لعقودٍ طويلة، عانى التوزيع السكاني في مصر من خللٍ درسه المصريون في دروس الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية دون حلول: أغلبية السكان يعيشون على قرابة 7% فقط من مساحة الأرض، بما أنتج حزمة مشكلات أقلها التكدس والازدحام المروري.
مشروع توشكى استهدف إحداث "نهضة ريفية" جنوب الصحراء الغربية.
الهدف الرئيسي كان خلق "دلتا جديدة" في الصحراء الغربية عبر تدشين قناة مائية موازيةٍ للنيل تبدأ من بحيرة أسوان وتنتهي في واحة الفرافرة.
هذه القناة ستُعرف إعلاميًّا بِاسم "قناة توشكى".
تزامن الحديث عن توشكى لأول مرة مع دراسة إنشاء السد العالي.
خلال الاجتماع الذي عقدته اللجنة المعنية بدراسة مشروع السد في نوفمبر 1954م، وبعد أن أقرّت الموقع الأنسب لإقامة السد وتفاصيله الفنية، أقرت الاستعانة بمفيض توشكى كـ"وسيلة أمان" تتلقى المياه الزائدة عن قُدرة السد حال وقوع أي فيضان.
لاحقًا، أظهرت الدراسات المائية التي أعقبت بناء السد العالي ضرورة ألا يزيد منسوب المياه المخزونة عن 178 مترًا لتخفيف الضغوط عن السد العالي؛ إذ تخوّف الباحثون من أن زيادة المياه فوق هذه النسبة ستحدث آثارًا سلبية بمجرى النيل.
في كتابه "مختارات من شخصية مصر"، اعتبر جمال حمدان أن مشروع مفيض توشكى سيكون بديلاً لإقامة سلسلة من القناطر على مجرى النيل لتقنين سرعة المياه.
في كتابه، اعتبر حمدان أنه إذا كانت فكرة السد العالي نبعت من المهندس اليوناني أدريان دانينوس فإن مشروع توشكى فكرة مصرية 100% ستؤمّن مصر من أي مخاطر ستنشأ عن السد العالي، معددًا الفوائد التي ستعود لمصر حال تنفيذ هذا المشروع في مجالات استصلاح الأراضي وتوليد الكهرباء.
تُوفي حمدان سنة 1993م، وظلّ "مشروع توشكى" في أدراج مخططي وزارة الإسكان حتى جرى تفعيله في عهد مبارك، بحماس من رئيس الوزراء حينها كمال الجنزوري، الذي وصف براعي المشروع الأول.
في عهد مبارك، جرت الاستعانة بـ"مخطط توشكى" القديم، وحفرت قناة بالفعل، تحمل اسم الشيخ زايد، استقبلت 42 مليار متر مكعب مياه من 1997 حتى 2002.
أعلن مبارك أن هدف مشروعه "إنشاء وادي النيل الثاني" عبر إعادة توجيه 10% من مياه النيل إلى الصحراء الغربية؛ لزيادة مساحة الأرض الصالحة للسكن من 5% إلى 25%، وزراعة نصف مليون فدان، مع خطة لمضاعفتها في المرحلة الثانية، ونقل 20% من الشعب المصري إلى تلك المنطقة.
شهد عام 1999م جلسة برلمانية ساخنة قادها الرئيس مبارك لبحث عددٍ من القضايا الساخنة أبرزها قصف أمريكا للعراق. رغم ذلك طغت مشكلة توشكى على السطح.
انتقد مبارك الحملة الصحفية التي شنّها حزب الوفد ضد المشروع، وأكد أن هذا المشروع تجري دراسته منذ عهد الرئيس عبدالناصر.
في كلمته، كرّر مبارك التزامه بالمشروع مؤكدًا أنه "أمل مصر في الخروج من الضيق".
ووجّه مبارك الدعوة لرئيس تحرير صحيفة الوفد، عباس الطرابيلي، للسفر إلى توشكى لمتابعة المشروع عن كثب، على أن يتحمّل هو ثمن التذكرة.
رغم العديد من التشكيكات التي ظهرت منذ عهد مبارك نفسه، لم يخل مشروع توشكى من "إعجاز هندسي" صنفته الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين في 2005 ضمن أهم إعجازات الهندسة المدنية في العالم وقتها: محطة ضخ مبارك، التي اعتبرت محور المشروع.
كان إنجاز المحطة شبه مستحيلًا؛ بسب درجات الحرارة شديدة الارتفاع، واحتمالات الزلازل، ومهمتها المطلوبة لرفع المياه من أسفل إلى أعلى. لكن المحطة أنجزت؛ لتوصف باعتبارها "المشروع الذي وسع حدود الهندسة المدنية".
لم يستمر الاهتمام بمشروع توشكى طويلًا، خصوصًا بنهاية ولاية الجنزوري، ليتراجع اهتمام الحكومة الجديدة بتنفيذ خطط المشروع، الذي تراجع عن أحلام المليون فدان بشكل نهائي.
انقضاء الاهتمام الحكومي تسرب إلى المستثمرين، الذين توقف معظمهم عن تنفيذ الخطط، لتصبح النتيجة استصلاح أقل من 35 ألف فدان بنهاية حكم مبارك في 2011.
برحيل مبارك، استفاض "خبراء" في تعديد سلبيات مشروع توشكى
وحين عاد الجنزوري لرئاسة الحكومة، حاول إخراج المشروع من الأدراج. لكن الإخوان عرقلوا المشروع؛ لتجنب أي ذكرى لحُكم مبارك.
خرج الإخوان من السلطة في يونيو 2013، وعاد رئيس الحكومة السابق كمال الجنروي، عضوًا في المجلس الاستشاري للرئيس المؤقت عدلي منصور، ثم مستشارًا اقتصاديًا للرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي، الذي أعاد التذكير بالمشروع في اجتماع حكومي في 2014.
خلال الاجتماع، صدرت التعليمات لرئيس الحكومة حينها، إبراهيم محلب، بتولي الإشراف المباشر على إحياء المشروع على الأرض.
كشفت الدراسات أن توصيل المياه إلى ربع المشروع مستحيل بسبب جدار جرانيت بعرض 9 كيلومترات يمنع مد القنوات إلى فرع 4 من مشروع توشكى.. وهو الجدار الذي أشار الرئيس السيسي أنه يحتاج 3 ملايين طن مفرقعات لنسفه للسماح لمياه النيل بشق طريقها إلى توشكى.
في ديسمبر 2021، أعاد السيسي افتتاح المشروع بنفس أهدافه وتفاصيله القديمة تقريبًا، فقط مع تعديل طفيف في الاسم ليصبح "توشكى الخير".