عام 1975، نجح العراق في الاتفاق على صفقة بقيمة 300 مليون دولار (ما يعادل 1.3 مليار دولار في 2019) مع فرنسا، لبناء مفاعل أوزيراك لأبحاث الماء الخفيف، بقدرة 40 ميجاوات، وتضمن الاتفاق إنشاء مفاعلي تموز 1 و2 في مركز الطويطة النووي جنوب بغداد.
تم تصميم مفاعل أوزيراك لأغراض مدنية بالأساس، لكنه كان يحمل من القدرات ما يكفي ليكون نقطة انطلاق لامتلاك عراق صدام أسلحة نووية.
الخبراء حتى يومنا هذا لا يتفقون حول مدى قرب حدوث قفزة للأسلحة النووية. لكن تحركات صدام التالية كانت مدعاة للقلق؛ نجح في الضغط على الفرنسيين ليسلموه عشرات الكيلوجرامات من الوقود النووي المخصب بنسبة 93%، بينما حصل على كيلوجرامات من اليورانيوم من أمريكا الجنوبية ومصادر أخرى.
هذا يعني أن مخاوف السلاح النووي وإن لم تكن مؤكدة لكنها لم تعد مستبعدة.
المفاعل النووي العراقي كان مثيرًا لقلق دولتين: إسرائيل، التي لا تزال اليوم الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، وإيران، التي صدت غزو دبابات عراقية فاشلا في وقت سابق.
سعيًا لإحباط البرنامج، قصف العملاء الإسرائيليون نواة نووية مكتملة بالقرب من تولون، وفي نفس التوقيت، تعرض أحد أهم المشرفين على البرنامج النووي العراقي، العالم المصري يحيى المشد، للطعن حتى الموت في فندق باريسي في 14 يونيو 1980.
أخرت هذه الإجراءات، لكنها لم توقف، بناء أوزيراك الذي انتقل من مجمع صلب تحت الأرض إلى منشأة ذات قبة مرئية.
في 22 سبتمبر 1980، أطلق صدام حسين غزوًا واسع النطاق لجنوب غرب إيران، على أمل الاستفادة من الفوضى السائدة في الجمهورية الإسلامية حديثة التكوين.
لكن تخطيطًا سابقا لهذا الهجوم مهد للرد. التخطيط السابق تم عبر تحالف سري بطلتاه إسرائل وإيران. حيث كان رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية يزود إيران، منذ منتصف العام، بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، مقابل تحقيق المنفعة المتبادلة: ضربة يشنها سلاح الجو الإيراني على أوزيراك تنسف الحلم النووي العراقي.
فجر 30 سبتمبر 1980، طارت 4 طائرات إيرانية من طراز فانتوم على ارتفاع منخفض فوق وسط العراق، كل منها محملة بصواريخ جو - جو وثلاثة آلاف رطل من القنابل.
قبل دخولهم المجال الجوي العراقي، التقت الطائرت للتزود بالوقود جوًا مع ناقلة بوينج 707 مصحوبة بمقاتلتين متقدمتين من طراز إف-14.
صعدت إحدى طائرات الفانتوم لأعلى لتظهر على الرادارات العراقية للتمويه، وبينما حافظت طائرتا فانتوم شركيتان على مسارهما نحو بغداد، انحرفت الاثنتان الآخريان جنوبًا نحو الهدف الحقيقي: مفاعل أوزيراك النووي.
طائرات الفاتنوم التمويهية ألقت قنابلها على محطة كهرباء عراقية، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن بغداد لمدة يومين، بينما ضربت الطائرات الأخرى المفاعل النووي.
تسبب الهجوم في اندلاع حريق هائل، وألحق أضرارًا بالأنابيب ومضخات التبريد ومنشآت المختبر، وانسحب المئات من الفنيين الفرنسيين والإيطاليين من المنشأة بعد الغارة، (بعضهم عاد لاحقا).
ومع ذلك، أشار تقرير استخباراتي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن مصدرًا أكد إصابة مبان ثانوية فقط.
التقييم الغربي على نطاق واسع وقتها أن طيارين إسرائيل نفذوا الغارة بطائرات إيرانية. التقييم كان خاطئًا، لكنه إشارة لمدى عمق العلاقة بين الدولتين حينها.
في 30 نوفمبر، عادت طائرة استطلاع فانتوم إيرانية فوق المنشأة بسرعة تفوق سرعة الصوت، والتقطت صوراً لتقييم آثار الضربة، وسلمت الصور والمعلومات الاستخباراتية إلى إسرائيل في صندوق معدني نقلته عبر طائرة ركاب 707 كانت تُستخدم لتسليم أسلحة إسرائيلية إلى طهران.
المعلومات الاستخبارية ، المدعومة بمهام إعادة التصوير التي قامت بها طائرات فانتوم، ساعدت الجيش الإسرائيلي في ابتكار نسخة طبق الأصل كاملة النطاق للمنشأة؛ تمهيدًا لشن ضربتهم الخاصة ، والتي حدثت أخيرًا في 7 يونيو 1981، حيث حلقت 8 طائرات إف- 16 إسرائيلية مقاتلة برفقة ستة من طراز إف- 15 فوق الأجواء السعودية مستغلة فجوة في تغطية الرادار العراقي.
وفي أقل من دقيقة، دمرت الطائرات الإسرائيلية مفاعل أوزيراك بقنابل مارك 84 الضخمة التي تزن ألفي رطل ، مما أسفر عن مقتل تسعة عراقيين ومهندس فرنسي.
النظام العراقي لم يرد على إسرائيل، بل على إيران، فدمر منشأة الأبحاث النووية الإيرانية الخاصة في بوشهر، حيث قصفت الطائرات العراقية بين عامي 1984 و1987 المجمع خمس مرات، مما ألحق أضرارًا كبيرة بالمنشأة، التي لم تكن في الواقع تستخدم كثيرًا بسبب القيود المالية التي فرضتها الحرب.
في حين أن هجوم أوزيراك يُستشهد به عادةً للحجج المؤيدة للضربات الوقائية المضادة للأسلحة النووية، لأنه نجح في منع العراق من الحصول على أسلحة نووية لمدة عقد من الزمان، إلا أن بعض الخبراء يقولون إن المفاعل لم يكن قابلًا للتكيف بشكل كبير لإنتاج أسلحة نووية، لكن على كلٍ، فإن الضربة دفعت صدام لبدء برنامج نووي واسع النطاق في منشآت صلبة تحت الأرض.
لو لم يدخل صدام في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة من خلال غزو الكويت في عام 1990، لربما حصل على أسلحة نووية أكثر قوة على المدى الطويل.
أدت هزيمة صدام عام 1991، إلى جانب تفكك الاتحاد السوفيتي، إلى إنهاء التحالف السري بين إسرائيل وإيران.
اعتمدت طهران بشكل متزايد على دعمها للجماعات المناهضة لإسرائيل لكسب النفوذ والتحالفات في العالم العربي، بينما أدركت إسرائيل أن إيران هي الدولة المعادية الأكثر احتمالاً في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية.
وتعلمت إيران من ضربات أوزيراك أن تجعل برنامجها الخاص بالأبحاث النووية مشتتا في العديد من المنشآت تحت الأرض، ولا يتركز في منشأة واحدة فوق الأرض من شأنها أن تكون عرضة للهجوم.. لكن رغم ذلك، فقد ضُربت منشآتها النووية أكثر من مرة.