استمع أولًا إلى بودكاست دقائق “تصوير النبي محمد بدأ في العصور الإسلامية.. كيف ظهر التحريم؟” من هنا، أو واصل القراءة إن أردت:
جامعة أمريكية تفصل أستاذة جامعية بعد اعتراض طلاب مسلمين على تدريسها رسومًا للنبي محمد كجزء من المنهج الأكاديمي.
لم تكن الرسوم صورًا كارتونية، بل لوحات رسمها فنانين مسلمين في القرون الوسطي. ويبقى السؤال المهم، لماذا أثارت تلك الرسوم كل هذا الجدل؟ ومتى تم تحريم رسم النبي محمد بين المسلمين؟
ماذا حدث في الجامعة الأمريكية؟
ببساطة شديدة، الأستاذة الجامعية إيريكا لوبيز باركر مُدرسة تاريخ الفن في جامعة هاملين في ولاية منيسوتا الأمريكية.
عرضت لوحتين تاريخيتين بهما تصوير للنبي محمد، ضمن المنهج الدراسي. رأى الطلبة المسلمين إن تلك اللوحات بها إساءة لدينهم، فإدارة الجامعة استجابت لضغوطهم، وفصلت الأستاذة باعتبارها تعاني من الإسلاموفوبيا.
لماذا قد تهتم الجامعات الأمريكية بالإساءة الدينية للمسلمين؟
بسبب التحالف المتوسع بين التقدميين والإسلاميين في الغرب. على الرغم من ذلك، فإن التعديل الأول في الدستور الأمريكي يمنع بشكل مطلق وضع أي حدود على حرية التعبير.
لكن على مدار الأعوام السابقة، انتشر على الميديا الأمريكية أخبار تقول إن الجامعات الأمريكية تتحول تدريجيًا لساحة اضطهاد أكاديمي.
حسنًا، هل تلك اللوحات رسمها فنانين مسلمين بالفعل؟
بالتأكيد، تلك اللوحات التاريخية رسمها فنانين مسلمين في القرون الوسطى. وهنا، يمكن أن نرى أن في القرون الوسطى وتحديدًا من القرن الـ13 كان يوجد فن إسلامي يصور الأنبياء بما فيهم النبي محمد نفسه، وتلك اللوحات كانت مُعلنة ولم تكن سرًا.
اللوحات التي عرضتها لوبيز تحديدًا كانت من القرن ال14 وال16 وتُظهر النبي محمد بملامح واضحة وهو يتلقى الوحي، بالإضافة إلى تصوير للملاك جبريل. وكانت هناك مخطوطة بها آيات قرآنية.
واللوحة الثانية كانت من العصر العثماني في القرن 16 وهو يدعو الله في مكة، لكن في تلك اللوحة كان هناك غطاء على وجه النبي محمد.
لكن الشائع حاليًا بدعم كبير من المؤسسات الدينية الرسمية إن تصوير النبي محمد حرام. كيف بدأ التحريم؟
لن نخوض في جزء الفتوى، فهو ليس تخصصنا ولا مجال حديثنا الآن.نشر صحيفة الإيكونوميست في 2015 تحليلًا؛ لمحاولة الإجابة عن سؤال كيف بدأ التحريم؟ أو أسباب تحريم تصوير النبي محمد.
إذا نظرنا لمتحف آيا صوفيا سنجد أن سقفه يجمع فسيفساء مسيحية مع خطوط عربية إسلامية. ترى الإيكونوميست أن هذا السقف يُعبر عن طريقتين مختلفتين للتقرب من الإله.
الجزء الإسلامي هنا رأته المجلة باعتباره يعكس فكرة أن الله يخاطب الإنسان من خلال اللغة، سواء الكلام أو الكتابة، وليس بواسطة الصور أو أي شيء مادي. وبالتالي، كان هناك خط فقهي في معظم تاريخ الدين الإسلامي، رسخ للنفور العميق من تجسيد أو تصوير أي كائن حي، ولم يستثني النبي محمد.
كما أشارت الإيكونوميست إلى أن هذا المعتقد تم أخذه من بداية ظهور الإسلام في مجتمع يعبد الأصنام بالفعل، وهي تماثيل تجسيدية. بالتالي، رغم إن القرآن لم يتضمن أي نص يحرم الفن التجسيدي أو التمثيلي، فالخط الفقهي مد تلك القاعدة للحذر من أي شيء قد يتحول لصنم.
بمرور القرون والتباعد عن بيئة مكة التقليدية التي ظهر فيها الإسلام، ظهر خطين رئيسيين، الأول تمسك بحرفية القاعدة، والثاني رأى أن التباعد الفكري والزمني عن التراكمات الوثنية قد يُجيز تصوير النبي طالما باحترام وبشكل مناسب لمقامه الديني.
هل يرتبط تحريم تصوير الرسول بالتقسيم السني والشيعي؟
بالفعل هذا الشائع حاليًا، نجد في الشيعة أن السيستاني أباح تصوير النبي، مقابل المؤسسات الرسمية السنية التي تشددت في التحريم. لكن أستاذة الفن الإسلامي في جامعة ميتشجان كريستيان جروبر تقول إن هذا التباين صحيح كان موجود بدرجة ما، لكنه لم يترسخ بالشكل المتعارف عليه حاليًا.
التاريخ له رأي في هذا الجدال. ذلك بسبب الإشارة في الرسومات التي أثارت الأزمة الأخيرة، وأن تصوير الشخصيات البشرية، بما فيها النبي محمد، كان سمة أساسية للمنمنمات الفارسية، في ظل الحكام السنة والشيعة بدون تمييز.
لكن اختفاء تصوير الأنبياء من الفن الإسلامي كان تدريجي. في القرن ال13 كان يوجد لوحات تظهر الوجوه. وفي القرن ال16 كما ذكرنا كان هناك إضافة لغطاء على الوجه. لكن في القرن الـ18 أصبح نادرًا أن تجد تصوير للأنبياء.
معنى ذلك أن فكرة وجود لوحات للأنبياء والملائكة كانت موجودة في العصور الإسلامية، ولم تكن بمعايير ثابتة، بل كان لكل عصر نظرته.
هل يوجد نص ديني يُحرم تصوير النبي محمد في الإسلام؟
أشارت الإيكونوميست إلى أن النصوص التي يتم الاستشهاد بها في التحريم، تُحرم التصوير بشكل مطلق، في حين إن التصوير غير مُحرم حاليًا تقريبًا، والدعاة أنفسهم يظهرون على الشاشات وصورهم منتشرة.
كما ذكر العميد السابق لكلية الدراسات العليا في جامعة الأزهر الدكتور محمد سالم أبوعاصى، إنه لا يوجد نص قاطع في الدين على التحريم.
وأخيرًا، هناك قصة مهمة وإن لم تكن مشهورة وردت بأكثر من رواية في سير أعلام النبلاء وغيرها، وهي إن النبي نفسه عندما دخل مكة وأمر بهدم الأصنام منع أصحابه من طمس تصوير للمسيح وأمه مريم.