القرن السادس عشر كان مضطربًا في كل أنحاء أوروبا بسبب الإصلاح الديني، وحرب الفلاحين، وبداية خروج العلوم من سلطة الكنيسة الكاثوليكية.
مارتن لوثر فتح الباب لانتقاد الكنيسة الكاثوليكية، وسرعان ما تشعبت الحركات المعارضة لتظهر واحدة منها، وهي أنصار تجديد المعمودية، التي يرى أتباعها أن الإنسان لا يدخل الجنة إلا إذا اختار التعميد وهو بالغ وليس طفلًا.
بدأت هذه العقيدة في ستراسبورج عام 1525، وقت حرب الفلاحين، عندما أعلن زعيم الحركة ملكيور هوفمان أنه الوحيد صاحب الحق في تفسير الدين، وأن يوم القيامة قريب، وأن المدينة ستتحول إلى القدس الجديدة وستحكم العالم.. وأنه لا مانع من استخدام العنف ضد أعداء العقيدة.
رغم سجن هوفامان، إلا أن العقيدة انتشرت، حتى أصبح جون أوف ليدن وجون ماتيس كبار قادتها، وانتقلا لمدينة مونستر الألمانية لوجود عدد كبير من أتباعهم فيها، وهناك بدأ الحكم الشيوعي الديني.
جون أوف ليدن كان المحرك للثورة، لكنه ترك القيادة أولا لجون ماتيس، وأعلنه نبيًا، وأعلن نفسه الشاهد على سفر الرؤيا.
ماتيس كرر نفس دعاية هوفمان، لكن بدلًا من ستراسبورج، أصبحت المدينة المقصودة هي مونستر، التي ستكون موقع تدخل إلهي يرفعها فوق الشعوب لتحكم العالم في انتظار قدوم المسيح ونهاية العالم.
هناك تمكن ليدن وماتيس من الاستيلاء على الحكم باحتلال مجلس المدينة بالقوة، وهروب أسقف المدينة وحاكمها الكاثوليكي فرانتز فون فالديك.
أقيمت انتخابات بلا أي منافسة لأنصار ليدن وماتيس الذين فازوا بلا منازع.
وكانت بداية القرارات الغريبة، طرد كل الكاثوليك من المدينة، وإلغاء الأموال، وإلغاء الملكية الخاصة.. وتوزيع الملابس الفخمة على السكان رغم أن أغلبهم كانوا يعانون المجاعة نتيجة الحرب ضد الكاثوليك.
لم يكن الكاثوليك ليتوقفوا عن محاولة استعادة المدينة، حيث جمع فون فالديك، جيشا وسار به لمحاصرة مونستر في 1534.
خرج جون ماتيس مع 30 من أنصاره في محاولة لفك الحصار واختار الخروج بقوة صغيرة تقليدًا لقصة ذبح أهل مدين على يد جدعون في الكتاب المقدس، لكنه قتل في الاشتباكات.
وبدلًا من انكسار الروح المعنوية للدولة الشيوعية الجديدة، استولى ليدن على الحكم وأعلن نفسه نبيًا، وملكًا للقدس الجديدة، وأن على أهل مونستر ألا ينتظروا قدوم المسيح بل أن يعملوا لتطبيق التعاليم الدينية بأنفسهم.
وهنا منع كل السكان من ارتداء الملابس الفخمة إلا بالنسبة له هو وأعوانه، وكان يوزع الطعام على من يعملون في الدفاع عن المدينة فقط، وسط أداء أناشيد دينية.
وأمر ليدن كل السكان في سن الزواج أن يتزوجوا. لكن لكون عدد النساء أكثر من الرجال، أمر بتعدد الزوجات، واتخذ هو 16 زوجة أعدم واحدة منهن، وأمر بإعدام امرأة أخرى رفضت أن تكون الزوجة رقم 17.
كانت المخاوف أن ينضم عدد من البروتستانت من مدن أوروبية أخرى إلى مونستر، لكن تطرف ليدن جعل حتى مارتن لوثر يقف ضده ويدعو لحمل السلاح ضد أنصاره.
ومع استمرار حالة الحرب والحصار والمجاعة ضاقت قلة من السكان بالموقف وتسلل بعضهم إلى الجيش الكاثوليكي وأقنعوهم بإمكانية إدخالهم للمدينة.
وهنا أصبحت مونستر الشيوعية وحيدة أمام الجيش الكاثوليكي الذي تمكن بالفعل من دخولها وأسر جون أوف ليدن وأنصاره، ليتم تعذيبهم وإعدامهم بقطع رؤوسهم في سوق المدينة.
ثم قام أسقف المدينة بوضع أجسام ليدن وأنصاره في أقفاص على جدران كنيسة سانت لامبرت عبرة لمن يحاول تكرار التجربة.
لا تزال الأقفاص موجودة إلى اليوم في المدينة شاهدة على التجربة الشيوعية الشهيرة.