Ad Astra.. رحلة براد بيت الصعبة إلى مدار الأوسكار | حاتم منصور

Ad Astra.. رحلة براد بيت الصعبة إلى مدار الأوسكار | حاتم منصور

22 Sep 2019
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يقال إن لكل مؤلف أفكارًا وقضايا وتيمات تسيطر عليه أكثر من غيرها، لدرجة تجعلها أحيانًا عنصرًا مهيمنًا لا يفارق أيًا من أعماله، ويستحوذ على كل مشواره.

بالنسبة للسيناريست والمخرج الأمريكي جيمس جراي فهذه التيمة المهيمنة هي الروابط الأسرية، والعلاقة بين الأب والابن بالأخص. كل أفلامه تقريبًا تتعلق بشخص يفعل شيئًا صعبًا من أجل أفراد أسرته، أو يعاني من معضلة الاختيار بين ما يجب أن يفعله من أجل أسرته، وما هو صواب، أو ما هو مهم له.

أفلام المخرج “جيمس جراي”

في فيلمه الجديد Ad Astra والمصطلح باللاتينية يعني “عبر النجوم”، تدور أغلب الأحداث في الفضاء وفي المستقبل، لكن جراي لا يبتعد نهائيًا عن هذه التيمة. لدينا رائد فضاء (براد بيت) في مهمة للتواصل مع والده (تومي لي جونز) الذي اختفى في مهمة فضائية منذ عقود، وظهرت مؤشرات تدل على أنه لا يزال حيًا.

كلينت إيستوود يحارب الزمن فيThe Mule ‎ | حاتم منصور

يوظف الفيلم الفضاء هنا كملعب لقصة عن رحلة صعبة، يعيد فيها البطل – ونحن معه – قراءته وفهمه لهذا العالم ولمعنى الحياة، ويعترف جراي علنًا أن فيلمه متأثر بدرجة كبيرة برواية الأديب جوزيف كونراد “قلب الظلام” Heart of Darkness التي حولها المخرج فرانسيس فورد كوبولا لفيلم شهير بعنوان “القيامة الآن” Apocalypse Now عام 1979.

الفضاء هنا في Ad Astra هو بيئة صراعات موترة للبطل، رغم كونه رائد فضاء محترف، تمامًا مثلما كانت حرب فيتنام بيئة صراعات موترة للبطل في Apocalypse Now رغم كونه ظابط جيش. وفي الفيلمين تتعلق مهمة البطل بحل لغز والوصول إلى شخص لا أحد يفهم ما الذي يريده تحديدًا، وسط كل هذا الجحيم.

 إعلان Ad Astra

جيمس جراي أمريكي ويعمل في هوليوود منذ سنوات، لكن إيقاع أفلامه أبطأ من المعتاد بالنسبة لهوليوود وجمهورها، وربما لهذا السبب لم يحقق أي منها نجاحًا تجاريًا ضخمًا.

في Ad Astra تظهر نفس الاشكالية بوضوح. بالتأكيد لا يخلو الفيلم هذه المرة من مشاهد أكشن وإثارة وشد عصبي وتوابل هوليوودية أخرى، لكنها لا تمثل الأساس بأي حال. الأساس هو فيلم يحاول دمجك نفسيًا وفلسفيًا مع البطل ورحلته المرهقة.

دستة أفلام حديثة عادت بنا لسحر سينما الأبيض والأسود وتستحق المشاهدة | حاتم منصور

رغم هذا، يعوض الفيلم هذه الثغرة التجارية – وليس الفنية – بعنصرين مهمين:

1- أداء براد بيت:

طوال الفيلم نتابع بطلًا لا يتواصل اجتماعيًا مع من هم حوله، ولا يرغب في إظهار أي مشاعر، لكن القصة في النهاية عن شخص يتغير ويعاني ويتفاعل مع ما يحدث. مهمة براد بيت هنا كممثل مزدوجة ومعقدة جدًا: أن يقنعنا أنه لا يظهر شيئًا يُذكر لباقي شخصيات الفيلم، وأن يلمس بأدائه عواطفنا ويورطنا كجمهور في مشاركته رحلته، بأقل اللمسات والتعبيرات الممكنة، التي يجب أن نشعر أن الشخصية جاهدت في كل مرة لكبحها.

براد بيت في Ad Astra

يستخدم جراي لقطات كلوز (مقربة) باستمرار على وجه براد بيت، ليمنحنا فرصة لاصطياد هذه اللمسات والتعبيرات البسيطة، ويمكن القول أن الدور يحتاج لنجم حقيقي وليس فقط لممثل بارع. نجم لا نمل من مشاهدته، لأنه متواجد في كل ثانية طوال الفيلم تقريبًا، ويقوم بدور الراوي أيضًا.

الدور ضمن أفضل وأهم ما قدم طوال مشواره، ويمثل مع دوره الآخر هذا العام في فيلم تارنتينو “حدث ذات مرة في هوليوود” Once Upon a Time in Hollywood إعادة تنشيط لذاكرة ملايين، أن وراء هذا الوجة الوسيم والجسد الممشوق والحضور السينمائي، ممثلا ضمن الأفضل في جيله. ممثل لا يزال يملك طاقات ومساحات تحتاج لاستكشاف، رغم مرور أكثر من 25 عامًا على انطلاقته كنجم في منتصف التسعينيات.

Once Upon a Time in Hollywood.. مرافعة تارنتينو للدفاع عن نفسه وعن هوليوود وعن العنف السينمائي | حاتم منصور

سنعرف قريبًا هل سينال هذا الدور التقدير اللائق في موسم الجوائز أم لا، لكن حتى الآن، أعتبر أداءه ضمن نطاق المستحقين للترشيح كأفضل ممثل. في الحقيقة تكريم هذا الأداء بالأخص مهم؛ لأنه تكريم لمدرسة تمثيلية نحتاجها في بعض الأدوار والقصص، التي لا تنفجر فيها الشخصيات بانفعالات واضحة.

على ذكر التمثيل، تجدر الإشارة أيضًا إلى الاختيار الذكي لتومي لي جونز في دور الأب. الدور غير معقد، لكنه استفاد من الشخصية والهوية السينمائية لجونز كنجم. الرجل الصلب العنيد المصمم على هدفه.

2- المحتوى البصري

رغم قائمة أفلامه التي تمتد الى التسعينيات، انضم جيمس جراي لقائمتي للمخرجين المميزين بصريًا، بفضل فيلمه السابق “مدينة زد المفقودة” The Lost City of Z فقط. لكنه هنا يخطو أميالًا أكبر وأهم في هذا المجال، ويثبت أنه ضمن الكبار حاليًا.

اختيارات جراي كلاسيكية باستمرار. التصوير على خام نيجاتيف، واستخدام الكاميرا المثبتة على حامل. الكاميرا الديجيتال ليست ضمن اختياراته، والمدرسة الحديثة التي تميل إلى الكاميرا المحمولة على الكتف طوال الوقت لا تستهويه.

حدث ذات مرة في عقل كريستوفر نولان.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور

هذا الطابع الكلاسيكي في الصورة، يستكمله هنا بتفضيل مدرسة الخدع البصرية أمام الكاميرا قدر المستطاع، بدلًا من الاعتماد على ألاعيب الجرافيك كاختيار أول. ويبدو الفضاء هنا في فيلمه أقرب لكلاسيكيات مثل “أوديسة الفضاء” 2001: A Space Odyssey لستانلي كوبريك، أو لمدرسة نولان الكلاسيكية أيضًا في “إنترستيللر” Interstellar.

لقطة من Ad Astra

على ذكر إنترستيللر ونولان، فمن الجدير بالذكر أن Ad Astra تم تنفيذه بنفس مدير التصوير (هويت فان هويتما)، وربما سيحصل الأخير على ترشيح أوسكار جديد هنا، مع فنانين آخرين اقتربوا من مدار الأوسكار أيضًا بفضل الفيلم، مثل طاقم تصميم الإنتاج والديكورات وفريق المؤثرات البصرية.

لماذا أصبح 1917 التجربة السينمائية الأهم في موسم أوسكار 2020؟ | ريفيو | حاتم منصور

مؤثرات الصوت لا تقل عنفوانًا عن الصورة، وسيمثل الفيلم غالبًا نقلة للموسيقار ماكس ريختر، الذي منحنا مزجا بين مدرسة الموسيقى الإلكترونية التي ازدهرت في أفلام الفضاء القديمة، ولمسات الغموض المناسبة للطابع الاستكشافي والسردي في الفيلم.

إجمالًا، لا يقترب Ad Astra بالتأكيد من غموض ورونق تحفة كوبريك، ولا يملك أيضًا طزاجة وعنفوان الطابع البصري في فيلم مبهر مثل Gravity لألفونسو كوارون، ولا يلامس بأي حال القصص العاطفية الأسهل في حصد التفاعل من الجمهور، الموجودة في أفلام مثل Interstellar لنولان، أو Contact لروبرت زيميكس.

First Man.. إنجاز شكلي وتعثر درامي

رحلة Ad Astra لا تملك ما يجعل الفيلم اختيارًا أول في أي تصنيف لأفلام الفضاء، لكنها تظل رحلة ممتازة وجديرة بالتقدير؛ لأنها نالت حصة ما من مزايا كل هذه الأفلام مجتمعة. والأهم أنها رحلة تستحق المشاهدة على أكبر شاشة ممكنة، وتعيدنا للإيمان أن هوليوود ستظل قادرة دومًا على صناعة أفلام تعجز أكبر شاشات التليفزيون على استيعاب جمالياتها وتفاصيلها البصرية.

باختصار:

إيقاع الفيلم لن يجعله بأي حال عملًا قادرًا على إرضاء غالبية الجمهور، لكن إذا كنت من عشاق الجماليات واللمسات البصرية، وتملك ضعفًا خاصًا أمام كاريزما وحضور براد بيت، فالفيلم بالتأكيد وليمة دسمة جدًا، لا يجوز التهامها إلا على شاشات السينما بالأخص.


مُرشح لأوسكار أفضل مزج صوتي 2020

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك