تُعد إنجازات مصطفي العبادي التاريخية أمر يفتخر به كل مصري، فهو من أهم أساتذة الآثار وإحدى المساهمين في الدراسات المتعلقة بالآثار اليونانية والرومانية.
صاحب العديد من الإنجازات العظيمة؛ أشهرها أحياء مكتبة الإسكندرية القديمة لتستعيد مكانتها العلمية علي الصعيد العالمي.
كما أنه شغل الكثير من المناصب العلمية الهامة في الدولة، وكان عضو في الهيئات والمؤسسات العلمية المرموقة.
وحصد على قائمة حافلة من الجوائز العلمية ذات قيمة عالية، وحظى باحترام كوادر العلم والعلماء على مستوى العالم.
مصطفي عبد الحميد العبادي ولد في العاشر من شهر أكتوبر عام ١٩٢٨م بمحافظة الإسكندرية.
تربي في عائلة مرموقة علميًا وبيت كبير ملئ بمبادئ العلم الراقية؛ فوالده المؤرخ العظيم وعميد كلية الآداب الأسبق الدكتور عبد الحميد العبادي.
وله أخت واحدة وثلاثة أشقاء ذات مراكز سيادية؛ شقيقه الأول حسن العبادي سفير سابق لمصر في تايلاند وكوبا.
بينما شقيه الثاني هاني العبادي سفير سابق في سيرلانكا، والأخر يشغل المناصب العلمية والسياسية المرموقة.
تلقى تعليمه الجامعي في مصر، حيث ألتحق بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ونال شهادة الليسانس في عام ١٩٥١م.
بعدها سافر إلي الأمم المتحدة وألتحق بجامعة كمبريدج في عام ١٩٦١م، وحصل على درجة الدكتوراه في دراسات الحضارة اليونانية والرومانية.
وعندما عاد إلى أرض الوطن مرةً أخرى عمل بالتدريس في كلية الآداب، وأرتقى بهيئة التدريس حتى نال درجة الأستاذية بجامعة الإسكندرية تحديدًا في عام ١٩٧٢م.
وما بين عامي ١٩٧٦م حتى عام ١٩٧٩، أصبح وكيل كلية الآداب وشؤون طلاب جامعة الإسكندرية.
وحظى باحترام كافة طلابه، وأصبح فخر لبلاده.
أما عن حياته الشخصية؛ تزوج عام ١٩٥٨م من “عزة كراره” أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة الإسكندرية.
وله ابنًا “عمرو العبادي” أستاذًا في جامعة كاليفورنيا.
حياة الدكتور مصطفي العبادي مليئة بالأعمال العلمية العظيمة، حيث كان له دور فعال وقوي في المؤسسات العلمية ذات شهرة عالمية والبحث عالي المستوى.
فقد كان أحدى أعضاء المجمع العلمي المصري، وأيضًا رئيس جمعية الآثار التابعة لمحافظة الإسكندرية، فضلًا عن كونه عضو في الجمعية المصرية للآثار القبطية
بالإضافة إلي ذلك كان عضو في الهيئة الدولية البردية، والتي مقرها في إقليم بروكسل بلجيكا.
وتم اختياره من قِبل الجمعية الأمريكية في نيويورك ليكون إحدى أعضائها.
و الفترة بين عام ١٩٧٧ وحتى عام ١٩٧٩م، كان أهم أعضاء الجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
ولا تقتصر مسيرته العلمية على ما ذكر فقط؛ فقد كان من أبرز أعضاء اللجنة العليا للتاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، وأيضًا في اللجنة الدائمة للآثار، والمجالس الدولية للدراسات الفلسفية والإنسانية.
ولعل من أهم إنجازاته خلال رحلته العلمية؛ بأنه كان من الأعضاء المؤسسين للجمعية التحضيرية لمشروع إحياء مكتبة الإسكندرية قديمًا، وعضو فعال في اللجنة القومية التابعة لذلك المشروع.
أطفال حكموا العالم | أحدهم تزوّج أخته ثم حاربها والآخر أوقف زحف صلاح الدين | قوائم في دقائق
يمتلك الدكتور العبادي تاريخ حافل بالإنجازات العلمية، ولكن من أهم تلك الإنجازات التي سجلها التاريخ هي مشروع أحياء مكتبة الإسكندرية.
ففي بداية عام ١٩٧٢م قام د. العبادي بدراسة مشروع حياته دراسة وافية، وقدمه لمنظمة اليونسكو التي أهتمت بفكرته بجدية ورحبت بها نظرًا لما تتضمنها من رقي علمي، وثقافي، وتراثي أيضًا.
وسعى لتهيئة الرأي العام العالمي لاستقبال تلك الفكرة العظيمة، من خلال تأليف كتابه “مكتبة الإسكندرية القديمة سيرتها ومصيرها”.
وفي عام ١٩٩٠م تم انعقاد المؤتمر الدولي للإعلان عن إعادة تأسيس المكتبة، وتم توزيع الكتاب على أعضاء المؤتمر من الكوادر الهامة؛ أبرزهم الملكة صوفيا ملكة إسبانيا، والرئيس الفرنسي الراحل ميتران وغيرهما من القادة العرب.
وبالفعل في عام ٢٠٠٢م، تم تدشين مكتبة الإسكندرية وتحقيق حلم الدكتور مصطفى العبادي بمساعدة اليونسكو.
وأصبحت مركزًا ثقافيًا عليمًا يضم التراث الثقافي المصري، وصرح كبير من بحر العلوم الثقافة العلمية.
وتميزت المكتبة باتساعها لأكثر من ثمانية ملايين كتاب، وثلاثة متاحف، وسبعة مراكز بحثية علمية متميزة، ومعارض دائمة، وأكثر من ستة قاعات متخصصة في عرض العلوم الثقافية والفنية المختلفة.
وانتهت بقبة سماوية كبيرة لتصبح مكانًا يُفتخر به، ومقصدًا عالميًا لطلاب العلم والبحث الثقافي، وتمكن الدكتور العبادي من تحقيق استعادة روح المكتبة القديمة.
حيث صرح في إحدى اللقاءات عن مدى أهمية ذلك الإنجاز له ولبلده قائلًا: “كان دائمًا يراود تفكيري بأن يكون في مصر مكتبة جامعية على مستوى عالمي؛ لأنها لا تحتوي علي مكتبة ترتقي لمستوى العالمية الثقافية.
ومنذ الحرب العالمية الثانية تأثر التراث الثقافي وتحديدًا المكتبات ولم تلقى الاهتمام الكافي لأحيائها، وارى اننا مازلنا متمسكين بالبحث العلمي ما دمنا نمتلك مكتبة عظيمة تضم الحركة العلمية والتراث العلمي للأرض بأكملها”.
دستور 1923 | كيف حلت مصر إشكاليات الهوية – المواطنة – الحريات قبل 100 عام؟ | مينا منير
ومن بين إنجازات مصطفي العبادي أنه سخر حياته للعلم والأبحاث التاريخية التي حازت على اهتمام العالم أجمع.
حيث أمضى حياته في تأليف الكتب النادرة والفريدة التي ترجمت لعدة لغات مختلفة، وأصبحت مرجعًا تاريخيًا يحتذى به، ولقت أعماله ترحابًا عالميًا منقطع النظير، ومن أشهر مؤلفاته ما يلي:
ذلك الكتاب الذي يحظى بأهمية بالغة للعالم أجمع، حيث نشرته مكتبة الأنجلو عام ١٩٧٧م، وأهداه لروح والده الاستاذ عبد الحميد العبادي.
وتتضمن طيات وصحف الكتاب المجالات الفكرية والثقافية التي تميزت بها مكتبة الإسكندرية القديمة، ودورها في إنارة العلم والبحث العلمي.
وترجمته اليونسكو إلي اللغة اليونانية، ثم إلى ستة لغات أخرى.
وهو يعد من أشهر مؤلفاته أيضًا حيث يتحدث فيه عن المراحل الثقافية التي مرت بها مصر منذ القرن الرابع قبل الميلاد وحتى الفتح العربي.
ويحتوي الكتاب على عدة فصول؛ ويتحدث الفصل للأول عن مصر والإغريق قبل عهد البطالمة، ثم ينتقل إلى عهد الإسكندر الاكبر ويتدرج للحكم البطلمي وصولًا للفتح العربي.
فضلًا عن الكتب والمؤلفات التي نالت اهتمام العالم، قام أيضًا الدكتور مصطفى العبادي بنشر عدة أبحاث ومقالات نشرت في مجلة عالم الفكر.
ففي عام ١٩٨٤م نشرت له مقالة بعنوان “قصتان في ضوء الوثائق البردية”.
وفي عام ١٩٨٩م نشر مقالة تاريخية أخرى بعنوان ” تأملات حول التاريخ والمؤرخين”.
وبقالة بحثية أخرى بعنوان “ديمقراطية الأثينيين” ونشرت في عام ١٩٩٣م.
ومن أهم تلك الأبحاث “نشأة الفكر التاريخي وتطوره عند اليونان”، فهو يعد من أشهر الأبحاث المتداولة له في عام ٢٠٠٢م.
حيث سلط الضوء على الفرق بين كلًا من التاريخ والفكر التاريخي، وذكر مراحل تطوره.
وكانت آخر بحثًا تاريخيًا نشر له في عام ٢٠٠٩م بعنوان “اقتصاديات أثينا”.
نال الدكتور العبادي الجوائز التقديرية والعلمية نظير أعماله التاريخية القيمة والتي يصعب تقييمها.
حصل على جائزة كافي في عام ١٩٩٧م، في مجال الدراسات اليونانية.
وفي عام ١٩٩٨م حصل على جائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية، والتي تمنحها دولتين هما مصر والكويت.
وفي أغسطس عام ٢٠١٣م حصل على جائزة النيل الخاصة بالعلوم الاجتماعية.
بالإضافة إلى حصوله علي جائزة طه حسين من جامعة الإسكندرية.
وأيضًا الدكتوراه الفخرية في الدراسات الإنسانية من جامعة كيبيك بكندا.
قصر القبة قطعة من تاريخ مصر.. جولة في أهم أماكنه
بعد إنجازات مصطفي العبادي الكبيرة في المجتمع، وفي يوم الثلاثاء الموافق الرابع عشر من شهر فبراير لعام ٢٠١٧م رحل عن مصر واحد من أهم مؤرخيها وأساتذتها.
توفي الدكتور العبادي تاركًا من وراء الكثير من والمؤلفات التاريخية العظيمة.
تاركًا بصمة سوف تُخلد أسمه لتتوارث الأجيال فضله في احياء أرث مكتبة الإسكندرية.