من بين كل التعليقات المنفرة على السوشال الميديا، عن واقعة ضرب عروس الإسماعيلية المصرية في الشارع ليلة زفافها، والفيديو الذي ظهر بعد ذلك وشارك فيه أقاربهما الذكور، لإثبات أن الأمور أصبحت على ما يرام بينهما، يظل أغرب تعليقين على الإطلاق هما:
يتجاهل أصحاب هذا التعليق، واقعًا مجتمعيًا لا يمنح للمرأة حق الاعتراض في العديد من الطبقات، ومنظومة تجعل الزواج علاقة مصاهرة عائلية أكثر منها علاقة تخص فردين، وأعرافا لا تزال تبارك زواج الأقارب في مجتمعات الريف والصعيد، من منطلق “نحط زيتنا في دقيقنا”.
بل وأحيانًا تجعل هذه هى المنظومة الوحيدة المسموح بها للزواج.
هذا الواقع يلخصه المشاركون في الفيديو هنا بجمل مثل: “ولاد عم – الدم واحد – العصب واحد”.
يسهل مع ما سبق، تخيل النموذج الأسري والاجتماعي والتربوي الذي عاشته هذه الفتاة منذ طفولتها.
ربما في مجتمع غربي، يمنح لكل فتاة حقوقها واستقلاليتها، سيسهل نسبيًا تفهم دوافع أصحاب تعليق “تستاهل طالما قبلت ترجع”. لكن في عالمنا الشرقي يصعب للغاية تفهم ذلك.
ريم والمدرسة والحجاب.. ٦ جمل مخيفة في مجتمع “مش داعش بس بيحترمهم” | فيروز كراوية
مشهد الموجودين في الشارع طوال فيديو ضرب عروس الإسماعيلية انعكاس لواقع مجتمع يعتبر ضرب الرجال للنساء جزءًا من صلاحيات الزوج والأقارب، ومسألة لا يجوز لأحد التدخل فيها.
حقيقة تزداد سخافة وغرابة، إذا عرفت أن محاولة تدخلك في هذه المواقف، قد تنتهي أحيانًا بسماع عبارة “وانت مالك” من الضحية المضروبة نفسها.
وتتضاعف السخافة والغرابة إذا ذكرنا أن اعتراضك – في المقابل – على حبيبين يقبلان أو يعانقان بعضهما، اعتراض مقبول وضروري، وجزء من نخوتك ورجولتك؛ لأن القبلات والأحضان مشهد مستفز يجب منعه، بينما الضرب مشهد عادي يجب التصالح معه!
العريس لخص لنا هذا الوضع بجملة بليغة في الفيديو التالي: دة العادي عندينا!
يزداد الفيديو الثاني إثارة للنفور مع تأكيدات المشاركين أن عروس الإسماعيلية على ما يُرام، ولا تعاني من أي كسور أو كدمات، ولم تذهب لأي مستشفى. وكأن هذا الكم من الإهانات والضرب لا يمثل مشكلة، طالما لم ينته بكسر أو عاهة مستديمة.
يذكرنا ذلك بشيوخنا الأفاضل وخطبهم عن “الضرب الشرعي للزوجة وضوابطه”. ونخص بالذكر شيخ الأزهر صاحب التصريحات والفتاوى المماثلة، عن الزوجة الناشز المباح ضربها “لكسر كبريائها” على حد قوله.
واضربوهن | 3 مشكلات وتناقضات في آية ضرب الزوجة.. يحلها هذا التفسير | هاني عمارة
على ذكر الشيوخ والإسلامجية والأزهر، وإسهاماتهم الجليلة في تربية المجتمع، كان من المنطقي جدًا أن يختار العريس المتدين الذي سيضرب زوجته بانتظام باعتبار ذلك “عاديًا”، أن تكون نصيحته للرجال الآخرين بالغيرة على نسائهن، والابتعاد عن الدياثة!
وكأن الهزل في كل ما سبق لم يكن يكفي، واختار الواقع صياغة مشهد عبثي يفوق كل خيالاتنا!
تعليق آخر حول واقعة ضرب عروس الإسماعيلية يتكرر للأسف على حسابات يصنف أصحابها أنفسهم باعتبارهم تقدميين وواقعيين وأصحاب فكر مختلف.
والسؤال: ألا يكفي كل هذا الكم من أخبار جرائم الضرب والقتل يوميًا ضد النساء والأطفال، كمؤشر لأهمية استنكار وقائع العنف من هذا النوع؟!
“الاغتصاب الزوجي” | كيف استمدت ثقافتنا الدينية أفكارها من أفلام الجنس | خالد البري
وهل من المبالغة أن نفكر أن أغلب هذه الكوارث والجرائم، بدأت أيضًا بزوج أو أب، اعتاد على تعنيف زوجته وبناته، واللجوء للضرب مع أول خلاف أو غضب، قبل أن تصل الأمور لذروتها، وتنتهي الأمور في ليلة بضحية ميتة أو مصابة بعاهة مستديمة؟!
أليس من الأفضل مثلًا أن نفكر أن حالة الاستنكار الجماعي ضرورية، لأنها قد تفيد فتيات أخريات على وشك التورط في زيجات خطرة، في مراجعة أنفسهن بخصوص قبول الزواج؟
أليس من الأفضل مثلًا أن نفكر أن حالة الاستنكار مهمة، لأنها قد تجعل شخصا ما يلجأ للضرب والعنف بانتظام، يفكر في مراجعة نفسه، وإدراك أن هذا السلوك همجي وخطير، ويمكن أن يعرضه للمساءلة؟
“لم أر تفككًا بهذا الحجم” | لماذا تطلب السوريات الطلاق فور وصولهن أوروبا؟ | ترجمة في دقائق
لدينا باختصار مساحة مأساوية يلتقي فيها فكريًا ونفسيًا:
1- أصحاب نظريات وتعليقات “تستاهل”.
2- أصحاب نظريات وتعليقات “الأزهر الرائع التقدمي”.
3- أصحاب نظريات وتعليقات “فلنترك كل فئة تحدد الحياة الأصلح لها دون اعتراض أو ادانة”.
هذه مساحة خطرة تحتاج لعلاج مكثف؛ لأنها ببساطة تعكس قدرة شبه صفرية في ربط المعطيات بالنتائج.
التحرش والصحوة الإسلامية منافع مشتركة.. “علشان تبقي تقولي لأ! | عمرو عبد الرازق
وربما وقتها فقط سيمكننا النظر إلى عروس الإسماعيلية المضروبة باعتبارها المسؤولة عن واقعها واختياراتها.
رغم أن ذلك بالمناسبة، لا يغير موقف الضارب على مستوى القانون والأعراف، في البلاد حسنة الحظ، التي دخلت القرن الحادي والعشرين، وهي لا تترك لرجال الدين مهمة تشريع القوانين، ولا تسألهم عن رأيهم بخصوص الضرب والعنف.
هل تغير جملة إدانة موجودة في مقال، أو منشور على السوشال ميديا الكثير؟ ربما لا. لكن على صعيد آخر، ربما ينقذ مقال كهذا، التي تقرأه الآن، فتاة واحدة، من التورط في علاقة زواج خطرة ستهدد حياتها وحياة أولادها مستقبلًا، ويدفعها لمراجعة نفسها.
أو ربما سيمنع ليوم واحد ظهور مانشيت من نوعية: زوج يهشم رأس زوجته بسبب إهمالها في إعداد العشاء.
هذه نتيجة تستحق بالتأكيد كتابة هذا المقال وألف غيره، وجهدًا جماعيًا على السوشال ميديا أو خارجها، مقارنة بآلاف المقالات والمنشورات الأخرى، المخصصة لإدانة لاعب كرة أخفق في هجمة، أو للاعتراض على ملابس فنانة في حفل.