قبل عامين، ظهر نقاش عبر منصات السوشال ميديا حول تأثير الهجرة على العائلات القادمة من دول الشرق الأوسط.
المعلقون، ومعظمهم من الرجال، يجادلون بأن الخروج من “حماية الوطن” دمر نسيج الأسر السورية ومجتمع الشتات. كانوا يعتقدون بأن ذلك أدى بالنساء السوريات إلى “الانحراف” لأن المزيد منهن كن تبحثن عن الطلاق.
وبينما استخف السوريون بالظاهرة، احتفى بها بعض المعلقين الغربيين. رأوا فيها جزءًا من المهمة الغربية لـ “إنقاذ العربيات (والمسلمات)” من الرجال الذين اضطهدوهن. من الواضح أن هذا تفسير اختزالي واستشراقي للوضع.
في كتابها “هل المرأة المسلمة بحاجة إلى إنقاذ؟” تدين الفلسطينية الأمريكية ليلى أبو لغد هذه العقلية الغربية. وتصر على أنه تبرير لجميع أنواع التدخل الغربي في العالم العربي والإسلامي – بما في ذلك الغزو – باسم إنقاذ النساء من الإسلام.
لكن العديد من اللاجئات المعنيات استفدن من حياتهن الجديدة في المجتمعات الغربية العلمانية لطلب الطلاق – غالبًا من الأزواج المسيئين اللاتي اضطررن للزواج منهم عندما كن فتيات صغيرات.
ليس الحجاب فقط.. المرأة الإيرانية قبل ثورة الخميني | الحكاية في دقائق
لم تجبر الفتيات غالبًا على الزواج لأسباب دينية، لكن في كثير من الأحيان لأنهم جاؤوا من خلفيات ريفية، حيث الأبوية (والتفسيرات الأبوية للإسلام) سائدة، وبينها حرمان المرأة من حقوقها الأساسية مثل النفقة أو حضانة أطفالها بعد الطلاق.
القوانين الأبوية ليست السبب الرئيسي لصمت المرأة السورية وقبولها للوضع الراهن عندما تكون في وطنها. غالبًا ما كان مفهوم “العيب” بدلًا من مفهوم الحرام هو الذي تحكم في سلوك هؤلاء النساء.
على سبيل المثال، في حين أن الإسلام لا يمنع أن تكون العصمة في يد المرأة، إلا أنها مستهجنة اجتماعيًا في معظم المجتمعات الإسلامية. غالبًا ما يُنظر إلى النساء اللاتي لديهن مثل هذا الشرط في عقد الزواج على أنهن مشتبه بهن أخلاقيًا وجنسيًا.
محامية ألمانية تساعد هؤلاء النساء السوريات في طلاقهن تقول: “لم أر مثل هذا العدد الضخم من السيدات الراغبات في الطلاق من جنسية واحدة. لم أر قط انهيارًا في البنية الاجتماعية من الأسفل كما حدث بين السوريين”.
ربما يرجع ذلك إلى حقيقة أن العديد من العائلات التي هربت من سوريا أتت من مناطق ريفية. بمجرد هروبهن من العيون القمعية لأقاربهن وجيرانهن، وحين يمكنهن طلب الطلاق بدون إثارة أزمة، لم تترددن في طلب هذا الطلاق. كن تعرفن أن حقوقهن محمية الآن، وأنهم لن يحرمن من أطفالهن.
الظاهرة ليست مقصورة على اللاجئين السوريين الموجودين في ألمانيا. يمكن ملاحظتها أيضًا في السويد، حيث حصلت المرأة السورية على التمكين بشكل متزايد من خلال السياسات النسوية للحكومة السويدية. كما بدأن بالمطالبة بالانفصال عن الأزواج المسيئين الذين اضطروا للزواج منهم عندما كن فتيات صغيرات.
الإصلاح الديني | هل الدولة جادة في تحقيقه؟ ومن المستفيد الأكبر من تعجيله / تعطيله؟| حيدر راشد
هذه ليست إدانة للاجئات بقدر ما هي إدانة للمجتمع السوري وقوانين تجبر النساء على قبول سوء المعاملة. تفعلن ذلك من أجل الحفاظ على سقف فوق رؤوسهن وحضانة أطفالهن.
يبدو أن الحكومة السورية نفسها أدركت مؤخرًا أن قوانينها إشكالية وعدلت قوانين الأحوال الشخصية السورية في شباط/ فبراير 2019. وتضمنت التعديلات أكثر من 60 مادة قانونية. لم يكتفوا برفع سن الزواج، ومنح المرأة حق حضانة أطفالها بعد الطلاق، لكنهم أيضًا أعطوا جميع النساء السوريات الحق في طلب الطلاق دون إذن أحد.
كما كان متوقعًا، انقسم السوريون في ردود أفعالهم على هذه التعديلات، حيث رحب البعض بهذه التغييرات، ورأى آخرون أنها ليست كافية. قرأت مجموعة ثالثة هذه التعديلات على أنها محاولة مثيرة للشفقة من قبل نظام فقد شرعيته بين قطاعات كبيرة من السكان لتسخير حقوق المرأة من أجل إعادة تأهيل نفسها في عيون الغرب.
من خلال تعديل هذه القوانين، تحاول حكومة الأسد تصوير نفسها على أنها نظام حديث و”حضاري” يحمي حقوق المرأة من “تخلف” ما تصفه بأنه قوانين مستوحاة من الإسلام. يقدم نظام الأسد نفسه كحكومة مستنيرة لا يحتاج الغرب لإنقاذ النساء منها.
في غضون ذلك، في أوروبا حيث لجأت أعداد كبيرة من السوريين – وبعيدًا عن عار المجتمع الأبوي – تستغل النساء القوانين التي تمنحهن حقوقًا متساوية ومعايير اجتماعية لا تلومهن في حالة الطلاق، أو اعتبارهن “ساقطات” إذا تركن أزواجهن.
ريم والمدرسة والحجاب.. ٦ جمل مخيفة في مجتمع “مش داعش بس بيحترمهم” | فيروز كراوية