صاحب المقام | تجربة تستحق المشاهدة.. لكن تنقصها الكرامات | حاتم منصور

صاحب المقام | تجربة تستحق المشاهدة.. لكن تنقصها الكرامات | حاتم منصور

4 Aug 2020
حاتم منصور
سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المتأمل لرحلة الصحفي والإعلامي المصري إبراهيم عيسى كمؤلف في السينما، والتي تشمل حتى الأن 3 أفلام: مولانا – الضيف -وأخيرًا صاحب المقام يسهل عليه ملاحظة ارتباطها كلها بمناقشة التدين وتأثيره على المجتمع، وهي نفس الرحلة التي يخوضها تقريبًا في كل كتاباته وبرامجه، منذ تداعيات 2011 في مصر وبقية الدول العربية، وما صاحبها من صدام مع التيارات الإسلامية.

يعيب كثيرون على أفلامه الاعتماد المكثف على الحوار، باعتبارها نقطة تخاصم فن السينما، وهي ملاحظة غير سليمة بالدرجة؛ لأن الحوار يمكن أن يخضع لطابع سينمائي يصعب التشكيك فيه. هذا شيء يسهل الاقتناع به اذا تأملنا مثلًا مسيرة سيناريست مثل آرون سوركين صاحب أفلام A Few Good Men – The Social Network – Steve Jobs.

فن كتابة السيناريو.. 5 نصائح من كاتب The Social Network آرون سوركين | أمجد جمال

باختصار، ليست الأزمة في طغيان الحوار، واعتباره الوعاء الرئيسي للصراعات الدرامية بين الشخصيات في أفلام ابراهيم عيسى بقدر ما هو عيوب وأخطاء كتابة أخرى قديمة ومعروفة مثل اختلاق حوار غير منطقي بين شخصيتين، بغرض سرد معلومة ما للمتفرج.

إعلان فيلم صاحب المقام

في صاحب المقام تتكرر هذه الأخطاء والهفوات أحيانًا، وإن كانت بدرجة أقل من أفلامه السابقة، وتصبح أقل إزعاجًا مع غياب الشخصية الثابتة التي تتولى طرح فلسفة العمل طوال الوقت، كما حدث في فيلمه الأخير الضيف.

العيب الرئيسي هذه المرة هو كمية الخيوط والمسارات التي يطرحها الفيلم بدون داعٍ أو تمهيد، أو يتناساها لاحقًا بدون مبرر.

يحيى بطل الفيلم (آسر ياسين) هو رجل أعمال من النوع العملي الذي يركز على استثماراته ومكاسبه، لدرجة لا تنسيه فقط أي جوانب تخص مشاعر العاملين حوله، بل تنسيه أيضًا واجباته الأسرية، وتسحب من رصيده كأب وزوج.

لص بغداد.. ما الذي ينقص السينما المصرية لصناعة فيلم أكشن جيد؟ | ريفيو | حاتم منصور

طبيعة يحيى العملية تجعله لا يبالي بهدم ضريح لأحد أقطاب الصوفية ذوي الشعبية، تمهيدًا لاقامة مشروع فاخر في نفس المكان. لكن بمجرد تنفيذ الهدم، تتعرض قناعاته للاختبار أمام طوفان الكوارث الذي ينهمر عليه وعلى أسرته، لتبدأ تساؤلاته عما إذا كان هذا عقاب على ما فعله، ويبدأ معها رحلته للتطهر عن طريق مساعدة الفقراء والمساكين، الذين تركوا طلباتهم وأمنياتهم في رسائل على ضريح الإمام الشافعي.

يهدر الفيلم وقتًا أطول مما ينبغي لتعريفنا بطباع البطل، ويقدمها بطرق غريبة وزاعقة تخالف منطق الشخصية العقلانية نفسه. ومنها مثلًا شجاره مع زوجته (أمينة خليل) في السيارة، الذي ينتهي بتصرف متهور منه يعرض حياته وحياة آخرين للخطر، بدون معنى أو منطق سردي.

آسر ياسين في لقطة من “صاحب المقام”

رحلة البطل للتطهر، تشهد أيضًا تكرارًا للأحداث في مسار دائري ممل (البطل يقرأ طلبا لأحد الفقراء – البطل يحاول مساعدته – البطل يساعده فعلًا لكن بطريقة غير مباشرة).

أزمة الملل والتكرار، تزداد وضوحًا مع الشخصية الروحانية الملائكية التي تقدمها يسرا. نراها في نفس المشهد مرارًا وتكرارًا، وبنفس طريقة التنفيذ التي تعتمد على العرض البطيء، المصحوب بتيمة موسيقية ثابتة ومقبولة كلحن من خالد الكمار ، لكن تم توظيفها بشكل هادر ومزعج. النتيجة دومًا شخصية مصطنعة مملة منفرة، تخالف دلالتها الروحانية المحببة المطلوبة.

خيال مآتة.. لماذا يحاول أحمد حلمي إقناعنا أن “كده رضا”؟! | حاتم منصور

هذه أزمة لم تساهم يسرا في حلها؛ لأنها تمنحنا نفس الأداء المحفوظ الذي تقدمه في مسلسلاتها منذ سنوات وسنوات. الدور ككل مثال لقرارات التوظيف الخاطئة للنجوم في الأدوار المساعدة، بحيث ينتج عن ذلك شيء لا يضيف لرصيدهم أو للعمل الفني.

نفس الأزمة تنطبق على التوأم الذي يقوم بدوريه بيومي فؤاد. ثنائي الخير والشر الذي يختفي بمرور الأحداث، في خطوة غالبًا رأى المؤلف أنها ستدفع المتفرج للتفكير في دلالة الاختفاء، وربما تفسيره بأن البطل جنح لجانب الخير ولم يعد يعاني من الحيرة أو التردد. لكن الاختفاء هنا أصبح مشكلة؛ لأن عيوب السرد الأخرى وكثرة الشخصيات، قد تجعل المتفرج ينسى أمر هذا التوأم تمامًا، بدلًا من التفكير في دلالة اختفائه.

آسر يس وبيومي فؤاد في “صاحب المقام”

تصل الأمور لمنحنى أكثر غرابة، عندما يُقحم الفيلم مشهد مغامرات في منتصف الأحداث تشارك فيه الكثير من الشخصيات، دون أي تمهيد أو منطق لحدوث شيء كهذا، وبمشاهد حركة تبعث على الضحك من حيث التنفيذ.

ويبدو أن كل ما سبق من غرائب سرد لم يكن كافيًا في صاحب المقام فاختار ابراهيم عيسى إضافة تويست في النهاية، يمكن تصنيفه ضمن أكثر التويستات والمفاجآت سذاجة في السينما المصرية مؤخرًا. وهى ظاهرة غريبة منتشرة، لكن يبدو أن البعض يعتبر وجود تويست في نهاية كل فيلم، من ضروريات فن السينما!

الفلوس.. هل يصنع تامر حسني سينما أم موادًا ترويجية لنفسه؟| أمجد جمال

ما ينقذ صاحب المقام من السقوط رغم كل ما سبق عنصران بالأساس:

1- بعض المقاطع التي استفادت من عدة ممثلين كان أهمهم (محمود عبد المغني – إبراهيم نصر). الأول ينقذ مشهدًا يبدو كفكرة قمة في المباشرة والسذاجة، ويسبح به لشاطىء المصداقية. والثاني ينقذ شخصية وقصة ميلودرامية زاعقة أخرى ضمن الأحداث، بفضل حضوره الذي تضاعف تأثيره العاطفي؛ لأننا نشاهد للأسف أخر أدواره على الإطلاق بعد رحيله.

2- قابلية الفيلم للتأويل وتعدد القراءات طبقًا للمتلقي، وهى نقطة ليست فقط غير متوقعة من إبراهيم عيسى بالأخص، لكنها نادرة عامة في السينما المصرية، التي تهيمن عليها لغة استعلائية حاسمة بعض الشيء.

الراحل إبراهيم نصر في “صاحب المقام”

وبدرجة ما يمكن اعتبار صاحب المقام خطوة للأمام للمخرج محمد جمال العدل، بعد فيلمين أقل بشكل واضح (الكبار – البدلة). وخطوة مهمة أيضًا لبطله آسر ياسين في مشواره لبناء وتأسيس شخصية وهوية سينمائية ما كنجم، يمكنه الاعتماد عليها لضمان فرص مستقبلًا.

بقى أن أذكر أن عرض صاحب المقام على منصة شاهد مباشرة في العيد بدلًا من دور العرض، بسبب أزمة كورونا الحالية، وقرصنته على مواقع أخرى، ساهما بالتأكيد في تحقيق معدلات مشاهدة عالية، وتحوله لمحور نقاشات وجدل على السوشال ميديا. وهى نقطة قد تسعد أبطال الفيلم ومؤلفه.

سكاكين السوشيال ميديا التي تحتاجها صناعة الفن أحيانًا | حاتم منصور

لكن يبقى المردود الاقتصادي لهذا القرار سواء لمنتجي الفيلم، أو لمنصة شاهد محور دراسة، لأن الاشتراك في المنصات عامة لا يلقى الرواج المطلوب في المنطقة العربية من ناحية، ولأن مردود فيلم واحد من حيث زيادة الاشتراكات على منصة، قد لا يكفي لتحول هذا القرار لمنهج إنتاجي ثابت في السنوات القادمة، كما يعتقد البعض.

باختصار:

فكرة جيدة تاهت وسط متاهات سرد وتكرار وافتعال غير ضرورية، لكنها خطوة للأمام بالنسبة للمؤلف إبراهيم عيسى والمخرج محمد العدل، وعمل يستحق المشاهدة بسبب ارتباطه بقضايا إيمانية تشغل بال ملايين.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك