حدث ذات مرة في عقل التارنتينو.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور

حدث ذات مرة في عقل التارنتينو.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور

8 Sep 2019
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الحديث يطول عما قدمه المؤلف والمخرج كوينتن تارنتينو منذ بدايته، لكننا هنا وعلى سبيل التغيير، سننتقل إلى بعض ما أراد تقديمه دون أن تسمح له الظروف. أو بصياغة أخرى: هذا مقال عن أشياء حدثت في عقل التارنتينو لكنها لم تحدث على الشاشات.

مات ديلون – بروس ويليس

5- Pulp Fiction

مات ديلون بدلًا من بروس ويليس

أوائل التسعينيات كان مات ديلون نجمًا صاعدًا، لكنه بالتأكيد أبعد ما يكون عن المقارنة مع بروس ويليس، المصنف وقتها في أي قائمة منتجين كواحد من أهم وأكبر 5 نجوم عالميين. رغم هذا نال ديلون فرصته للقيام بالدور وأهدرها.

في عيده الـ 20.. كيف احتفظ “الحاسة السادسة” بعنفوانه كل هذه السنوات؟ | حاتم منصور

طبقًا للمنتجين، كان رد ديلون “السيناريو أعجبني للغاية. دعوني أفكر بالأمر وأرد عليكم”. عندما وصل الرد الى تارنتينو – الذي كان بالمناسبة وقتها مجرد مخرج شاب واعد، لا يملك في رصيده إلا فيلمًا واحدًا بعنوان Reservoir Dogs – كان رده على المنتجين:

انتهى الأمر. ديلون لن يقوم بالدور. ما دام قرأ السيناريو ولم يوافق فورًا، فهو خارج حساباتي من الآن!

باقي القصة يسهل استنتاجها. بروس ويليس قرأ السيناريو ويبدو أنه وافق فورًا ودون تردد! ولاحقًا صار الفيلم ضمن نقاط تألقه النقدية القليلة كممثل في التسعينيات، مع الحاسة السادسة الذي قدمه عام 1999.

أتخيل أن مات ديلون لا يزال يعاقب نفسه يوميًا على عدم الموافقة فورًا!


جيمي فوكس – ويل سميث

4- Django Unchained

ويل سميث في دور البطولة بدلًا من جيمي فوكس

ويل سميث لم يكن فقط اختيار تارنتينو الأصلي للدور، لكنه كان اختياره حتى منذ مرحلة الكتابة وتأسيس الشخصية. بالتأكيد لا يخلو الاختيار من منطق على كافة المستويات الفنية والتجارية: النجم الأسود الذي أثبت موهبته كممثل، والاسم ذو الثقل التجاري عالميًا، في دور عن شخص أسود يحاول إنقاذ حبيبته ونفسه من براثن العبودية.

لكن سميث رفض الدور، والسبب كما رواه لأول مرة عام 2013 كان قناعته أن جانجو ليس الشخصية البطولية المهيمنة المحورية بما يكفي، بل تبدو أقرب للمساواة مع الباقين. أضاف أيضًا أنه طلب من تارنتينو تعديل القصة لصالح الشخصية، بحيث يصبح جانجو على الأقل هو من يُردي الشرير بالرصاص، بدلًا من الألماني (كريستوف فالتز)، وهو ما واجهه تارنتينو بالرفض القاطع بالطبع.

فن كتابة السيناريو.. 5 نصائح من كاتب THE SOCIAL NETWORK آرون سوركين | أمجد جمال

تمسك تارنتينو بما أراده للقصة والأحداث، واختار جيمي فوكس كبديل، وقدم فوكس في الفيلم ما يثبت جدارته بالفرصة. رغم هذا يظل الدور أقرب لسميث من حيث الطباع المرحة، وبالتأكيد كان وجوده سيساهم في مزيد من الإيرادات عالميًا، على ضوء وزنه كنجم شباك.

كبرياء سميث كنجم لم يتوقف عند قرار الرفض، لكنه امتد لابتكار سبب جديد أكثر أناقة وأقل احراجًا، استحدثه عام 2015 كمبرر لرفض الدور، عندما ذكر أن جانجو بلا قيود كان قصة عنيفة عن الانتقام، لكنه أراد الفيلم كقصة عن الحب أكثر، مع بعض الهراء عن أهمية السلام و(الحب مالينا غيره) والأشياء الأخرى التي يقولها النجوم في لقاءاتهم!

Gemini Man.. اثنان ويل سميث بسعر واحد في صفقة خاسرة | حاتم منصور

السبب هزلي كما هو واضح، خصوصًا مع ممثل لم يقاطع نهائيا أدوار العنف، وشارك – ولا يزال – في أفلام مثل Suicide Squad – Bad Boys وغيرها.

قدم سميث في نفس العام فيلم After Earth ولم يحقق النجاح المرجو، لذا يمكن القول أنه بالتأكيد نادم على الفرصة، أيًا كان الهراء الذي يردده حاليًا أو سيردده مستقبلًا عن الحكمة في رفضه للدور!


ليوناردو دي كابريو

3- Inglourious Basterds

ليوناردو دي كابريو في دور الجنرال الألماني

دي كابريو كان الاختيار الأول لتارنتينو في دور الجنرال النازي، الذي ذهب في النهاية إلى الممثل كريستوف فالتز. يسهل طبعًا تخيل شجاعة الاختيار، إذا وضعنا في الاعتبار أن دي كابريو وقتها كان أبعد ما يكون عن أدوار الشر.

يلامس الدور مواهب دي كابريو وشخصياته التي تتحدث كثيرًا. وباستثناء عنصر السن ربما، يبدو دورًا ملائمًا جدًا. لكن تارنتينو قرر في النهاية أن الأنسب للدور سيكون شخصًا يجيد الألمانية بطلاقة، وهو ما لا يتوفر في دي كابريو. ووجد ضالته في كريستوف فالتز، ممثل الأدوار الثانية في السينما الأوروبية الذي انتقل بفضل الدور إلى العالمية، وربح عنه الأوسكار كأفضل مثل مساعد.

إينيو موريكوني.. بتهوفن السينما أم موسيقار الفرص الضائعة؟ | حاتم منصور

رغبة تارنتينو في التعامل مع دي كابريو، وفي تقديمه بشكل جديد مختلف عن أدواره السابقة لم تختف على أي حال، واختاره لدور الشرير في فيلمه التالي مباشرة Django Unchained.

في هذا الفيلم، نجح فالتز في هزيمة دي كابريو للمرة الثانية، ليس فقط وسط الأحداث، لكن أيضًا كنتيجة، عندما فاز بالأوسكار الثانية كأفضل ممثل مساعد!

كريستوف فالتز في Inglourious Basterds


مايكل مادسن – جون ترافولتا

2- The Vega Brothers

ترافولتا ومايكل مادسن وقصة أخين

أقلية قد تكون لاحظت ذلك من تشابه الأسماء، وأغلبية ستندهش من السطور القادمة، لكن طبقًا لتارنتينو، فشخصية فيس فيجا التي قدمها مايكل مادسن في فيلم Reservoir Dogs عام 1992 تمثل الأخ الشقيق لـ فينست فيجا، التي قدمها جون ترافولتا في Pulp Fiction.

قرار اعتبارهما أخوين ظهر لأن تارنتينو كتب شخصية فيلم Pulp Fiction وهو ينوي أن يقوم بها مايكل مادسن، لكن الأخير كان قد تعاقد على دور في فيلم Wyatt Earp في نفس الفترة المقررة للتصوير، واضطر تارنينو للبحث عن بديل، ووجد ضالته في ترافولتا.

كيف يمكن أن ترى ترافولتا كمايكل مادسين؟ الإجابة سهلة إذا كنت تملك عقل وخيال تارنتينو. اجعله شقيقه وأضف هذا للسيناريو من حيث الإسم!

أوقات عصيبة لعشاق تارنتينو في Bad Times at the El Royale

بعد نجاح Pulp Fiction عام 1994 وعودة ترافولتا للنجومية في السنوات اللاحقة، فكر تارنتينو لسنوات في صناعة فيلم بعنوان الأخوين فيجا The Vega Brothers، تسبق أحداثه Reservoir Dogs – Pulp Fiction ونشاهد فيه الأخوين سويًا.

طبقا للقاء صحفي له، كان ينوي أن تدور الأحداث في أمستردام، عن فينست فيجا/ترافولتا الذي يدير ملهى ليلي هناك لحساب مديره مارسلوس والاس، ثم يستقبل أخيه فيس فيجا/ مايكل مادسن القادم في أجازة لأوروبا، ويتورطان في مشكلات مع عصابات، لم ينته تارنتينو من تخيلها أو كتابتها!

مرت السنوات واندمج تارنتينو في أفلام أخرى، ولم يعد عمر ترافولتا أو مادسن يصلح للعودة لشخصيات في عمر الشباب، وبالتالي انطفأ المشروع. لكن يظل لهذا اللقاء الأخوي الأسطوري الذي لن نشاهده للأسف أبدًا، لذة ومتعة سينمائية بمجرد التخيل!


بيريس بروسنان – كونتن تارنتينو

1- Casino Royale

بعد فيلم بوند Die Another Day عام 2002، وقبل أن يظهر فيلمه التالي Casino Royale الذي أخرجه مارتن كمبيل عام 2006، أراد تارنتينو تحويل هذه الرواية، التي كتبها مبتكر الشخصية آيان فليمنج عام 1953 إلى فيلم من إخراجه، يقوم ببطولته بيريس بروسنان في دور بوند، وأوما ثورمان في دور فاسبر ليند (الدور الذي قامت به إيفا جرين في فيلم 2006).

المميز بخصوص هذه النسخة – بالإضافة لاحتفاظها ببيريس بروسنان في الدور – كان رغبة تارنتينو في أن تكون الأحداث في الستينيات بدلًا من الحاضر، وأن يكون الفيلم بمثابة تكملة لفيلمه المفضل في السلسلة “في خدمة صاحبة الجلالة” On Her Majesty’s Secret Service الذي تم عرضه عام 1969.

بصياغة أخرى، كان هذا عكس الترتيب الأصلي للروايات. طبقًا لتارنتينو، فالفيلم كان سيدور عن بوند المحطم نفسيًا بعد مقتل زوجته في فيلم “في خدمة صاحبة الجلالة”، وتورطه في علاقة حب وتعلق مضطربة، مع أنثى فاتنة تدخل حياته أثناء مهمة جديدة (فاسبر ليند/أوما ثورمان).

كيف حقق توم كروز المستحيل في Mission: Impossible – Fallout؟

تارنتينو يعتبر بيريس بروسنان أفضل من قدم دور بوند على الإطلاق، وبالتأكيد يمكننا معرفة درجة شغفه بأوما ثورمان على ضوء اختياره لها لبطولة Kill Bill. لذا لا عجب من اختياراته هنا للأدوار، التي اعتبرها شروطه لقبول المهمة. بالمقابل، صرح مرة أنه كان سيفكر في الخضوع لرغبة المنتجين، إذا اشترطوا أن تكون الأحداث في الحاضر بدلًا من الستينيات.

على كل، لم يرحب منتجو بوند بالعرض بأي شكل من الأشكال، رغم حماس بروسنان وقتها للقيام بالفيلم تحت قيادة تارنتينو وتوسطه للمنتجين. ويمكن تفهم منطقهم إلى حد كبير رغم مرارة القرار. تارنتينو كان سيطوع الفيلم ليصبح فيلمًا بتركيبة وجينات تارنتينو، وهو شيء يعارض بالتأكيد رغبة المنتجين في احتفاظ السلسلة بجيناتها وطباعها.

صرح تارنتينو أكثر من مرة أن قرار الرفض لعرضه لم يخل من خيانة؛ لأن كازينو رويال لم تكن على خريطة منتجي السلسلة وقتها لولا حماسه لها، وأن قرارهم بإنتاج فيلم عنها في النهاية مرتبط بالتأكيد بكونه أثار شغفهم وشغف بروسنان.

دانيال كريج وإيفا جرين في مشهد من “كازينو رويال” – 2006

على كل، ربحنا في النهاية فيلم كازينو رويال الذي يعتبره كاتب هذه السطور أفضل أفلام السلسلة، وربحنا معه مولد بوند مهم جديد (دانيال كريج). لكن إلى الآن، لا تمر جملة (سلسلة بوند) دون أن أفكر فيما كان من الممكن أن نحصل عليه لو نال تارنتينو بكل جنونه هذه الفرصة مع أشهر جاسوس في تاريخ السينما!

مشهدان كنا سنشاهدهما غالبًا في بوند تارنتينو:

1- بوند يداعب أقدام فتاة في دلال.

2- بوند يدخل في مبارزة كلامية وتوتر أجواء، قبل أن تبدأ معركة دموية بالرصاص!

Once Upon a Time in Hollywood.. مرافعة تارنتينو للدفاع عن نفسه وعن هوليوود وعن العنف السينمائي | حاتم منصور

كانت هذه جولة بسيطة مع بعض الأفكار الشيقة التي حدثت في عقل التارنتينو، ولم تحدث على الشاشات للأسف، لكن الخبر الجيد أن في انتظارنا بالتأكيد أشياء ستحدث. الشيء الوحيد غير الشيق الذي يدور في عقل تارنتينو وأتعشم أن ينساه تمامًا، هو رغبته في الاعتزال بعد عاشر فيلم!

إذا صمم على التنفيذ، فمعنى هذا أنه لم يتبق لنا إلا فيلمًا واحدًا مستقبلًا يحمل بصمته. وفكرة الحياة في عالم بدون فيلم منتظر لتارنتينو مرعبة ومحبطة جدًا.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك