الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – 65 عامًا – لم يكن طرفًا مباشرًا في الانتخابات البلدية في تركيا. فترته الرئاسية تمتد حتى 2023، لكنه لم يبتعد عن المشهد.
أردوغان – المهيمن على السياسة التركية منذ نحو 16 عامًا – وصف الانتخابات البلدية بـ “مسألة حياة أو موت بالنسبة للبلاد”، لكنه لم يقل إنها اختبار حاسم لشخصه.
نشط أردوغان خلال فترة حملات الدعاية بالمشاركة فيما يصل إلى ثمانية مؤتمرات انتخابية يوميًا؛ أملًا في تعبئة أنصاره من الطبقة الوسطى للتصويت لمرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم، بينما تصارع تركيا مؤشرات اقتصادية متراجعة، من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة إلى تهالك العملة المحلية فيما ينسبه مراقبون لسياسات أردوغان نفسه.
رقميًا: فاز حزب العدالة والتنمية بشكل منفرد أو من خلال “تحالف الشعب” بأغلبية البلديات، لكنه تلقى ضربات قاسية في المعارك الحقيقية.. تفاصيل المشهد المعقد نرصدها في:
تركزت المعركة الانتخابية في المراكز الحضرية الكبيرة.
رقميًا: فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية الأصوات والبلديات. حصد منفردًا 44.3% من أصوات الناخبين، وعبر تحالف الشعب “يضم أيضًا حزب الحركة القومية” بـ 51.63%، بينما فاز حزب الشعب الجمهوري المعارض منفردًا بـ 30.10%، و37.55% عبر “تحالف الأمة” الذي جمعه بحزب إيي.
هذه الأرقام أدت إلى: تراجع حصة حزب العدالة والتنمية في السيطرة على البلديات. بعد الانتخابات بات حزب أردوغان يهيمن فقط على 15 بلدية كبرى (بدلًا من 18) من أصل 30. تراجعت كذلك حصة تحالف الشعب بفوز حزب الحركة القومية ببلدية وحيدة بدلًا من ثلاثة كان يسيطر عليها.
قبل الانتخابات، كانت المعارضة مجتمعة تسيطر على ثماني بلديات كبرى فقط. الآن، حزب الشعب وحده بات على رأس 11 بلدية، بينما حصد حزب الشعوب الديمقراطي ثلاث بلديات، ليرتفع المجموع إلى 14.
الانتكاسة الانتخابية تتجاوز الأرقام بكثير. العدالة والتنمية خسر مفتاحي تركيا؛ العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، التي تضم وحدها خمس سكان تركيا البالغ عددهم 82 مليون نسمة. وبالنظر إلى أن مدينة أزمير ظلت تحت سيطرة المعارضة فإن مفاتيح تركيا لم تعد في يده.
الهزيمة كانت أقسى في إسطنبول، حيث خسر بن علي يلدرم، الذي رأس الحزب والحكومة سابقًا، واستقال من رئاسة البرلمان خصيصًا كرهان كان يفترض أن يكون رابحًا في أكبر المدن التركية.
ينتخب الأتراك 50,000 مرشح لشغل مناصب القيادة في مختلف بلديات تركيا.
ويولي أردوغان أهمية خاصة للانتخابات البلدية، ويعتبرها أساسية في اختبار موقف الناخبين من الحكومة. حيث إنها المسؤولة عن تقديم الخدمات، المدخل الذي تفوق فيه حزب إردوغان في طريقه إلى الحكم.
وفقدان السيطرة في البلديات المهمة يعني تعقيد قدرة حزب العدالة والتنمية على تقديم الخدمات لقاعدته الانتخابية، خاصة المحتاجين والمسنين، الذين يحصلون على كل شيء تقريبًا، من مخصصات الطعام إلى أكياس الفحم في البلديات التي يسيطر عليها الحزب.
تخوف أردوغان يتركز بالأساس على أن البلديات الرئيسية التي تسربت من سيطرة حزبه قد تشكل ساحة نشاط لخصومه السياسيين، بما يشكل ثغرة في الهالة المفروضة حوله.
وينسب الموقع الرسمي للرئاسة التركية الكثير من شهرة أردوغان بين الأتراك إلى نجاحه في انتخابات بايوغلو المحلية عام 1989 ثم رئاسة بلدية إسطنبول في انتخابات 1994.
ولفانغو بيكولي، الرئيس المشارك لشركة تينيو إنتليجنس للاستشارات السياسية في لندن، قال في مذكرة موجهة إلى العملاء، إن سقوط العدالة والتنمية في أي بلدية كبرى سيقوض هالة الزعيم الذي لا يقهر.
تضررت الطبقة الوسطى – القاعدة الانتخابية التي يعول عليها أردوغان وحزب العدالة والتنمية – بشدة من التضخم المتصاعد، والبطالة المتزايدة والعملة الوطنية المنهارة.
وظهر المشهد الاقتصادي في تركيا بعيدًا كل البعد عن الحال الذي كان عليه في 2017، عندما كانت البلاد الأسرع نموًا في مجموعة العشرين.
الآن، يبلغ التضخم 20٪، بينما فقد قطاع البناء، أحد المحركات الاقتصادية الرئيسية في البلاد، حوالي ثلث وظائفه البالغ عددها ثلاثة ملايين وظيفة خلال العام الماضي.
والليرة التركية، التي تعافت جزئيًا من السقوط المتواصل في الصيف الماضي، تعرضت للاضطراب الشديد مجددًا هذا الشهر.
ويقول المسؤولون الحكوميون إنهم يحتاجون إلى وقت لإعادة تشكيل نموذج اقتصادي كان يعتمد بدرجة كبيرة على الاقتراض من الخارج وركز بشكل كبير على مشاريع البناء والبنية التحتية الضخمة.
لكن اقتصاديين يقولون إن الحكومة – التي أبلت بلاء حسنًا بالامتناع عن الإنفاق الباهظ قبل الانتخابات – لم تؤد المطلوب للتعامل مع كومة من الديون الموروثة من سنوات الطفرة.
ويتخوف خبراء من أن القروض، التي تُحسب بالعملات الأجنبية، أصبحت أكثر صعوبة في السداد مع ضعف الليرة، ويحذرون من أن الاستقرار المالي لتركيا في خطر ما لم تشجع الحكومة على حل جماعي للمشكلة.
تقول أحزاب المعارضة إن أردوغان وجه وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة لحساب حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكنهم لم يشككوا في عملية الاقتراع نفسها.
واستشهدت الوكالات المنظمة لاستطلاعات الرأي كذلك بما وصفته بقمع أردوغان لمعارضيه.
وعزز أردوغان حالة الاستقطاب قبل التصويت، عبر شيطنة قادة المعارضة في خطاباته الانتخابية، والتهديد بإلغاء النتائج في بعض البلديات التي لا تصوت لمرشحي حزب العدالة والتنمية.
كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، يقول إن أردوغان وضع نصف شعب تركيا في خانة العدو. “لقد اتهم بائعي الفاكهة والخضروات بأنهم إرهابيون. في نظره أولئك الذين لا يصوتون لصالحه هم إرهابيون”.
وفي فترة الحملات الانتخابية، احتفل أردوغان بإنجاز مشروعات كبرى، وبينها افتتاح خط للسكك الحديدية بطول 50 ميلًا في إسطنبول، ومدينة ترفيهية مترامية الأطراف في أنقرة.
وأعلن وزير المالية بيرات البيرق، صهر أردوغان، عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية ستطلقها الحكومة بعد الانتخابات البلدية دون أن يوضح تفاصيلها.