قصف جديد على إدلب شمال غربي سوريا يتسبب في نزوح 200 ألف شخص وتدمير 12 مركز طبي، في تفصيلة علنية بسيطة تكشف مشهدًا معقدًا في الخلفية طرفاه روسيا – تركيا.
القصف المستمر على إدلب منذ أسبوعين يشتد في الأيام الأخيرة. رجال الإنقاذ يصفون الوضع بـ “كارثة إنسانية غير مسبوقة”، وززير الخارجية البريطاني جيريمي هانت يشير لاستخدام روسيا والنظام السوري البراميل المتفجرة في الهجمات للمرة الأولى منذ سبعة أشهر، ويهدد برد سريع ومناسب إذا استخدمت سوريا أسلحة كيميائية غير قانونية.
دبلوماسيون إقليميون – نقلت عنهم الجارديان – يكشفون ترتيبات جديدة بين موسكو وأنقرة لترسيخمناطق نفوذهم في سوريا التي ضربها صراع أهلي مستمر منذ سبع سنوات. فلماذا إدلب مجددًا؟ لماذا اشتعل الوضع؟ ولماذا صمتت تركيا؟ وماذا تكسب روسيا؟ وأين بشار الأسد مما يحدث؟ الإجابة عبر:
تكتسب إدلب أهميتها، وبالتالي تتزايد خطورة الوضع هناك، من كونها ساحة المواجهة الأخيرة المؤجلة – والمدمرة – في الزاوية الأكثر كثافة في سوريا، والأخيرة من البلاد التي ما زالت خارج سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد.
ومنذ اندلاع الصراع الأهلي في سوريا في 2011، تزايد دور حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد في تشكيل مستقبل الأراضي، واستعادوا السيطرة على مساحات واسعة في البلاد، ليتحول التركيز على إدلب، التي يعني حسم السيطرة عليها إنهاء التمرد المستمر منذ 7 سنوات.
لبيب النحاس، ناشط سياسي كان على صلة سابقًا بقيادة المعارضة السورية المسلحة، يشير إلى عاملين آخرين يعيدان تشكيل أهمية إدلب:
الوصول إلى عنق الزجاجة الحقيقي في عملية السلام في أستانا، مع قناعة بأن موازين القوى الميدانية بوضعها الحالي لن تمكن روسيا من تحقيق رؤيتها في سوريا.
تفكك نظام الرئيس بشار الأسد على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، وإدراك روسيا أن الفرصة مغلقة أمام تحقيق مكاسب مستدامة في سوريا، وحاجتها لتغطية الوضع الحالي للنظام من خلال شن الهجوم، على أمل تحقيق انتصار حاسم من شأنه أن يحرك الأمور لصالحهم.
تنقل الجارديان عن مجموعات مراقبة على الأرض أن الطائرات الحربية الروسية استهدفت المستشفيات والمراكز الطبية في الطرف الجنوبي من إدلب والأطراف الشمالية لمحافظة حماة المجاورة بهجمات ممنهجة.
الهجوم الخاطف يثير شبح الهجوم البري الذي طال انتظاره على إدلب التي باتت مكتظة بنحو 3 ملايين شخص.
ويحذر كريس ألبريتون، مدير الاتصالات في منظمة اللاجئين الدولية من كارثة إنسانية غاية الصعوبة تلوح في الأفق إذا لم يحدث تدخل لإنقاذ المحاصرين في إدلب بعدما فقدوا معظم ممتلكاتهم.
إدلب باتت الملاذ الأخير للسوريين الذين أُجبروا على الهروب من مناطق أخرى في مختلف أنحاء سوريا تحت ضغط الحرب الأهلية، ليتضاعف سكان المدينة من 1.5 مليون نسمة إلى 3 ملايين نسمة، يعتمد ثلثاهم على المساعدات الإنسانية للبقاء بالكاد على قيد الحياة
مجد خلف، ضابط اتصال في منظمة الخوذ البيضاء يقول إن ثمة كارثة إنسانية غير مسبوقة تحدث في إدلب. “الهجمات التي تستهدف المستشفيات والعيادات ومراكز علاج الصدمات لا تترك لنا أي خيار مع وجود الجرحى والمصابين بين صفوف المدنيين سوى نقلهم في رحلة طويلة إلى شمال إدلب. في تلك الرحلة، تكون سيارات الإسعاف التابعة للمنظمة هدفًا لمروحيات الجيش السوري”.
يضيف خلف أن فارقًا رئيسيًا بين العملية الحالية التي يصفها بـ “الوحشية” وسابقيها. في الماضي كانت تعقب الهجمات محادثات تسفر عن اتفاقيات للتهدئة، هذه المرة يبدو أن روسيا والجيش السوري “وكأنهم مصممون على محو أي أثر للحياة في إدلب”.
في سبتمبر/ أيلول 2018، اتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان على أن موسكو وأنقرة ستشرفان بشكل مشترك على منطقة منزوعة السلاح طولها تسعة أميال؛ سعيًا للفصل بين مناطق سيطرة المتمردين والنظام. هذا الاتفاق كان هو محور اتفاق وقف التصعيد الذي أبقى المحافظة مستقرة نسبيًا حتى منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
الرد على العملية الجديدة لم يكن قويًا بما يكفي من تركيا الداعم القوي لميليشيات المعارضة المناهضة للرئيس بشار الأسد في إدلب.
وتفرض تركيا سيطرتها على مناطق في شمال سوريا لحماية مصالحها الخاصة.
يعتقد دبلوماسيان كبيران تحدثا للجارديان أن سيناريو هجوم روسيا/سوريا الحاسم على إدلب أقل احتمالًا، والأرجح منه حملة محدودة تمنح القوات الروسية والسورية موطئ قدم في المدينة، مقابل السماح لتركيا بتعميق منطقة سيطرتها الحالية إلى الشرق.
أحد المصدرين أشار إلى توقعات بحدوث توافق بين روسيا – تركيا – نظام بشار الأسد تسمح لحلفاء الأخير بالتوغل في المنطقة العازلة بمعدل يصل إلى 25 ميلًا مقابل تمكين تركيا من الاستيلاء على تل رفعت.
وتل رفعت هي بلدة صغيرة يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا. وكانت هدفًا دائمًا للجيش التركي الذي أطاح بالمسلحين الأكراد من بلدة عفرين المجاورة في أوائل العام الماضي.
نائب رئيس تركيا فؤاد أقطاي ألمح، الأحد الماضي، إلى أن اقتحام تل رفعت بات نصب أعين القادة العسكريين الأتراك . ردًا على هجوم قيل إنه قتل جنديًا تركيًا في المنطقة. قال أقطاي: “كان الاتفاق بالنسبة لنا أن نتوقف عند هذا الحد “تل رفعت”، لكن إذا استمرت هذه الهجمات، فقد يتخذ الأمر شكلًا مختلفًا. نحن نناقش هذا مع روسيا”.