الحديث يطول عما قدمه كريستوفر نولان كمؤلف ومخرج منذ بدايته، وما جعله في مكانته السينمائية الرفيعة اليوم. لكننا هنا، وعلى سبيل التغيير، سننتقل إلى بعض ما أراد تقديمه دون أن تسمح له الظروف. أو بصياغة أخرى: هذا مقال عن بعض الأشياء التي حدثت في عقل كريستوفر نولان لكنها لم تحدث أبدًا على الشاشات.
من اليمين: مايكل كين – أنتوني هوبكنز
اختار كريستوفر نولان أنتوني هوبكنز للدور، لكن اعتذار الأخير منح الفرصة لمايكل كين للقيام به، ولتكوين علاقة متينة مع نولان، جعلته اختيارًا شبه ثابت في أفلامه التالية حتى خارج عالم باتمان:- The Prestige Inception – Interstellar – Tenet.
10 أفلام وتجارب سينمائية يصعب نسيانها في العقد المنتهي | حاتم منصور
كلاهما (أنتوني هوبكنز – مايكل كين) ممثل قدير بلا شك، لكن يظل لأنتوني هوبكنز رصيد وثقل جماهيري أكبر، يجعلنا نتحسر على رفضه للدور.
من اليمين: آرون إيكهارت – مات ديمون
اختار كريستوفر نولان مات ديمون للدور، لكن الأخير رفض بسبب ارتباطه مسبقًا بتصوير فيلم Invictus مع المخرج كلينت إستوود في نفس الفترة، ليذهب الدور إلى آرون إيكهارت في النهاية.
ديمون اختيار أكثر من مثالي للدور. هويته السينمائية كنجم مرتبط دومًا بتقديم دور الشخص النبيل، مناسب جدًا لشخصية تنتقل من أقصى درجات الخير لأقصى درجات الغضب والشر، بسبب ما يفعله بها الجوكر. وجوده في الدور كفيل بمنح مصداقية وشاعرية أكثر وأكثر للنهاية، عندما يقرر باتمان التضحية بنفسه، لإنقاذ سمعة هارفي دينت والإبقاء على صورته المثالية.
باتمان 2021 وخمس أفلام وألغاز سينمائية مرتقبة من “دي سي كومكس” | حاتم منصور
رغم هذاـ فإعجاب نولان بديمون كممثل، وبقدرته على صدم الجمهور بشخصية تنتقل من أقصى درجات النبل إلى جانب الشر، بسبب الضغوط النفسية التي تتعرض لها، سيتحول إلى واقع على الشاشات بعد سنوات، لكن في فيلم آخر، وهو إنترستيللر Interstellar.
من اليمين: براد بيت – جاى بيرس – توم كروز
سيناريو Memento نال سمعة جيدة في هوليوود أواخر التسعينيات، حتى من قبل تنفيذ الفيلم، وهو ما جعل كريستوفر نولان يطمع في اجتذاب اسم كبير لدور البطولة. المحاولة انتهت بالفشل؛ لأن تاريخ نولان لم يتضمن وقتها إلا فيلمه البسيط الأول Following وهو ما لا يكفي طبعًا ليراهن عليه اسمان في وزن توم كروز وبراد بيت وقتها.
Ad Astra.. رحلة براد بيت الصعبة إلى مدار الأوسكار | حاتم منصور
أدى جاي بيرس الدور بإتقان، ويُعتبر من العناصر التي كفلت للفيلم طابعًا طازجًا ومنعشًا في وقت عرضه، لكن الثقل الجماهيري لتوم كروز وبراد بيت، كان سيكفل للفيلم بالتأكيد ملايين المتفرجين وقتها، وربما انتقال أسرع لنولان إلى دائرة الضوء وسط شركات هوليوود.
هيوارد هيوز
بعد نجاح فيلمه أرق Insomnia عام 2002 بدأ كريستوفر نولان مفاوضاته مع شركات هوليوود لصناعة فيلم عن هيوارد هيوز (1905- 1976) رجل الأعمال والصناعات الأمريكي، وعاشق الطيران غريب الأطوار، والمنتج السينمائي صاحب المغامرات النسائية في هوليوود.
يعتبر نولان السيناريو الذي كتبه للفيلم أفضل ما كتب. لكن شاءت الأقدار أن ينال وقتها مشروع آخر عن نفس الشخصية الموافقة أولًا في هوليوود، لينتهي بنا الحال عام 2004 مع فيلم سكورسيزي الطيار The Aviator الذي قام ببطولته ليوناردو دي كابريو، وهو ما تسبب في إلغاء مشروع نولان.
كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟ | حاتم منصور
أهم اختلافات فيلم نولان عن فيلم سكورسيزي، أن فيلمه كان سيركز كليًا على الأعوام الأخيرة في حياة هيوارد هيوز بعد إصابته بمشكلات عقلية واضطرابات في الذاكرة، وأن جيم كاري كان اختياره لدور البطولة.
جيم كاري
معادلة توحي بالكثير والكثير، اذا وضعنا في الاعتبار بجوار مهارات كريستوفر نولان كمؤلف ومخرج، قدرات جيم كاري الدرامية التي ظهرت في أفلام مثل The Truman Show – Eternal Sunshine of the Spotless Mind.
الشيء الوحيد الإيجابي في ضياع هذه الفرصة، أن نولان أصبح محور تفاوض بعدها مع شركة وارنر بخصوص التحضير لفيلم جديد عن باتمان، لذا يمكن القول أن حصولنا على فيلم نولان عن هيوارد هيوز، كان سيعني حرماننا من الثلاثية الملحمية التي صنعها عن باتمان. هل توافقون على صفقة صعبة من هذا النوع؟!
رغم الإجابات الدبلوماسية المتكررة من كريستوفر نولان بخصوص احتمالية أن يصنع يوما ما فيلم في سلسلة جيمس بوند، لكن ربط كل تصريحاته في هذا الشأن ببعضها يخبرنا بالآتي:
نولان من كبار المعجبين بالسلسلة – لديه رغبة صادقة أن يترك بصمته فيها.
المسألة منطقية جدًا. المخرج البريطاني ذو الطباع المحافظة، المهتم جدًا بالأكشن والخيال البصري وفئة الأفلام الضخمة إنتاجيًا، ينضم إلى سلسلة الأكشن السينمائية البريطانية الكلاسيكية الجماهيرية التي تدور أحداثها في عالم الجاسوسية، وتحمل دومًا صفات الثراء الإنتاجي.
في عيده الـ 20.. كيف غير “المصارع” هوليوود للأبد؟ | حاتم منصور
تدلل شركة وارنر ماديًًا كريستوفر نولان كمخرج ومنتج في العقد الأخير، وهو إجراء منطقي إذا وضعنا في الاعتبار نجاحاته المتواصلة وإيرادات أفلامه، التي لا تعتمد على اسم سلسلة شهيرة أو شخصية كومكس، أو أي من العناصر التجارية المعروفة. بصياغة أخرى هذا رجل يصنع الكعكة من الألف للياء، وبالتالي يحق له المطالبة بنصيب ضخم منها.
لا يملك منتجو بوند في المقابل نفس هذا الاحتياج. السلسلة تحقق الكثير في شباك التذاكر، ولا داعي للتخلي عن نصيب كبير من الكعكة لنولان (نتحدث عن عشرات الملايين).
دانيال كريج في لقطة من فيلم No Time to Die
بالنسبة لنولان ففيلم بوند مجرد محطة أخرى في مشواره، لكن بالنسبة لمنتجي السلسلة فكل فيلم فيها هو طابق جديد يضاف لما قبله في عالم بوند، ويمهد لبناء التالي. التجديد مطلوب لكن بدون تحطيم الثوابت، والإبداع موضع ترحيب لكن في إطار محدد.
معادلة تختلف تمامًا عن تجربة كريستوفر نولان مع عالم باتمان. وقتها كانت سلسلة باتمان الأقدم قد ارتطمت بالقاع بعد فشل فيلم باتمان وروبين (1997)، وهو ما جعل شركة وارنر تميل إلى إعادة ميلاد الشخصية، بمعطيات مختلفة تمامًا عن الأفلام السابقة.
نولان أثناء تصوير Batman Begins
رغم ما سبق، يظل الأمل قائمًا في أن يضع نولان بصمته على عالم بوند، والحقيقة أن العامين القادمين هما الفرصة الأمثل – وربما الوحيدة – لحدوث هذا.
الفيلم القادم لبوند لا وقت للموت No Time to Die هو أخر أفلام الممثل دانيال كريج للسلسلة، وبالتالي نحن على مشارف تجديد مع نجم آخر، في فيلم سيضع حجر الأساس لـ 4 أو 5 أفلام تالية على الأقل. وهو ما يجعل التوقيت مثاليا جدًا لنولان، لاختيار نجم جديد للدور ووضع بصمته على السلسلة، والتوصل إلى صيغة تفاهم مع منتجيها سواء ماديًا أو إبداعيًا.
هل سيحدث هذا فعلًا؟ الأيام وحدها ستخبرنا، لكن جيمس بوند يستحق بالتأكيد بصمة نولان السينمائية الفريدة.
حدث ذات مرة في عقل التارنتينو.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
