صلابة الإخراج تنقذ “تراب الماس” من التطاير

صلابة الإخراج تنقذ “تراب الماس” من التطاير

18 Aug 2018
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

هاوي الروايات المتأمل جيدًا لبدايات المؤلف أحمد مراد، سيدرك أن الكاتب ينتمي في الحقيقة إلى عالم السينما، أكثر منه إلى عالم الروايات العربية.

يتضح هذا في عناصر، أولها تفضيله أجواء الجريمة البوليسية الممزوجة بالخوارق والغرائبيات، وهي أجواء غريبة نسبيًا على الرواية العربية، وأساسية ومعتادة في السينما العالمية. وثانيها اللغة البسيطة والمرنة المستخدمة، التي لا تمانع إقحام جمل بالإنجليزية أو حوارات باللغة المصرية الدارجة فيها. وثالثها الحرص المتكرر على كتابة تفاصيل ووصف للمكان والأشياء، وكأنه تلقائيًا يحاول أن يُترجم كادرًا سينمائيًا دقيقًا لما يدور في ذهنه، حتى لو كان التصنيف الأصح للمنتج النهائي الذي يكتبه (رواية).

إذا أضفت لما سبق كونه خريج قسم تصوير بالمعهد العالي للسينما، وأنه مارس التصوير محترفًا لسنوات طويلة، قبل أولى محاولاته الأدبية فيرتيجو، ستتأكد أن أحمد مراد في الحقيقة، سينمائي الاهتمامات والجذور. حقيقة لا ينفيها التسلسل الزمني المعاكس، الذي جعل الفيل الأزرق أول أفلامه كسيناريست، يأتي بعد نجاح 4 روايات له في الأسواق.

العناصر السينمائية السابق ذكرها بخصوص أسلوبه الأدبي، حجر أساس في نجاح رواياته في انتزاع اهتمام نسبة كبيرة من الجمهور، الغير مدمن أصلًا للقراءة بانتظام. وبفضلها أصبحت روايته تراب الماس التي صدرت عام 2010 واحدة من أكثر الروايات مبيعًا في السنوات الأخيرة.

إعلان فيلم تراب الماس

هذا النجاح سيدفع بالتأكيد كثيرين للمقارنة تلقائيًا بين الرواية والفيلم، وهي مقارنة خاطئة؛ لأن اختلاف الوسيط يستدعي دومًا اختلافات. بالإضافة لكون الأفلام لا تصنع خصيصًا لإرضاء قراء الرواية وحدهم، لكن لجمهور أوسع وأشمل. في الحقيقة نظرًا للطباع البوليسية والتشويقية للأحداث، فالفيلم غالبًا سيصبح أمتع لمن لم يقرأ الرواية، ولا يعرف كيف تنتهي.

بسبب كل ما سبق سنتجاوز جزئية المقارنة، ونناقش الفيلم نفسه. وهو بالمناسبة للمصممين على الحصول على إجابة ولو سريعة، مُخلص إلى حد كبير للأصل الأدبي.

اقرأ أيضًا: أفلام الويسترن على الطريقة المصرية .. من شمس الزناتي لـ”حرب كرموز”

لا يُهدر الفيلم الكثير من الوقت في تقديم حبكته الرئيسية. الصيدلي الشاب طة الزهار (آسر ياسين) يعود إلى منزله ليجد أباه مقتولًا، فيبدأ رحلة طويلة ومُرهقة للبحث عن القاتل ودوافعه.

سرعة الإيقاع مطلوبة في هذا النوع من الأفلام، والمقاطع المتكررة التي ينقلنا فيها السيناريو بانتظام للخمسينيات، لتفسير شىء من أحداث الحاضر، يمكن تصنيف بعضها كمُقاطعة أكثر منها كسرد مسلٍ. خصوصًا أن الحوار في أغلب هذه المشاهد، يميل للسطحية والجانب الخبري، الذي يضع فيه السيناريست عمدًا معلومات على لسان الشخصيات، دون مبرر درامي مقنع.

الحاضر أفضل كثيرًا في الفيلم، خصوصًا مع الشخصيات التي فازت بممثل ماهر. أخص بالذكر ماجد الكدواني – محمد ممدوح – منة شلبي – إياد نصار. حضور الأربعة كفيل نسبيًا بتجاوز ثغرات غير منطقية في شخصياتهم أو الأحداث. كلما تحرك الفيلم للأمام، كلما أصبحت هذه الشخصيات أكثر مصداقية.

آسر يس اجتهد، لكنه لم يقطع نفس الشوط، رغم فوزه بأطول مساحة زمنية باعتباره الشخصية الرئيسية. في المقابل جاء البعض ليكرر نفسه بالكربون للمرة الألف ليس إلا. أخص بالذكر أسماء مثل صابرين – شيرين رضا – بيومي فؤاد.

اقرأ أيضًا: العظماء السبعة – نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود

يظل إخراج مروان حامد أهم عناصر الإنقاذ للسيناريو والفيلم. مروان اشتهر منذ بدايته في عمارة يعقوبيان، باعتباره مخرجًا قادرًا على تقديم صورة متقنة، وأمهر تكنيكيًا مقارنة بالمتوسط العام وسط زملائه في السينما المصرية. وهنا لا يخالف هذه القاعدة.

مشاهد مثل الظهور الأول للشخصية التي يلعبها محمد ممدوح، أو محاولة البطل المتوترة لتنفيذ خطة، أثناء وجوده تحت تهديد في مطبخ منزله، تثبت من جديد أنه مخرج ماهر في اختياراته، خصوصًا على صعيد زوايا التصوير والمونتاج. ويعرف الكثير من المهارات الضرورية لصناعة مشاهد تشد الأعصاب.

هذه المهارات الأقرب لأساسيات الآن في هوليوود، لا تزال نادرة في مصر للأسف. ويمكن ربطها بحرصه كمخرج منذ بداياته على تقديم المتعة والتسلية، والاهتمام بقواعد الجماهيرية، التي يحلو للبعض هنا تهميشها ومهاجمتها.

على عكس فيلمه السابق الأصليين الذي تعاون فيه أيضًا مع أحمد مراد كسيناريست، يبدو تراب الماس إجمالًا، كعمل أقل طموحًا على أغلب المستويات، لكن لذلك مزاياه. طبيعة الحبكة البوليسية هنا، أكثر وضوحًا مقارنة بغموض الأصليين وأجوائه الغرائبية. وبفضل هذه الطبيعة، لم يسقط مروان حامد هذه المرة في فخ استعراض عضلاته الإخراجية دون داعٍ، كما حدث في الأصليين.

اقرأ أيضًا: سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

النقطة التي تستحق الشكوى هنا نسبيًا، قد تكون الاستخدام المفرط لموسيقى هشام نزيه التصويرية الأقرب لدقات الساعة. ويبدو أن الغالبية في السينما المصرية متأثرة بشدة، بأسلوب المخرج كريستوفر نولان والموسيقار هانز زيمر مؤخرًا في فيلم Dunkirk. وأننا سنحتاج لفترة طويلة نسبيًا، قبل أن نعرف الحد الفاصل بين التوظيف المتقن والإفراط.

على ذكر الطموح والمقارنة مع فيلم الأصليين في الفقرة قبل الأخيرة، فتراب الماس فيلم لا يخلو من بعض التنظيرات والإسقاطات، بخصوص العدالة والفساد والتطهير وخلافه. لكنه يقدمها دون أن ينحرف عن مساره الأصلي، كفيلم بوليسي تشويقي بالأساس، أو Thriller كما توصف هذه النوعية عادة في هوليوود.

إجمالًا من الصعب تزكية الفيلم للمشاهدة في السينمات، وسط موسم تقدم فيه هوليوود أعمالًا تتطلب الشاشة الكبيرة، ومُتقنة بشكل استفزازي من نوعية Mission: Impossible – Fallout. لكن من العدالة أن أذكر أن تراب الماس يحاول على الأقل، أن يقطع شوط إتقان على مستوى التنفيذ، لا يحاول أغلب مخرجي وصناع السينما المصرية قطعه.

بعد 3 أفلام مشتركة متتالية (الفيل الأزرق – الأصليين – تراب الماس)، نصيحتي للثنائي أحمد مراد/مروان حامد متناقضة. للأول سأقول: حاول التمسك بمروان لمشروعك السينمائي المقبل؛ لأنه من الصعب أن تجد هنا مخرجًا أفضل. وللثاني سأقول: حرر خيالك، وحاول الانطلاق في اتجاهات وسيناريوهات جديدة، مع أسماء مختلفة.

باختصار:

رغم بعض الحشر والتطويل على مدار أكثر من ساعتين ونصف، يظل تراب الماس فيلم تشويق مُتقنا ومُسليا، طالما نتحدث بمعايير السينما المصرية.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك