مونولوج وحيد حامد الأبدي.. البحث عن أحلام أبعد من الخيال | مصطفى ماهر

مونولوج وحيد حامد الأبدي.. البحث عن أحلام أبعد من الخيال | مصطفى ماهر

3 Jan 2021
سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

«مكانك مش في القصة والرواية.. مكانك في التلفزيون» 

كثيرًا ما أطلق المبدعون نبؤات كبيرة تجاه مواهب شابة، أغلبها يسقط فريسة للنبؤة ولا يستطيع تحقيقها.. لكن تلك العبارة التي قالها الأديب يوسف إدريس مبصرًا موهبة الشاب الذي أستوقفه ليعرض عليه مجموعته القصصية “القمر يقتل عاشقه” كانت لحظة ظاهرة فنية بلا مثيل في كتابة السيناريو السينمائي والدرامي.. الشاب كان وحيد حامد الذي صعد بنبؤة الأستاذ لأبعد من الخيال.

من منيا القمح في الشرقية المصرية إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون “ماسبيرو في وسط العاصمة، بدأ مشوار وحيد حامد الفني. فمن خلال قصته “طائر الليل الحزين” ومن تلك اللحظة الأولى، خطف الأنظار إليه سريعًا. القصة نجحت في شكلها الإذاعي مع عادل إمام ليقدمها محمود عبد العزيز كعمل سينمائي، فيجمع عمل واحد من كتابته منذ البداية عملاقين في السينما المصرية: الساحر والزعيم!

عراف الواقع.. الحوار في أعمال وحيد حامد

لكل كاتب صفة تميز أعماله، البعض يخلق شخصيات لا يمكن نسيانها. آخرون يصنعون حبكة مثيرة، وغيرهم يهتم بالمغزى والعبرة من الحكاية. كل هذه العناصر تجتمع في أعمال وحيد حامد بالمناسبة، لكن ميزته الأعظم كانت في “الحوار”.

كل عمل يلمع بمقطع حواري لا يمكن نسيانه أبدًا. ربما يتجاوز الفيلم نفسه، ويصبح مادة فنية في ذاتها. سخرية لاذعة عن واقعنا المصري الصعب منذ السبعينيات، أو نبوءة عجيبة بأحداث مستقبلية، أو سردًا عميقًا لأحداث تاريخية.

وبداخل الحوار عبارة تُحفر في عقل المشاهد للأبد. هل يمكن أن تنسى وجه أحمد زكي في “اضحك الصورة تطلع حلوة” وعينيه موزعة بين الحزن والصبر:

«كلمة أنا بحبك عقد.. اللمسة عقد.. النظرة عقد.. الوعد بالجواز دا أكبر عقد» 

أو في “الراقصة والسياسي” على لسان نبيلة عبيد، في واحد من الجمل الحوارية التي تحولت لمثل على لسان الناس:

«إيه حكاية رقاصة.. رقاصة.. ما احنا الاتنين زي بعض يا عبدالحميد.. كل واحد فينا بيرقص بطريقته.. أنا بهز وسطي وأنت بتلعب لسانك» 

وبالطبع العبارة الذهبية من “طيور الظلام” الذي كان نبؤة بكل معنى الكلمة للصراع بين الحزب الوطني وجماعة الإخوان:

«القانون زي ما بيخدم الحق بيخدم الباطل.. واحنا ناس الباطل بتاعنا لازم يكون قانوني» 

اللعب مع الكبار

من الصعب جدًا تحديد السيناريو الذي تجلت فيه أعلى مراحل إبداع وحيد حامد من بين 40 عملًا فنيًا شارك فيه. بعضهم يرون البرئ؛ كونه “الأكثر جرأة” بعدما أثار جدلًا حين حذفت نهايته بعد عرضه على وزير الداخلية ووزير الدفاع وقتها. البعض يضع “طيور الظلام” في مقدمة أعماله لقدرته على تجسيد الواقع السياسي المصري في قالب فني فريد.

 لكنني أرى أن سيناريو “اللعب مع الكبار” هو ذروة أعمال وحيد حامد على أكثر من مستوى:

اللعب مع الكبار هو السيناريو الوحيد الذي فاز بجائزة عالمية فريدة من نوعها في أعمال وحيد حامد “أحسن سيناريو من مهرجان فالينسيا” بعدما نجح النص في إبهار لجنة التحكيم والتغلب على أعمال فنية من بلاد مختلفة لها باع طويل في السينما العالمية.

بساطة الفيلم وأحداثه التي يغلب عليها الطابع الكوميدي أوهمت البعض بأنه أحد أعمال عادل إمام الكوميدية، رغم أن طبيعة الحكي في الفيلم قائمة على التصاعد التدريجي من أحداث بسيطة وصولًا للتوتر التام في نهايته المصحوبة بشكل مأساوي تكشف رمزية الحدث البسيط.

الأحلام.. التي يراها مواطن بسيط ويرويها لظابط كبير، فتتحقق بشكل كامل في الواقع، مما يضع الظابط الذي يقوم بدوره حسين فهمي، في حيرة كبيرة.

رمزية الأحلام هي تعبير عن حلم المواطن العادي في واقع خالٍ من الفساد، وكل أحداث الفيلم من مناقشات ومطاردات هي تعبير عن الخوف؛ الخوف من الشفافية والمواجهة داخل المحتمع حول الصواب والخطأ الذي يقع فيه المسؤول السياسي.

في أحد مشاهد الفيلم، يحكي حسن بهلول للظابط، أحد أحلامه بلغة الإشارة، لا لشيء إلا أن أحد أعضاء الحكومة ظهر في حلمه، ولا توجد بلاغة فنية للتعبير عن مجتمع خائف أكثر من إشارات حسن للظابط بأحداث الحلم، التي تكشف فساد هذا المسؤول.

لكن للأحلام حدود!

لم يدرك حسن أن سره العجيب مع الأحلام سيكون له نهاية، وأن سر لعبته الذكية سينكشف في نهاية الفيلم، أمام الهرم الأكبر، أثناء عرض الصوت والضوء، في واحدة من أجمل المونولوجات في السينما المصرية عندما وضع وحيد حامد مقارنة على لسان حسن بهلول بين عظمة أجداده بناة الأهرام، وبين بؤس حياته المعاصرة كمواطن مصري.

يظهر صديق عمره علي، الذي يعمل في شركة الاتصالات، ومن خلال عمله يتنصت على أغلب المكالمات، فيعرف الكثير من المخططات الإجرامية ويبلغها لحسن الذي يرويها للظابط على شكل حلم حتى يحمي صديقه من أي محاكمة

«هو ده الحلم اللي أنا محلمتوش» … «بس أنا هحلم .. هحلم» 

إذا تركت نفسك مع تصاعد أحداث الفيلم وصولًا لتلك الجملة في نهايته، ستصيبك قشعريرة من عبقرية تلك الكتابة، التي جعلتك تصدق في تغيير واقع فاسد من خلال الأحلام، وبجملة واحدة تعود لأرض الواقع بشكل مؤلم مستيقظًا على حقيقة أن “للأحلام حدود” فحسن يكتشف مقتل صديقه بعدما اكتشف أمره 

يلتفت للظابط في غاية الحزن: هو ده الحلم اللي أنا محلمتوش 

ثم يقف صارخاً: أنا هحلم .. أنا هحلم.. 

روح وحيد حامد فارقتنا.. هجرنا لعالم أحلامه، بينما نحن متعطشون أكثر لأعماله السحرية ونبؤاته عن حياتنا بكل ما فيها من ضحك ومأساة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك