ورد ذكر مريم المجدلية في أنجيل مرقس ومتى ولوقا ويوحنا، وقد تم الاتفاق على أنها شخصية تاريخية حقيقية بالفعل، ومع ذلك فإن تفاصيل حياتها لم تكن معروفة بشكل كبير، ويُقال أن سبب تلقيبها بالمجدلية هو أنها ولدت في المجدل وهي قرية تقع بالجنوب الغربي من بحر الجليل، وتم الحرص على ذكرها بهذا الاسم حتى لا يحدث خلط بينها وبين مريم من بيت عنيا.
ارتبط اسم مريم المجدلية في إنجيل لوقا بطرد سبعة شياطين: “وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ،” (لو 8: 2). يشير ذلك على الأرجح أنها عانت من اضطراب جسدي بدلاً من الفكرة الشائعة بأن المسيح قام بتحريرها من شياطين، وفي العموم فقد عانت مريم إلى أن شُفيت، ومن المرجح أن يكون إخلاصها للمسيح بعد ذلك كان بسبب هذا الشفاء.
أعتقد بعض الباحثين أن رقم سبعة المشار إليه في إنجيل لوقا يعني أن مريم المجدلية قد خضعت إلى سبع عمليات طرد للأرواح الشريرة، وليس المقصود به هو عدد الشياطين التي خرجت منها، بينما أعتقد البعض الآخر أن هذا الرقم كان بمثابة رمز لمدى قوة طغيان القوة الشيطانية عليها، ولكن في جميع الأحوال فقد كانت مريم تعاني بشكل كبير قبل الشفاء.
كانت مريم المجدلية واحدة من النساء اللاتي خدمن اليسوع من الناحية المادية، فقد كانت تمتلك ثروة وصيت جيد، ونظرًا لأنه كان ذكرها في الأناجيل يأتي في مقدمة مجموعة من النساء اللاتي كن يخدمن المسيح، فمن المرجح أنها كانت الأهم بينهن.
عُرف عن مريم المجدلية بالكتاب المقدس أنها كانت شاهدة للعديد من الأحداث المهمة مثل الصلب، فقد وقفت بمنطقة قريبة من أحداث الصلب لمحاولة تعزية المسيح، كما أنها شهدت على قيامة المسيح – طبقًا للاعتقاد المسيحي – حينما ظهر لها وأرسلها لإخبار الناس بأنه صاعد إلى الله (يوحنا 20: 11- 18).
تحكي أسطورة الكأس المقدسة بأن يوسف الرامي قام باستعمال تلك الكأس من أجمل جمع دماء المسيح المتساقطة من جسده على الصليب، وقد حمل الرامي تلك الكأس التي كانت تحمل قوة إعجازية إلى بريطانيا، وحرص على تشكيل سلالة من الحراس لكي يحرسوا الكأس التي كانت مستهدفة من فرسان الدائرة المستديرة التابعين للملك آرثر حاكم بريطانيا.
انتشرت تلك الأسطورة بشكل كبير خلال القرن التاسع عشر، مما جعل لها ظهور في العديد من الأفلام الروائية المختلفة، ثم صدر كتاب روائي بعنوان “الدم المقدس، الكأس المقدسة” عام 1982م تناول الأسطورة بشكل مختلف، حيث قام الكتّاب بتحويل دم المسيح إلى نسل للمسيح، وجعلوا الكأس رحم مريم المجدلية الحامل لنسل المسيح.
زعم كتاب الرواية أن المسيح بعد الصلب ربما يكون قد اصطحب مريم المجدلية واطفالها إلى جنوب فرنسا وتزوجا وقاما بانشاء سلالة الميروفينجيان الملكية التي حكمت حينئذ ما يعرف الآن بفرنسا وألمانيا من القرن الخامس الميلادي وحتى حلول القرن الثامن، ويُطلق عليهم في بعض الأحيان الملوك ذوي الشعر الطويل.
زعم الكتاب أيضًا أنهم بحثوا أكثر بأسطورة الكأس المقدسة، واستطاعوا التوصل إلى نشأة جمعية سرية تسمى “أخوية سيون” التي يعود تاريخها إلى أيام الحروب الصليبية، وقد أدعوا أن بدايتها كانت مع نشأة فرسان الهيكل، وكان هدفها هو توفير الحماية اللازمة للنسل الملكي المنتمي للمسيح والمجدلية.
ادّعى الكتاب أن الكنيسة الكاثوليكية قامت بمحاولة للتخلص من تلك السلالة وكذلك حراس الهيكل حتى تستطيع أن تحكم سيطرتها ولا تجعل التتابع الرسولي من خلال مريم المجدلية بل عن بطرس الرسول، حيث أنهم زعموا أن المسيح كان يريد وضعها على رأس الكنيسة بدلاً من بطرس الرسول!
نظرًا لأن الكلام السابق الوارد ذكره في رواية “الدم المقدس، الكأس المقدسة” كان بعيد عن الحقيقة ولا دليل على صحته، فقد حرص الكتاب على توضيح هذا الأمر، وذكروا أن روايتهم كانت مجرد أساطير وافتراضات وليست حقائق على الإطلاق، وقد كانت تلك الرواية هي التي اقتبس منها دان براون روايته “شيفرة دافنشي” وأضاف إليها أساطير أخرى وبعض أفكاره الخاصة.
حدث ارتباط بين اسم مريم المجدلية والخطيئة بسبب أنه في إنجيل لوقا ورد ذكر “امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً” (لوقا 7: 37) غسلت قدمي المسيح، وفي نفس الوقت تم ذكر اسم مريم المجدلية في الإنجيل، ولهذا ساد الاعتقاد بأن تلك المرأة الخاطئة المشار إليها هي مريم، ولكن لا وجود لأي دليل على ذلك.
قام البابا غريغوري الكبير في عام 591 بالتصريح أن مريم المجدلية هي نفسها مريم بيت عنيا، وكذلك هي نفسها المرأة الخاطئة التي لم يتم ذكر اسمها في لوقا 7، فقد قال أن لوقا قد دعاها بالمرأة الخاطئة، أما يوحنا فقد دعاها بمريم التي هي من بيت عنيا، أما هم فيؤمنون أنها مريم التي أخرج منها المسيح سبعة شياطين، ولكن في عام 1969 أزال المجتمع الفاتيكاني تسميتها بالعاهرة بعد أن تأكدوا من أنهم شخصيات مختلفة بالأدلة المختلفة.
يقوم البعض أيضًا باسنتاج آخر من (يوحنا 8: 1-11) وهو أن المرأة التي لم تتعرض للرجم بفضل انقاذ المسيح لها هي نفسها مريم المجدلية، ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا الربط أيضًا لأنه غير مُدعم بالأدلة. لهذا يمكننا القول أنه لا تدعم الأناجيل الأربعة هذا الاعتقاد، فهي لم تشر في أي وقت أنها كانت عاهرة أو معروفة بأي سلوك خاطئ.
عُرفت مريم المجدلية بأنها من بين من آمنوا بالمسيح، ومن الظاهر أن هذا الأمر منقول من كتب أهل الكتاب، وقد ورد عن الشيخ الطاهر بن عاشور عندما فسّر تلك الآية ” فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ” من سورة مريم بأن البعض منهم كان مصدقًا للمسيح وهم: يحيى بن زكريا، ومريم أم المسيح، والحواريون الاثنا عشر، بالإضافة إلى عدد من النساء من بينهم مريم المجدلية، ونفر قليل، أما جمهور اليهود فقد كفروا به.
يجادل البعض بشأن زواج مريم المجدلية من المسيح، إلا أن ذلك لم يتم إثباته أو نفيه في الشرع الإسلامي، ولهذا ليس هناك دليل على هذا الأمر، وفي حالة ثبوت عدم زواج المسيح عليه السلام على الإطلاق فإن ذلك قد يكون راجعًا لسبب ما.
وقد أوضح ابن عاشور في كتابه “التحرير والتنوير” أن ترك المسيح للزواج يمكن أن يكون لسبب ما أمره الله به، حيث زواج الأنبياء في الإسلام أمر وارد، ولا يُعد ترك الزواج من صفات الأنبياء على الإطلاق، فقد قال الله تعالى في سورة الرعد: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً”.