترفها أنصار الإسلام السياسي،

تلك السمة لم تتلاش في الجزء الثاني، لكن من الجيد أن الجرعة صارت أخف كثيرًا، على الأقل لم يستشهد الطرف الوطني بأفكار ابن تيمية كما حدث بالجزء الأول في سقطة تنم عن جهل أو تجاهل.

في الاختيار ٢ هناك مشهد لإياد نصار يتحدث فيه عن شروط إعلان الجهاد واحتكار هذا الحق في قبضة ولى الأمر، جعلني أتساءل ماذا لو رد أحدهم بأنه لا يعترف بولي الأمر الذي نعترف نحن به؟ أو ماذا لو كان أعلن محمد مرسي نفسه هذا الجهاد أثناء وجوده في السلطة أو اتخذ أي قرارات متهورة هل كان المطلوب منا السمع والطاعة لمجرد أنه ولي الأمر؟

أتقبل أن هناك شقا دينيا فقهي في هذا الصراع، وجزء من الدراسات والمحاضرات التي يتلقاها أعضاء الأجهزة الأمنية في مصر يتعلق بمحاجاة الإسلاميين في تلك الأمور، وتعلم الرد عليهم بمنطقهم في المواجهات والتحقيقات، هذا أمر مفهوم، ومسلسل الاختيار ٢ يقدم تلك المناظرات في حدود المعقول حتى الآن، لكن الحذر واجب وهناك خوف بأن نكون وقعنا أسرى لمرجعية تلك الجماعات حتى في مواجهتهم.

ختامًا .. هل سيستمر الاختيار ٢ بتلك الوتيرة المتميزة حتى الحلقة ٣٠؟ إذا كانوا ضحوا بحدث فض اعتصام رابعة بالحلقة الخامسة، ورغم ضخامة الحدث لم يستثمروه في عدد كبير من الحلقات أو أجلوه للنهايات، أظن أن ذلك مؤشر على جُعبة واثقة في امتلاكها الكثير والمزيد ليقدم في الحلقات القادمة.

 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك