باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
السلفية الجهادية تختلف عن تيار الإسلام السياسي الرئيسي في مسألة تعريف الطاغوت.
يستخدمها الإخوان بمعناها الأدبي في وصف “الحاكم الظالم” أما التيارات الجهادية فحولته إلى مصطلح ديني فقهي يتضمن أحكامًا شرعية.
الاختلاف في تعريف الطاغوت دفع بالتيارات الجهادية إلى رفض وسائل الإخوان السياسية من تكوين الأحزاب والمنافسة على التمثيل النيابي والمشاركة في الحكومات، باعتبارها طواغيت لا تعتمد الشريعة كمرجعية وحيدة،
وبالتالي يجب على المسلم الكفر بها وعدم التحاكم إليها.
زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري كان من أوائل المنظرين لمفهوم الطاغوت في كتابه “فرسان تحت راية النبي” حيث اعتبر أن كل الدعوات والقوانين التي لا تقوم على حكم الله في الأرض طاغوت.
وخص بالذكر أربعة سماها “أصنام الطاغوت الأربعة” وهي: العالمانية – الديمقراطية – حقوق الإنسان- الدولة القومية.
وبموجب هذا التعريف، توسع الإسلاميون في تكفير الحكام والقائمين على سلطاتهم التنفيذية والتشريعية باعتبارهم “جنود الطاغوت”.
في هذا المقال، نبحث في جذور لفظ “الطاغوت” وإشكالياته وتطور استخدامه، ونحاول الوصول إلى قراءة تحل هذه الإشكاليات.
1- هل هي مذكر أم مؤنث أم جمع؟ فقد وردت بالصياغات الثلاث. في أمر غير معهود في اللغة عمومًا.
2- هل هي عربية أم معربة؟ فقد ذهب البعض إلى أنها عربية من الفعل “طغى”. ذهب إلى ذلك الطبري وغيره.
بينما قال آخرون إنها معربة من الحبشية، وتعني الكاهن كما ذكر جلال الدين السيوطي.
1- الشيطان:
ذكره الطبري منسوبًا إلى عمر بن الخطاب من الصحابة، ومن التابعين مجاهد والشعبي والضحاك وقتادة.
2- الكاهن:
وقيل هي معناها بالحبشية. وروي هذا التفسير عن جابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وابن جريج من التابعين.
3 – الساحر:
ذكره الطبري منسوبًا لأبي العالية وابن سيرين من التابعين.
4- الأوثان والأصنام:
وذكر عن مقاتل بن سليمان. ويحتملها معنى الآيات التي قرنت الطاغوت بالعبادة.
نظرة أعمق | أفخاخ الإسلاميين.. كيف يتلاعبون بالألفاظ لتمرير أفكار تخدمهم؟ | هاني عمارة
1 – تقسيم التوحيد: في معرض رده على الصوفية والأشاعرة في زمنه، لجأ ابن تيمية لتقسيم فكرة توحيد الله لثلاثة أقسام رئيسية: توحيد الألوهية – توحيد الربوبية – توحيد الأسماء والصفات.
وكان الهدف من توحيد الربوبية في هذا التقسيم إنكار مسائل التوسل والاستغاثة، والتأكيد على انفراد الله بتدبير شؤون الكون.
2 – مسألة الياسق: في معرض هجومه على دولة التتر المسلمة التي كانت تحارب المماليك، كفرهم ابن تيمية بسبب كتاب القوانين التتارية المسمى بـ “الياسق” باعتباره مخالفا للشريعة الإسلامية. وهي القضية التي ستعيدها الجماعات الإسلامية لاحقًا للتدليل على كفر الدولة الوطنية الحديثة وقوانينها.
غير أنه يلاحظ أن ابن تيمية كان يستخدم مصطلح الطاغوت بنفس المعنى المتداول لدى قدامى المفسرين، وهو الأصنام والأوثان.
ابن تيمية في رواية أخرى| 7 اتهامات ظُلم فيها.. أهمها التكفير| هاني عمارة
في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، استدعى هذا التقسيم للغرض ذاته؛ فاستخدم مفهوم توحيد الربوبية في وصم الصوفية الأولياء وسدنة الأضرحة ومريديهم بالشرك وعبادة القبور، وربط هذا بمفهوم الطاغوت. إذ وصف سدنة الأضرحة من أهل زمانه والقبور التي يستغيث بها المريدون بالطواغيت؛ لكونهم يتحاكمون إليها.
وكانت هذه المسآلة منطلق دعوة محمد بن عبد الوهاب في هدم القبور والأضرحة والمراقد التي كان يعظمها الصوفية.
طالبان حنفية صوفية تمتلك أضرحة.. لماذا ينسبونها للوهابية؟ | بودكاست دقائق
مع بروز الإسلام السياسي المعاصر، أعيد استخدام مصطلح الطاغوت بداية في وسم الحكام الظالمين بمعنى طاغية؛ باعتبار الكلمة تعني لغويًا المبالغة في الطغيان. ولها بهذا المعنى شواهد في تفسير السلف، وهو المعنى المتداول في أدبيات جماعة الإخوان حتى الآن.
لكن التطور الأخطر كان ذلك الذي أدخله أمير الجماعة الإسلامية في باكستان أبو الأعلى المودودي، ومن بعده سيد قطب؛ إذ أعادا تعريف لفظ الطاغوت في المناهج التشريعية المعاصرة من خلال مفهوم “الحاكمية”.
المودودي رأى أن تحقيق حاكمية الله في الأرض تكون من خلال إقامة سلطته المطلقة في شؤون الحكم والتشريع، ما يعني في رأيه أن أي منهج غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي من الطاغوت الذي يجب الكفر به.
سيد قطب لجأ لتفسيرات المودودي بعد فشل الوسائل السياسية البراجماتية والصدام مع السلطة، فأعاد النظر في تلك الوسائل التي اعتبرها لاحقًا “آليات غير إسلامية” مركزًا على التفريق الكامل بين ما اعتقد أنه المنهج الإلهي وما رآه “المنهج الوضعي”.
سيد قطب| قصة معالم في الطريق | عبد السميع جميل
انتهت أزمة الإسلاميين مع النظام الحاكم في مصر، وعادوا لمزاولة العمل السياسي. لكن تنظير سيد قطب بقي عائقًا أمام استخدام الوسائل البراجماتية التي لا يعتقدون في إسلاميتها من أجل التمكين.
اختار الإخوان تجاوز تنظير سيد قطب بحثًا عن فرصة للتمكين من خلال العمل السياسي واستخدام آليات الدولة الحديثة، لكن جماعات أخرى عارضت هذا المنهج، وتمسكت بما قرره قطب من اعتبار النظام غير الإسلامي من الطاغوت بكل وسائله التنفيذية والتشريعية، وأن من يعمل بها ويتخذها وسيلة فهو كافر بالله محتكم إلى الطاغوت.
يظهر هذا في تنظيرات السلفية الجهادية في كتب أيمن الظواهري سيد إمام وأبو محمد المقدسي.
منظرو السلفية الجهادية وسعوا مفهوم سيد قطب التشريعي عن الطاغوت ليشمل كل الأدوات والوسائل التشريعية للدولة، ومنها البرلمان والدستور، وكل ما يتعلق بالقوانين والقضاء، واعتبروا أن محاولة جماعات الإسلام السياسي استغلال تلك الوسائل غير الإسلامية من الانتهازية الميكافيلية، وأن مستخدمها غير معذور بحسن نيته، فكفروا من يدخل البرلمان، أو ينطوي تحت عمل أحزاب رسمية أو جمعيات مشهرة تتحاكم إلى الطاغوت.
إلى أي فصيل داخل الإخوان ينتمي محمد مرسي؟ | بروفايل في دقائق