انسَ كل ما قرأته عن الواتساب وفيسبوك. انس ما طالعته عن مشاركة البيانات بينهما. انس كذلك إجبار مستخدمي واتساب على قبول شروط الخدمة الجديدة أو منعهم من استخدام التطبيق.
كل هذا بات من الماضي.. واتساب وفيسبوك تراجعا عن الخطط تحت ضغوط ملياري مستخدم عالميًا.
لنعترف الآن أن شروط الخدمة الجديدة لم تكن سيئة تمامًا. وأن الخطر الحقيقي كان في مبدأ توغل فيسبوك في منطقة واتساب.
الحقيقة المؤسفة على طاولة قيادة فيسبوك حاليًا أن محاولة التغيير القسري لشروط استخدام الواتساب لم تكن بالأهمية التي تستحق كل الفوضى التي خلقوها لأنفسهم.
الحقيقة الثانية أنهم تفاجأوا بتلك الفوضى التي خلقها صعود مفاجئ في “إحساس القوة” عند المستخدمين؛ نابعة من المخاوف العميقة من دوافع فيسبوك لامتلاك الواتساب رغم علمه بدور التطبيق المحوري عالميًا، والمعتمد على أمن البيانات بالأساس.
فيسبوك يحاول تصحيح الفوضى عبر حملة علاقات عامة ضخمة. بدأت بخطوة مفاجئة ضخمة:
يا أصحاب أكبر هجرة رقمية في التاريخ، عودوا إلى واتساب. لم يعد عليكم قبول الشروط الجديدة التي أغضبتكم. وفي كل الأحوال، لن نحظر حساباتكم.
ما الذي استفاده فيسبوك من تلك الحملة؟ لا شيء إلا الندم؛ ليس فقط على 6 شهور ضاعت في مواجهة تصاعد المقاومة الرقمية. بل لأنه فعل ما أدى لتشكيل تلك المقاومة أصلًا، والتي ستسبب صداعًا لن يتوقف.
واتساب يتخلى عن خصوصية الرسائل .. انتبه قبل التوقيع على الشروط الجديدة| س/ج في دقائق
حملة مستخدمي الواتساب الأخيرة كشفت نقطة مهمة: من يعتلي قمة تل فيسبوك هم نحن. وبالتالي يجب أن نوضع في الاعتبار.
فيسبوك خسر الكثير خصوصًا بعد ردود الفعل العكسية في الأسواق الضخمة مثل الهند والبرازيل، فضلًا عن الحظر القانوني في ألمانيا، واحتمال اتخاذ إجراءات أوروبية أخرى، وهو السبب الأكثر ترجيحًا لتغيير فيسبوك موقفه، أكثر من التنازل الواقعي “الذي قبله معظمهم على أي حال”.
لكن الأخطر، أن فيسبوك رغم التراجع، بعث رسالة تحذير واضحة لمستخدمي أكثر تطبيقات المراسلة الآمنة استخدامًا في العالم: أنتم في قبضة يد أكبر شركة جمع بيانات، والتي طلبت علنًا مشاركة المزيد من البيانات. ليتساءل المستخدمون: هل يحدث هذا بالفعل في الخفاء؟
لكن التساؤل الذي أثارته الخطوة الأخيرة كان أكثر تعقيدًا: الواتساب لم يعد مجرد تطبيق! تحول إلى مشغل عالمي متعدد الجنسيات يزاحم شبكات المحمول المحلية نفسها!
أكبر انتصار حققه واتساب منذ تأسيسه أنه بات على جميع الهواتف المحمولة تقريبًا. ورث الرسائل القصيرة التي كان يحكمها مشغلو الشبكات المحلية. راجع الأرقام لتتأكد بنفسك:
تغلغل قوي في أوروبا، مذهل في العالم النامي. في كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والأرجنتين وماليزيا وكولومبيا والبرازيل، واتساب يحجز حصة على هواتف أكثر من 90٪ من إجمالي مستخدمي الإنترنت البالغين.
يمكن القول إن واتساب غرس نفسه في نسيج المجتمع في جميع أنحاء العالم، بات أكثر أهمية في بعض المجتمعات من الأهل أنفسهم. أصبح جوهر الحياة اليومية.
إذا تعطلت منصات السوشال ميديا لساعات سيتململ المستخدمون، لكن يومهم سيمضي. أما إذا تعطل واتساب فسيتوقف التواصل البشري تقريبًا.
والنتيجة، أن حجم التواصل عبر واتساب يقارب مشغلي الشبكات المحلية.
هذا تحديدًا كان سر معركة الواتساب.
أرادت حملات المقاومة العالمية، خصوصًا في الأسواق النامية، أن تفرض تحديًا أمام محاولة فيسبوك سحب سياسة خصوصية واتساب إلى خانته.. إلى خانة جمع البيانات لحساب المعلنين.
كانت حقيقة المعركة أنها محاولة للتصدي لتفعيل فيسبوك ملكيته لأكبر مشغل هاتف محمول غير رسمي في العالم.
منصة فيسبوك الموحدة.. تواصل أفضل أم أموال أكثر؟ | محمد عادل
واتساب بالمقابل يحاول كشف المفارقة:
“نفس المشرعين الذين يريدون حماية الخصوصية على تطبيقنا هم من يطلبون من الناحية الأخرى اختراق التشفير لتمكين جهات الأمن والتحقيق من تعقب المحتوى الخطير والأفراد الذين يتسترون وراء درع التأمين الذي نقدمه”.
رئيس واتساب ويل كاثكارت يقول: “يحمونها بيد ويساومون عليها بالأخرى”.
المفارقة هنا أن واتساب يسعى حاليًا في الناحية الأخرى: تكثيف التأمين لمنع أية محاولة لمراقبة أو اعتراض المحتوى من أي جهة كانت ليصبح أكثر خصوصية وأمانًا”، ثم محاولة مد التشفير إلى تطبيقات فيسبوك الأخرى: الماسنجر – إنستجرام!
كل هذه المناقشات ستستمر في العام المقبل. وفي النهاية، سنجد على الأرجح أن الاختلافات بين واتساب – ماسنجر – إنستجرام أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. وأنها ستترسخ باعتباره ليست امتدادًا لـ فيسبوك كأداة تجارية. بل شبكة اتصالات واسعة وفريدة من نوعها أصبحت جزءًا ثابتًا من النظام العالمي للهاتف المحمول ولا يمكن كسرها بسبب الضرورات التجارية.
ربما يكون الاستنتاج النهائي لهذا العام هو أن قضية سحب واتساب من قبضة فيسبوك في أقوى حالاتها. كل هذا سينتج استقلالًا أكبر وسياج حماية أكبر، وتأسيس لشكل رسمي أو غير رسمي من “الحالة الخاصة” التي تؤمن دور واتساب العالمي.
خطط فيسبوك باتت على الأرج ضحية لنجاح واتساب. صحيح أن فيسبوك يملك المنصة، لكنه “عمليًا” لا يملك فعل ما يحلو له هناك.
لست وحدك من يقرأ كود التأكيد عبر الـ SMS!
فيسبوك تعرض في الواقع لصفعة. التوقعات تشير إلى أن قبول سياسته الجديدة حدث بالفعل من عدد كبير من مستخدمي الواتساب. لكن الرسالة وصلت: قبول التعدي على الخصوصية لن يمر بسهولة. وحماية البيانات لم يعد تفضلًا من فيسبوك، بل هدفًا مؤمنًا من المستخدمين أنفسهم، ومن جهات التنظيم والمشرعين في جميع أنحاء العالم.
يتساءل قادة فيسبوك حاليًا: لماذا نملك واتساب أصلًا؟ مهما كانت مخططات تحقيق الدخل من التطبيق، فستحتاج إلى إعادة النظر بعد التراجع الأخير. والأهم: هل تجاوز واتساب دوره المفترض ليقبل فيسبوك ببقائه تحت يديه لكن دون تدخل تنظيمي؟
الأخطر أن “بابلك سيتيزن” تقول إن تراجع فيسبوك ليس إلا خطوة أولى. صحيح أنها أرض معركة انتزعت بصعوبة، لكن الخطوة المقبلة ستكون استهداف فيسبوك نفسه. هو أيضًا يعتبر بنية تحتية حيوية وعالمية. هذا ما أدركه منظمو الاتصالات في العالم. وباتوا الآن أكثر استعدادًا لاتخاذ الإجراءات التي تأخرت رغم شدة الحاجة إليها.