كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟ (2) | حاتم منصور

كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟ (2) | حاتم منصور

5 Jul 2020
حاتم منصور
سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

فيلم ما على وشك الانتهاء، أو انتهى تنفيذه كليًا، ثم تثار مشكلة أو قضية ما تخصه، بشكل يمكن أن يؤثر عليه سلبًا في شباك التذاكر.

كيف تتعامل هوليوود مع هذه المواقف الصعبة؟ استعرضنا في الجزء الأول بعض الأزمات والحلول مع 3 أفلام. هنا نواصل الجولة الثانية مع 3 أزمات وأفلام أخرى.


Mowgli: Legend of the Jungle – موجلي أسطورة الأدغال

تاريخ العرض: ديسمبر 2018

طبيعة المشكلة:

بدأت شركة وارنر تحضيرات الفيلم عام 2012، كان يحمل حينها عنوان “كتاب الأدغال” أو The Jungle Book وهو اسم الرواية الأصلية المقتبس منها. لاحقًا قررت شركة ديزني تقديم نسخة جديدة، من فيلمها الكارتوني الذي دار عن نفس القصة، وحمل نفس الاسم في الستينيات، في إطار حديث يعتمد على ألاعيب الجرافيك.

رغم أن ديزني بدأت التحضير بعد وارنر، لكنها سبقتها وعرضت فيلمها في أبريل 2016، بنجاح تجاري فاق كل التوقعات، وإجمالي عالمي اقترب من مليار دولار. النتيجة أجبرت وارنر على تأجيل عرض فيلمها من أواخر 2016 عدة مرات، أملًا في اكتشاف طريقة ما يمكن بها تسويق الفيلم ونفس القصة، لجمهور شاهدها بالفعل.

Jojo Rabbit.. هل يمكن أن تنجو بفيلم كوميدي عن هتلر واضطهاد اليهود؟!‎ | ريفيو | حاتم منصور

حاولت وارنر الارتكاز على طابع تسويقي، مضمونه أن الفيلم جاد جدًا ومختلف تمامًا عن نسخة ديزني المرحة، لكنها لم تنجح في جذب جمهور يُذكر بعد عرض أول إعلانات الفيلم، وأدرك طاقم إدارتها أنه لا سبيل لإنقاذه، وأن المزيد من الإنفاق الدعائي على أمل إقناع الجمهور بمشاهدته في القاعات، قد يعني خسائر أكبر.

في النهاية قررت وارنر بيعه لمنصة نتفليكس بدلًا من دفعه لدور العرض، مقابل مبلغ غير معلوم.

جدوى العلاج:

غالبًا باعت وارنر الفيلم بأقل من تكلفته، محققة خسارة ما يصعب تحديدها. لذا يمكن القول أن هذه واحدة من الأزمات التي عجزت هوليوود عن حلها. على صعيد أخر، أغلب الشركات تدرك الأن أنه من الخطأ أن تترك غيرك يسبقك إلى نفس القصة. اسبق منافسك أو الغ مشروعك تمامًا. هذه هي الاختيارات الأقل مخاطرة، خصوصًا إذا كنا نتحدث عن أفلام من الفئة التي تتكلف 100 مليون دولار وأكثر، وهو الحال هنا.


Bohemian Rhapsody – الملحمة البوهيمية

تاريخ العرض: نوفمبر 2018

طبيعة المشكلة:

بعد الانتهاء من تصوير أكثر من 80% من مشاهد الفيلم، تعرض مخرج الفيلم بريان سينجر لاتهامات بالتحرش الجنسي، ضمن هوجة الفضائح الجنسية التي اكتسحت هوليوود أواخر 2017. للدقة اتهامات سينجر بدأت قبل ذلك بسنوات، لكن مردودها في 2017 أصبح له وقع مختلف عما كانت سابقًا.

يُشاع أن سينجر تغيب عن أيام تصوير، بسبب انشغاله في مفاوضات التسوية مع المُدعين، ويُشاع أيضًا في المقابل، أن شركة فوكس ادعت غيابه لفترات طويلة لتبرير قرار استبعاده. أيًا كانت الحقيقة، فقد قررت الشركة استبداله بالمخرج ديكستر فليشر لإكمال الفيلم، وهو قرار جنبها نسبيًا التعرض لاتهامات مضمونها أنها لا تمانع في التعامل مع متحرشين.. إلخ.

رامي مالك يعزف منفردًا في Bohemian Rhapsody

الملفت للنظر هنا أن الشركة لم تتوجه بخطاب إدانة سريع لسينجر بخصوص اتهاماته الجنسية، لكنها بررت الأمور بشكل مختلف، واعتمدت على حجة الغياب، ربما لإمساك العصا من المنتصف، في انتظار ما ستثمر عنه التحقيقات والقضايا في هذا الشأن. أو ربما لتجنب احتمالات أن يقاضيها سينجر مستقبلًا بشأن قرار استبعاده.

حتى الآن لم يقر سينجر بأية تهمة، ولم يُدن قضائيًا، وبالتالي لا يزال أفضل حالًا إعلاميًا من أمثال كيفين سبيسي الذي تحدثنا عنه سابقًا. الملفت أيضًا أن سينجر احتفظ بمكانته في التترات كالمخرج الوحيد للفيلم، طبقًا لقوانين نقابة المخرجين الأمريكيين.

رامي مالك في لقطة من Bohemian Rhapsody

الأهم أن شركة فوكس أوصت صناع الفيلم بأن يتجاهلوا المخرج تمامًا في كل أحاديثهم للصحافة، وهي النقطة التي برزت أكثر وأكثر في موسم الجوائز، مع خطب رامي مالك المتتالية التي لم يذكر في أي منها اسم بريان سينجر!

جدوى العلاج:

نجحت شركة فوكس إلى حد كبير في تفادي حملات الهجوم والمقاطعة، في أصعب فترة للمشكلة، وأنقذت فيلمها من المقاصل الإعلامية. وفاق نجاح الفيلم كل التوقعات بأكثر من 900 مليون دولار عالميًا، كما فاز أيضا بـ 4 أوسكار كأفضل (ممثل/ رامي مالك – مونتاج – مزج صوتي – مونتاج صوتي)، بالإضافة للترشيح لأوسكار أفضل فيلم.


First Man – أول رجل

تاريخ العرض: أكتوبر 2018

طبيعة المشكلة:

أحداث الفيلم عن رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونج، ورحلته الصعبة على المستوى الشخصي والمهني للمشاركة في أول رحلة فضاء ناجحة للهبوط على القمر عام 1969.

في أغسطس 2018، وبعد أول عرض للفيلم في مهرجان فينيسيا، هاجمه أحد الصحفيين بسبب تعمد صانعيه أصحاب الميول اليسارية والليبرالية تجاهل إضافة العلم الأمريكي بشكل واضح في مشاهد الهبوط على القمر، رغم أهمية ودلالة هذه اللحظة من الناحية الوطنية.

توضيح: الوصول للقمر كان سباقًا ساخنًا بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، في فترة كانت فيها الحرب الباردة على أشدها، وسباقات ريادة الفضاء تشهد تنافسًا بين الطرفين. وفي المجمل يمكن اعتبار لحظة هبوط أرمسترونج ووضع العلم الأمريكي على سطح القمر، بمثابة صفعة قوية من أمريكا للاتحاد السوفيتي، ورسالة فخر واعتزاز لكل أمريكي، وهو يشهد بلاده تحقق ما لم يحققه غيرها.

صورة من الرحلة الحقيقية على سطح القمر

ردود المخرج دميان شازيل وبطل الفيلم ريان جوسلينج زادت الأزمة، بعد أن أكد كلاهما أنه يعتبر اللحظة إنجازًا إنسانيًا أكثر منه أمريكي، ومصدر فخر للحضارة البشرية كلها وليس لأمريكا وحدها بالأخص.

الرد أثار استفزاز تيار اليمين الأمريكي أكثر وأكثر، واستنكر البعض- ومعه حق – منهج اليسار المستديم في نسب كل الموبقات والسلبيات لأمريكا وحدها بالأخص، مهما كانت هذه الموبقات والسلبيات منتشرة في تاريخ شعوب ودول أخرى (استعباد السود كمثال)، وتجاهل أو طمس أي إنجاز أمريكي إيجابي في المقابل، ورفض نسبه لمن حققوه.

First Man.. إنجاز شكلي وتعثر درامي

سجل تيار اليمين الوطني الأمريكي اعتراضه بأن الوصول للقمر إنجاز حدث بفضل علماء أمريكيين، وبإدارة أمريكية، وبتمويل المواطن الأمريكي وحده. لكن في النهاية قرر صناع الفيلم نبذ الحس الوطني والقومي للحدث والإنجاز، لأن “الوطنية” أصبحت وصمة عار بالنسبة لليسار.

ريان جوسلينج في لقطة من First Man

الاستقطاب بين اليسار واليمين في السنوات الأخيرة، والصراعات المتبادلة بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، ساهمت بالتأكيد في إشعال النار أكثر وأكثر حول هذه النقطة، وجعلت الفيلم يتواجد في حلبات معارك لم يخترها صانعوه، ويتعرض لطعنة جماهيرية مبكرة قبل عرضه.

ترامب نفسه لم يتردد في إعلان مقاطعته ورفضه للفيلم، واصفًا ما حدث فيه من تجاهل للعلم وللإنجاز الأمريكي، باعتباره تصرفًا كارثيًا.

ترامب – هوليوود | يعشق ذهب مع الريح .. فهل تشبه نهايته صانسيت بوليفارد؟ | أمجد جمال

حاولت شركة يونيفرسال لاحقًا إصلاح الأزمة، ونفى تهمة غياب الحس الوطني الأمريكي عن فيلمها، بتغيير استراتيجيتها التسويقية، وطرح إعلان جديد في سبتمبر 2018 تتضمن مقاطعه إشارات وإحالات لأمريكية الحدث، على خلفية خطبة للرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي (29 مايو 1917 – 22 نوفمبر 1963) بخصوص أهمية معركة ريادة الفضاء لأمريكا.

الإعلان الثالث للفيلم – لاحظ هنا الطابع الوطني مقارنة بالإعلان السابق:

جدوى العلاج:

الطعنة الجماهيرية المبكرة كانت أكبر من أن تُعالج في هذا الوقت المتأخر والحرج، وبالتأكيد ساهمت في تقليص الإيرادات بصورة قوية. حقق الفيلم عالميًا ما يقرب من 106 ملايين دولار، منهم 45 مليونًا فقط من السوق الأمريكي.

رقم هزيل لفيلم شهد حملات إعلانية مكلفة، وقادم من أسماء لها وزنها في هوليوود، عن شخص وحدث لهما مكانة استثنائية جدًا في ذاكرة المتفرج الأمريكي.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك