لمصر لا لوحيد حامد | إلى أي مدى أوجعهم الراحل؟ وأي مصر يريدون؟ | مينا منير

لمصر لا لوحيد حامد | إلى أي مدى أوجعهم الراحل؟ وأي مصر يريدون؟ | مينا منير

3 Jan 2021
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يبدو أن إحدى مكتسبات مرحلة ما بعد 2013 في مصر هي قدرة الدولة على التعاطي مع الواقع السياسي الخارجي والداخلي معًا، بقدر من المهارة نجحت بها في تجريد معارضيها من أسلحتهم الأخلاقية والاجتماعية التي ظنوا يومًا أنهم يمتازون بها على غيرهم.

إحدى ملامح ذلك هو إعطاء قدر من حرية الحركة لكياناتٍ قادرة فقط على إثبات صحة خطاب الدولة عنها. فكلما أعطت الدولة قدرًا من تلك الحرية المحسوبة لهؤلاء ازداد وضوح قبحهم للدرجة التي بات معها كتابة تاريخ العشر سنوات الأخيرة رهنًا لذلك التكتيك الذكي. كيف؟

إحدى شواهد هذه المناورة السياسية لعقل الدولة هو تركها لحركة محرري موقع إلكتروني يخوضون ويجولون يمينًا ويسارًا من داخل مصر كما من خارجها، بحرية أثارت أحيانًا ريبة زملائهم من “الثوريين”.

قد يقول البعض أن مصر حجبت بالفعل ذلك الموقع، لكن هناك فوارق بين أن تقتل كيان وأن تتركه يشهد لك بحماقته المنظمة بعد أن جردته من أسنانه، فيتلاعب أمامها بذنبه ليرى الجميع أنه قبيح وأنه، في نفس الوقت، يخدم خطاب الدولة دون دراية منه بذلك.

هنا نتساءل: حينما تركوا لما هم عليه، كيف ظهر قبحهم، وقبح ما يمثلونه؟

عن أي مصر يتحدثون؟

منذ زمن ونحن نشهد الخلافات التي تدب بين الإسلاميين في قضية الترحم على المسيحي، والفنان والمثقف، وغيرهم من هذه الفئات التكفيرية في معتقدهم.

الفترة السابقة أيضًا حملت لنا نفس الخطاب، لكن هذه المرة ممن يتمسحون في مفهوم الليبرالية “التي أتحدى إن قرؤوا في أمرها شيئا”.

هؤلاء الذين رفعوا لواء الحرية قسموا الكون إلى فسطاطين، تمامًا كما فعل الأب الروحي لحلفائهم سيد قطب حينما رأى العالم دارين: دار الإسلام ودار الكفر. أما فسطاطا الثوريين فكانا فسطاط النقاء الثوري، وفسطاط “الدولجية”، وهو فسطاط يشمل كل من لا يسبح بحمد خياراتٍ سياسية لم تكن حقيقة تدشينها عبر منابر إمارة قطر صدفة.

لكن السؤال الأهم هو: بين هذين الفسطاطين أين تقع مصر؟ كُتاب الموقع الإلكتروني حسموا موقفهم تباعًا، سواء من خلال صفحاتهم الشخصية أو من الموقع نفسه: فكل مثقفي وفناني مصر الذين أثروا حياتنا، ولم ينتهِ بهم الحال في الدوحة، هم بالضرورة في فسطاط الضلال.

رأينا كُتاب الموقع على صفحاتهم الشخصية يتشفون في وفاة فاتن حمامة، أحمد راتب، عمر الشريف وغيرهم من أعمدة الثقافة والفن في مصر ممن فقدناهم في العِقد الأخير. المفاخرة والاستعلاء بهذا الأمر جاء من “نشطاء” في حقوق الإنسان. بل امتد الأمر إلى الأحياء مثل محمد منير وعمر خيرت الذين فقدوا صك الغفران الثوري بسبب إحيائهم لحفلاتٍ ومناسباتٍ وطنية.

عادل إمام – يوسف معاطي .. 4 اتهامات مردود عليها في محطة الزعيم المظلومة | أمجد جمال

تشابهت قلوبهم

فإذا قمت بتفريغ مصر من كل معالم الفن والثقافة، ستدرك أننا أمام حالة تفسر التواؤم بين كُتاب الموقع وأشباهه من جانب، ومنظري الفكر القطبي.

تلك هي مصر كهيكل مُفرغ من كل أعمدته التي شكلته هويته، لتصير مصباً لبديل يخشاه حتى مواطنو دول أوروبية مثل سويسرا وهو بديل الـ woke culture الذي يتميز بمفردات الإلغاء والاستعلاء الآتية من خلف المحيط الأطلنطي.

إنها نفس الحالة الدخيلة التي تدعو في بريطانيا لتفريغ المناهج من ذكر شيكسبير واسحق نيوتن، وهدم تمثال وينستون تشرشل لأنهم “عنصريون”.

هكذا هي الحالة الاجتماعية التي تجلت يوم الثاني من يناير، بينما ينعي الملايين من المصريين وفاة أحد أعظم كتابهم في التاريخ الحديث، والذي أثرى الثقافة المصرية والعربية بأعماله الخالدة، وحيد حامد، حينما نشر الموقع الإلكتروني كاريكاتيرًا يَظهر فيه المصريون كبلطجي ضخم الجثة يحاول أن يسحق صوتًا بريئًا لفتاة ثورية تهين وحيد حامد وتصفه بالنفاق، مُستخدمةً المرادف الخادش البذيء الذي يعرفه المصريون في لهجتهم العامية (معـ**).

كحال الإخوان ممن يحتفلون بموت الرجل الذي عراهم على مدار عقود، لم يسيطر الموقع الإلكتروني على شهوة الشماتة في وفاة الرجل، حتى خرج بمثل هذا القبح في أقل من 24 ساعة على وفاته، دون مراعاة لأي حرمة أو قيمة.

ولعل السؤال هنا: إن كان الصراخ بمقدار الألم، فما هو حجم الألم الذي أحدثه حامد لهؤلاء؟

لمصر لا لوحيد حامد

فقدنا وحيد حامد بالجسد فقط، ولكنه سيظل بيننا رمزًا خالدًا بما قدمه، فلن تضيره شماتة بائسة مثل هذا، إلا أن الحقيقة التي نجحت هذه الشرذمة في تأصيلها هي ذكاء الخيارات التي انتهجتها الدولة في التعاطي مع فريقهم.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك