روسيا تسابق إيران في شرق سوريا وتحديدًا في دير الزور..
خطوات متسارعة ظاهرها التمركز في مواجهة قوات التحالف الذي تقوده القوات الأمريكية في المنطقة، لكن دلالاتها أكبر؛ التنافس بين “الحليفين” يتصاعد يتصاعد، تحديدًا في منطقتي النفوذ في محيط الفرات.
في الغرب، شمال دير الزور، تدير المنطقة عناصر من الجيش السوري – تحديدًا الفرقة الرابعة والفيلق الخامس الذي تسيطر عليه روسيا.
في المنطقتين الجنوبيتين، الميادين والبوكمال، تهيمن القوات الإيرانية ووكلاؤها من الميليشيات الشيعية.
فلماذ تضارب مصالح روسيا وإيران في سوريا؟
لمن ستكون الغلبة؟
وهل يستفيد بشار الأسد من انقسام حليفيه؟
س/ج في دقائق
كيف بدأ سباق روسيا – إيران على دير الزور ؟
في أغسطس 2017، شقت عدة جهات طريقها نحو دير الزور. الدافع ظاهريًا كان الحملة المشتركة للقضاء على إرهابيي داعش. لكن الواقع كشف سعي كل طرف لتوسيع مناطق سيطرته: التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة اختار معركته في شرق الفرات، بينما تقدمت قوات النظام السوري وروسيا وإيران من الغرب.
مع تقدم الحملة، اكتفى النظام السوري ببسط سلطته الإدارية في دير الزور. لكنه حد من جهود سيطرة القوات النظامية على الأرض، لحساب قوات الدفاع الوطني غير النظامية.
وعندما خسر تنظيم داعش آخر جزء من أراضيه في مارس 2019، بقي وضع النظام في دير الزور ضعيفًا، لتظهر كساحة للمنافسة بين إيران وروسيا.
في صيف 2020، بدا أن طهران تتفوق في دير الزور بعدما سحب النظام قواته “الفرقة الرابعة والفيلق الخامس” إلى مناطق أخرى.
الآن، يبدو أن قوات النظام تتجه للانسحاب من معظم أنحاء دير الزور خلال أشهر والاكتفاء بالتمركز في المدن الرئيسية. صحيح أن الرئيس بشار الأسد لا يريد أن يفقد نفوذه في المحافظة، لكنه يرجئ هدفه النهائي المتمثل في العودة بكامل قوته استجابة للوقائع على الأرض:
١- محاولة إبقاء وحداته العسكرية الرئيسية مركزة على المعركة النهائية لاستعادة إدلب.
٢- قواته الهشة في الشرق مدعومة ماليًا من روسيا وإيران وبالتالي منقسمة في ولاءاتها.
لماذا تهتم إيران بضمان السيطرة في دير الزور تحديدًا؟
دير الزور مهمة لإيران الراغبة في ربط الأنشطة والشبكات التي تمتد من العراق إلى مدينة البوكمال الواقعة على الحدود في سوريا وغربًا باتجاه لبنان.
وللمساعدة في تمويل عملياتها في سوريا، تهرب إيران الأسلحة والمخدرات والتبغ على جانبي الحدود العراقية، من خلال تمركز ما يقرب من ألف مقاتل إيراني في دير الزور بالإضافة إلى بضع مئات من مقاتلي الميليشيات الأجنبية الأخرى من العراق وأفغانستان.
رسخت إيران نفوذها في دير الزور عبر الحرس الثوري. ثم عملت على استمالة الشيعة المحليين الذين يقطنون منطقة ذات أغلبية سنية، بحوافز مادية ومساعدات إنسانية، شاملة خدمات طبية وتعليمية وثقافية، وتوسيع الأنشطة الدعوية، فنجحت في تجنيد الآلاف منهم.
ولجذب دعم النخب، قدمت إيران الدعم المالي لوجهاء المجتمع وزعماء قبيلة البقارة وميليشيا قوات مقاتلي العشائر. في المقابل، وفرت هذه الشخصيات المعلومات الاستخباراتية والدعم الأمني الذي سهل تحركات قوات ووكلاء إيران في دير الزور.
مقابل الخدمات التي قدمتها روسيا كمنقذة للنظام السوري، تنتهج موسكو حملة طويلة الأمد لتوسيع نفوذها في سوريا، وغالبًا ما تصور وجود إيران وأنشطتها على أنها تندرج ضمن هذه الحملة.
أولوية روسيا الأساسية تتمثل في تأمين مواقع استراتيجية في دير الزور مثل المطار العسكري، مما يكمل تواجدها في المطارات/ القواعد في أجزاء أخرى من سوريا.
وبعد انهيار داعش، سارعت روسيا للسيطرة على بعض أقسام دير الزور غرب الفرات، والتي تشمل قرى ينشط فيها الحرس الثوري وقوات الميليشيات الشيعية. لكنها لم تقاوم نمو نفوذ إيران كليًا، ولم تحاول تصعيد تضارب المصالح للعلن، ربما لتأجيل الصراعات الداخلية في محورها مع دمشق وطهران.
وفي أبريل 2020، سيرت روسيا دورية إلى الميادين، لترسل على ما يبدو إشارة إلى ميليشيات مفادها أنها تسعى إلى السيطرة على الموارد النفطية جنوب البلدة مثل حقل الورد. كما تسعى موسكو إلى احتواء نفوذ طهران في أقصى جنوب دير الزور في البوكمال، حيث ينتشر وكلاء إيران من لواء فاطميون وكتائب حزب الله بأعداد كبيرة.
هل يتطور الأمر لصدام عسكري بين روسيا – إيران في دير الزور ؟
التوترات بين روسيا – إيران في دير الزور “ربما تحولت بالفعل إلى نزاع نشط”. صحيح أن إيران لا تزال تتمتع نسبيًا بزمام الحرية في دير الزور ولم تتضاءل طموحاتها هناك، لكن الضربات المتعددة التي استهدفت قواتها ووكلاءها أرغمتها على تغيير مواقعها في بعض الأحيان وتحمل تكاليف عسكرية باهظة.
الشكوك بين الجانبين بدأت في 2017 باستهداف جنرالات سوريين بارزين مدعومين من روسيا. وتعقدت أكثر مع التدخلات الإسرائيلية عبر ضربات عسكرية ضد أهداف إيران وحزب الله في سوريا؛ إذ تؤمن إيران أن روسيا قادرة على منع هجمات إسرائيل “إن رغبت” لكنها تعض الطرف من أجل تقليص نفوذ طهران.
ونقل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى اتهام إيران لروسيا بقصف مواقعها في البوكمال. بينما تتعرض مواقع الدولتين في المحافظة إلى هجمات متكرة لم يتبناها أحد، ما ضاعف حالة عدم الثقة بين الجانبين.
الاستفزازات المحتملة الأخرى تشمل محاولة روسيا الأخيرة لجذب المقاتلين السوريين من الميليشيات التي تدعمها إيران عبر الإغراءات المالية، بعدما أعجزت العقوبات الأمريكية إيران عن دفع رواتب مغرية لأعضاء هذه الميليشيات.
الأمر سيتعقد أكثر حين تسحب الولايات المتحدة المزيد من جنودها من شرق سوريا. قد يتحول التنافس بين إيران وروسيا إلى مواجهات مسلحة وسباق لاحتكار غنائم الحرب في الجهة المقابلة من النهر. لكن من غير المرجح أن يؤثر ذلك على مصلحتهما المشتركة في الحفاظ على النظام السوري.