تيمة الممثل الواحد الذي يقوم بدور عدة شخصيات وأجيال في نفس الفيلم ليست جديدة على السينما المصرية كدراما أو كوميديا، وقد تكون أبرز وأنجح حالاتها في آخر عقدين فيلم الناظر الذي أخرجه شريف عرفة، وشارك به أحمد حلمي في دور مساعد، بينما كانت شخصيات أسرة بالكامل على أكتاف ممثل واحد هو علاء ولي الدين.
الدافع الأساسي لهذا التوظيف في الأفلام الكوميدية عادة هو إبهار الجمهور بقدرة نجم ما على منح كل شخصية طباع ولغة جسد وسلوكيات كوميدية مختلفة، وهي نقطة نجح فيها أحمد حلمي نفسه سابقًا بالمناسبة في كده رضا الذي يظل واحدًا من أفضل وأنضج أفلامه.
٢٠ عامًا على فيلم الناظر.. ليس مجرد فيلم في هوجة المضحكين الجدد | أمجد جمال
الدافع الثاني الدرامي قد يكون خلق علاقة ترابط أو تطابق، سواء من أول الفيلم أو في منتصف أحداثه، أو عند النهاية، بحيث يصبح وجود ممثل واحد للشخصيتين نقطة دافعة دراميًا لاقناعنا كجمهور بأهمية أو معنى هذا الترابط.
في فيلمه الجديد خيال مآتة يقوم أحمد حلمي بدور الجد والحفيد، دون أن يحقق للأسف أيًا من النقطتين بالدرجة المنشودة. لا الكوميديا والتسلية هنا في مستوى ما اعتدناه منه، ولا التغييرات الدرامية التي تشهدها أيًا من الشخصيتين في النهاية تترك أثرًا صادقًا وحقيقيًا ومقنعًا وذا معنى بخصوص هذا الترابط.
كل شيء تاه هنا وسط حبكة تتحرك بتخبط وسط تيمات السرقة المنظمة واللصوصية، دون أن تحمل الصفة الرئيسية المطلوبة لهذا النوع من الأعمال (سرعة الايقاع والتشويق).
رغم أن هذا هو التعاون الأول بين أحمد حلمي والمؤلف عبد الرحيم كمال، يمكن القول أن الفيلم يتحرك إجمالًا في نطاق الشخصية التي حددها أحمد حلمي لنجوميته على مدار سنوات. الشاب الذكي سريع البديهة سليط اللسان، الذي يجيد توريط أغلب الشخصيات حوله في سلسلة من الردود والإيفيهات، ويصدمهم ويصدمنا كمشاهدين معهم أحيانًا، بدرجة غريبة من سوء الفهم والتوهان والأسئلة أو الملاحظات الكوميدية عما يدور حوله.
ولاد رزق 2.. أن تنجح مرتين بنفس المعادلة! | أمجد جمال
شخصية الجد العجوز كانت فرصة ممتازة لممارسة ألاعيب كوميدية أخرى، خصوصًا أن كبار السن في مصر لهم فعلًا ما يمكن اعتباره منجم كوميديا من حيث السلوكيات والأفكار والتناقضات مع الأجيال التالية، لكنها هنا تاهت وسط الأحداث لتصبح مجرد محطة أخرى لتقديم نفس المعتاد من أحمد حلمي.
احتفاظ أي نجم بمعالم محددة للشخصية التي أحبه فيها الجمهور نقطة لا تعيب أي نجم، بل هي أساسًا جزء من صفة النجومية، بشرط أن يعيد اكتشاف هذه الشخصية في قصة مقنعة ومسلية، وفي حالتنا هنا مضحكة أيضًا، باعتبار الكوميديا ضمن مواصفات الفيلم التي يروج بها نفسه للجمهور.
بقية الشخصيات تعاني من التجاهل المعتاد والاستسهال، لدرجة ان السيناريو لم يشغل باله بأي شرح أو سرد يذكر بخصوصها. كلها شخصيات قابلناها من قبل في أفلام أخرى بنفس التفاصيل تقريبًا. حسن حسني يقدم شخصية حسن حسني، وبيومي فؤاد يقدم بيومي فؤاد.. وهكذا.
حتى شخصية البطلة (منة شلبي)، التي يمنحها السيناريو أهمية ومساحة أطول زمنيًا من الباقين، تبدو هنا وحتى النهاية غير مفهومة. من هي؟ ماذا تريد؟ لماذا تعمل في هذا المجال؟ لماذا انجذبت للبطل فجأة؟ كل هذا غير مهم؛ فالغرض الأساسي هو وجود منة شلبي بملامحها البشوشة الرقيقة كطرف يطلق عليه أحمد حلمي رصاصاته من النكات.
سكاكين السوشيال ميديا التي تحتاجها صناعة الفن أحيانًا | حاتم منصور
وتظل النقطة الأغرب، ربما، هي ظهور أسماء مثل إنعام سالوسة دون جدوى أو أي أهمية تذكر للدور، وكأن المسألة لا تزيد عن تبرك نجم الفيلم بأسماء اعتاد التعامل معها ويتفاءل بوجودها. نفس الشيء يمكن قوله عن أسماء ثقيلة تظهر هنا دون أن تضيف للفيلم أو يضيف لها شيئًا، مثل عبد الرحمن أبو زهرة ورشوان توفيق ولطفي لبيب.
رغم أن خيال مآتة أفضل بكثير من فيلم حلمي السابق لف ودوران، الذي أخرجه أيضًا خالد مرعي، إلا أنه يرث بدرجة كبيرة أغلب عيوب هذا الفيلم، ابتداءً من لا منطقية بعض الشخصيات، مرورًا بالأحداث التي لا تتحرك وفقًا لأي ضابط سوى رغبة صناع الفيلم في السير لهذا الاتجاه، وانتهاء بالنهاية السريعة المبتورة التي يحاول فيها الفيلم حل مشكلات درامية عديدة وبسرعة، رغم أننا لم نبالي بها أصلًا بالدرجة ولا نذكرها، في ظل فوضى السرد.
على ذكر النهايات المبتورة والفوضى، خصوصًا في الثلث الأخير، فكلا الفيلمين تم تصويره وتنفيذه بسرعة للحاق بالعيد، وكأنه موسم يأتي سرًا وفجأة! بل ووصلت الأمور في خيال مآتة لدرجة الفشل باللحاق بأول أيام العيد، بسبب عدم الانتهاء من تجهيز النسخ في اليوم المنشود!
مع اسم مثل أحمد حلمي تبدو هذه الفوضى في صناعة فيلم غير مفهومة. هذا نجم يملك ثقله وتاريخه لدى المنتجين، ولا يحتاج بالتأكيد لمفاوضات مكثفة ليحصل على الضوء الأخضر لصناعة فيلم. والفارق الزمني بين أعماله مؤخرًا يمتد لسنوات، وبالتالي لا يوجد أي مبرر لإصراره على توريط نفسه أكثر من مرة، في صناعة عمل سريعًا خلال أسابيع، رغم ما ينتج عن ذلك من عيوب واضحة في المونتاج والمكساج وخلافه.
ما سر رداءة مسلسلات رمضان ولماذا ستظل كذلك؟
إجمالًا، خيال مآتة نموذج لعيب مستديم في صناعة السينما المصرية، وفي أية صناعة مصرية ربما. بذرة جيدة، وخبرات حقيقية، وموارد كافية، وفرصة لصناعة شيء متقن، ثم إهدار لكل ذلك في عجالة و”فينيش” سيئ، ليصبح المنتج النهائي معيوبًا وناقصًا لدرجة يصعب إنكارها.
الجمهور يمكن أن يتقبل من نجمه عملًا متوسطًا أو ضعيفًا مرة أو مرتين أو ثلاث، لكن في حالة التكرار تختفي هذه الثقة، ويحل محلها تجاهل جماهيري. محمد سعد قد يكون أبرز هذه الحالات عمليًا في العقد الأخير.
لنأمل أن لا يذهب أحمد حلمي لنفس المصير، وأن يعود قريبًا لرونقه المعتاد كممثل خفيف الظل يجيد اختيار سيناريوهات وأفكار أعماله أولًا، وتنفيذها باتقان ثانيًا.