غرائز الحب | هل كان فيلسوف القوة “نيتشه” يكره النساء فعلًا؟ وهل كره النسويات؟ | مصطفى ماهر

غرائز الحب | هل كان فيلسوف القوة “نيتشه” يكره النساء فعلًا؟ وهل كره النسويات؟ | مصطفى ماهر

17 Feb 2022
فلسفة
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يُعرف فريدريك نيتشه (1844 – 1900) بـ “فيلسوف إرادة القوة”.

فيلسوف متمرد وصف نفسه مرةً بـ “الديناميت الفلسفي”، المدمر لكل ما هو تقليدي في الفلسفة والأخلاق والدين.

سكن الجبال وحيدًا ليجد مناخًا مناسبًا لحالته المرضية، بعدما أصابه مرض الزهري بعد المرة الوحيدة التي اختبر فيها العلاقة الجنسية، في بيت دعارة!

يعرف عنه كثيرون عداوته للنساء. فكيف يمكن لرجل بهذه الصفات أن يكشف عن جوهر الحب؟

نيتشه

نيتشه المحاط بالنساء!

ربما كانت المسافة التي وضعته الحياة فيها بعيدًا عن البشر والمجتمع، سببًا في اكتساب نيتشه منظورًا مميزًا لرؤية الأشياء على حقيقتها، وهو الرجل الذي قال عن الحقيقة التي يقدمها: “حقيقتي فظيعة، لأن الكذب هو الذي ظل يُدعى حقيقة حتى الآن”. 

وعلى عكس المشهور، لم يكن نيتشه في حياته معاديًا للنساء – على غرار أستاذه شوبنهاور – فقد عُرف عنه “اللطف” مع زميلات الجامعة، كما أنه كان حريصًا طوال حياته على إقامة صداقات مع المتعلمات والمثقفات. 

علاوة على ذلك، نشأ نيتشه في أسرة كلها نساء!

وأسلوب نيتشه مستفز لعقل القارئ؛ لأنه يهدف من البداية أن يفجر في عقل المتلقي أسئلة وشكوكًا عميقة في كل ما يظنه بديهيًا ومسلمًا به سواء في القيم الإنسانية الكبرى، أو معنى الحياة عمومًا، ولذلك استعمل “استراتيجية” هدفها التشكيك فيما نظن أنه متناقض. وقد ظهر ذلك الأسلوب في حديثه عن حقيقة “الحب”. 

الحب غريزة طبيعية: كيف فكر نيتشه في الحب؟ 

رفض نيتشه التسليم بقداسة القيم الإنسانية الكبرى – كالعدل والتواضع وكذلك الحب – فتلك المفاهيم تعود، بالنسبة له، لقوى غريزية مرتبطة بدوافع البشر النفسية والاجتماعية، بل إنها في حقيقتها مرتبطة بما نظنه نقيضها.

يقيم البشر مسافة ضخمة بين “الحب” و”الأنانية أو الجشع”، على اعتبار أنهما نقيضان. لكن نيتشه يرى الحب والأنانية وجهان لعملة واحدة هي غريزة “التملك”. 

في كتابه “العلم المرح”، يشير نيتشه لغريزة التملك كرغبة إنسانية تجاه الأشياء في العموم لا ينكرها أحد “المال أو الصحة أو السلطة”. لكن تلك الرغبة لا تقف عند حدود امتلاك أشياء مادية في الواقع، فقد يرغب البشر في التملك لخلق تغيير جديد في أنفسهم. وذلك التغيير الداخلي لا يحدث إلا في سياق علاقة مع الجنس الآخر. تلك المشاعر يسميها البشر – بحسب نيتشه: “البحث عن الحب”. 

مسميات اللغة تعطي وجهًا مختلفًا لحقيقة الغرائز، فنفس الغريزة التي تحرك الحب تكون سببًا في خلق شعور الجشع أو الأنانية، لكن من منظور آخر. 

بمعنى أن غريزة التملك تحمل اسمين في ثقافة البشر: الحب والأنانية. وعلى مقدار الرضا والإشباع، سيختار الإنسان أحد المسميين.

فعندما يشعر عاشق بكمال الرضا والهدوء لامتلاكه معشوقًا، سيرى رغبات الآخرين في حبيبه تهديدًا يسميه “أنانية”، ومن ناحية أخرى يبحث الآخرون عن إشباع لرغباتهم، وكلما كانت بعيدة المنال أطلقوا عليها مسمى “الحب”.

الغريزة هنا واحدة. لكن المسميات مختلفة لاختلاف الأدوار والمواقع. 

هل الحب مجرد وهم في فلسفة نيتشه إذن؟

لا يعبأ نيتشه باللعبة الفلسفية الشهيرة الخاصة بالحقيقة والوهم، فمعيار الحكم على الأشياء والمفاهيم هو مدى نجاحها في إثراء وتطور الحياة البشرية.

لذلك وعلى الرغم من كشفه لحقيقة الغرائز التي تخلق مفهوم الحب. لكنه لا يبذل مجهودًا لهدمه، فالحب – ولو كان وهمًا – محفز على الإبداع والتطوير، فخلف الكثير من الإبداعات الإنسانية والفنية نرى طاقة المحبين. 

الرجل والمرأة في الحب: اختلاف .. صراع وانسجام 

ما سر السمعة السيئة لنيتشه بخصوص النساء؟ 

توحي العديد من نصوص نيتشه بأنها مكتوبة بدافع من الكراهية الشخصية تجاه المرأة. لكن هجوم نيتشه لم يكن موجهًا للمرأة بقدر ما كان تفنيدًا وسخرية من بعض أفكار العصر الحديث بخصوص “طبيعة المرأة”. 

رأى أن الحركات النسوية تهدف لإكساب النساء صفات الذكور، وهي معركة تحول المرأة لمجرد ذكر منافس.

بدلًا من ذلك، رأى نيتشه أن الهدف الحقيقي هو تصالح الأنثى مع طبيعتها الحقة في معركتها الأبدية مع الرجل. 

وسواء في الحب والجنس، يوجد اختلاف عميق بين الرجل والمرأة في طريقة التعبير أو الممارسة، فالرجل بطبيعته يسعى لمزيد من التملك، والمرأة تمنح نفسها.

فإذا أنكرت المرأة ذاتها في الحب فلن يكون لديها ما تقدمه أو حتى ما تأخذه، وعلى حد تعبير نيتشه: “ما الذي يتبقى لها في تلك الحالة؟ لا أدري، ربما فقط الفراغ.”

لكن منح المرأة نفسها في الحب يضمن لها نوعًا من السيادة والتملك فيما بعد. 

قوة المرأة – بالنسبة لنيتشه – تكمن في طبيعتها نفسها، لا في البحث عن مكاسب وامتيازات الرجل، فهي تغنم مكاسب كبيرة في الحب بفضل: جمالها الأنثوي في مرحلة، ومكانة الأم في مرحلة ثانية.

وفي تلك اللعبة يصبح الرجل “مجرد وسيلة للمرأة، والهدف هو الطفل” على حد تعبير نيتشه الساخر في قصة زرادشت. 

وهكذا تكسب المرأة أرضًا جديدة؛ لأنها من تمنح الحياة. إذن فالرجل والمرأة يمتلكان سلطة ما على الآخر في الحب، تجعلهما يتواجهان حينًا ويتحدان حينًا.

بل إن كلًا منهما يعكس من صفاته وطباعه على الآخر، مما يعزز حبهما ويزيل في نفس الوقت الكثير من أوهام كل طرف عن نفسه. 

لكن الحب معركة أيضًا، يقول نيتشه: 

نصيب العشاق هو الأذى واختلال دائم في التوازن بينهم، فمحكوم عليهم إلى الأبد بتدمير الانسجام بينهم، وبأن يتعاركوا ليلًا. وما يسببه الواحد للآخر من جروح هو ما يجعلهما يتحدان مجددًا. والصراع هو الثمن“. 

علينا أن نستوعب الحب في مجمله، سواء في نعومته أو قسوته، إنه صراع وألفة معًا، وإلا فلن يكون حبًا؟! 

بين السياسة والبيولوجي: غرائزنا التي حيرت أديان السماء والأرض| رواية صحفية في دقائق

نصيحة نيتشه الذهبية 

يختبر البشر – بلا استثناء – الحب والعلاقات العاطفية. لكن السؤال الأكثر إلحاحًا يدور حول “العلاقات طويلة الأمد” أو بمعنى آخر: “الزواج”. فكيف نميز الصفة التي تدعم علاقة طويلة بين الرجل والمرأة؟ 

بالنسبة لنيتشه، إذا كنت تستمتع بعلاقة جنسية مثالية مع شريكك، أو تغرق معه في بعض الأنشطة الممتعة، فتلك هي خدعة العلاقات الكبرى؛ لأنه على المدى البعيد تختفي تلك الأشياء، ولا يبقى من الشريك العاطفي إلا “الطموحات المشتركة وتلاقي الأفكار.” 

فإذا كانت قيم الرجل والمرأة مختلفة – فلنتخيل مثلًا علاقة ما بين رجل مؤمن وامرأة ملحدة – فالنهاية هي فقر العلاقة وغياب بهجتها تدريجيًا. فيتحول الثنائي من بهجة ولذة البدايات العظيمة إلى رتابة وملل وفراغ لا يُعرف لهم نهاية. 

موت القبلة الأولى | انهيار الحب وازدهار البورن في السينما النظيفة | خالد البري | رواية صحفية في دقائق


المراجع:

1- العلم المرح، نيتشه، ترجمة: محمد الناجي

2- إنساني، مفرط في إنسانيته، نيتشه، ترجمة: محمد الناجي

3- الفلاسفة والحب، ماري لومونييه، ترجمة: دينا مندور


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك