“نجاح الملك سلمان في جمع قادة كل تلك الدول إلى مكة بهذه السرعة يعكس ثقل المملكة في المنطقة ورغبتها في إبراز موقف إسلامي وعرب موحد من إيران“، راديو صوت أمريكا.
مكة استضافت ثلاث قمم بشكل متزامن؛ اثنان كانتا طارئتين؛ القمة العربية وقمة مجلس التعاون الخليجي، وقمة دورية هي القمة الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي.
إيران كانت حاضرة في كلمات القمتين العربية والخليجية بوصفها مهددا لأمن المنطقة واستقرارها، إما مباشرة أو عبر ميليشياتها. وكانت حاضرة بتمثيل ضعيف في قمة التعاون الإسلامي.
قطر كانت حاضرة بمستوى رفيع، للمرة الأولى منذ إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعتها في 5 يونيو/ حزيران 2017. لكن أجهزة الإعلام المحسوبة عليها استمرت في التشكيك في الموقف العربي، ولا سيما الخليجي، تجاه إيران.
استعرضت السعودية أدوات عسكرية حوثية إيرانية الصنع استهدفت أهدافًا حيوية في المملكة، وبينها نماذج الصواريخ البالستية من نوع (قيام)، والطائرات بدون طيار من نوع (أبابيل – راصد)، والزوارق المفخخة والمسيرة عن بعد، وقاذفات آر بي جي، وناظور رصد بصري، وصاروخ (دهلوي) المضاد للدروع. كما ضم المعرض شاشة عرض تلفزيونية تظهر أدلة تورط إيران في تزويد ميليشيات الحوثي بتلك الأسلحة.
فلماذا دعت السعودية لانعقاد قمم مكة بالتزامن؟ كيف استفادت من القمم الثلاث؟ كيف خرق العراق وسوريا الموقف الموحد؟ هل تحرك ملف مقاطعة قطر؟ ماذا تغير في ليبيا؟ وكيف ردت إيران؟
تنعقد قمم مكة بعد أسابيع من التطورات المتصاعدة في منطقة الخليج، وأهمها الهجوم على أربع ناقلات قبالة سواحل الإمارات، وضربات الطائرات بدون طيار الحوثية على البنية التحتية النفطية السعودية.
وتنفي إيران تورطها، لكن مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى أكدوا امتلاك معلومات حول تورط الحرس الثوري وأذرع إيران الإقليمية.
وهددت طهران مرارًا بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يمر عبره 35% من النفط المنقول بحرًا في العالم.
واجتمع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في أبو ظبي، الأربعاء، مع الحلفاء الخليجيين؛ للتباحث حول مسار الرد على مسار التهديدات الإيرانية “المتزايدة والجدية”.
وأعلنت واشنطن إرسال 1500 جندي أمريكي إضافي إلى المنطقة، كما فعلت صفقة بيع أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار للسعودية والإمارات والأردن دون موافقة الكونجرس.
وتصاعد التوتر في الخليج بعدما شددت إدارة ترامب العقوبات النفطية ضد إيران لإجبار طهران على التراجع عن برنامجها الصاروخي والحد من نفوذها في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وسبقت إيران قمم مكة بإرسال كبار دبلوماسييها للقاء حكومات العراق وعمان والكويت وقطر.
المعلق السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله قال لـ “بلومبرج” إن السعودية وحلفائها لا يبحثون بالضرورة عن تغيير قواعد اللعبة في المواجهة مع إيران، معتبرًا أن دول الخليج “سعيدة لرؤية المزيد من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية على إيران؛ باعتبار أن”إيران أضعف أفضل للمنطقة؛ لأن قدرتها على دعم الجماعات خارج حدودها ستتأثر سلبًا”.
وكالة الأنباء الفرنسية قالت إن قمم مكة – حرم الإسلام – تتيح للسعودية، حليف الولايات المتحدة وذات الثقل الإقليمي، الفرصة للخروج بجبهات إسلامية وعربية وخليجية موحدة ضد طهران.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الأسبوع الماضي، إن الوحدة وتنسيق المواقف ضروريان في هذا الوقت الحرج، معتبرًا أن السعودية مؤهلة للاضطلاع بهذا الدور.
ودعت السعودية إلى موقف حاسم ضد إيران. وقال الملك سلمان خلال القمة العربية إن الرياض ترغب في تجنب الحرب وتسعى إلى حل سلمي، لكنه هاجم إدامة إيران للإرهاب في المنطقة بشكل مباشر أو عبر الوكلاء.
ركزت القمتان العربية والخليجية الطارئتان على ملف انتهاكات إيران الإقليمية، وأبدتا دعمًا للاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع طهران.
خرجت قمة التعاون الإسلامي ببيان لم يشر لإيران بالاسم بالمسؤولية، لكنه أكد التضامن مع السعودية فيما تتخذه من إجراءات لسلامة أمنها ومنشآتها النفطية وحرية الملاحة.
العواصم العربية الأربع التي تباهى مسؤول إيراني رفيع بأن طهران تتحكم فيها هي بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. اثنتان منها كان لهما موقف “رسمي” ملفت.
رفع العراق مستوى مشاركته في قمم مكة إلى مستوى الرئيس برهام صالح، الذي اعتبر أن أمن السعودية والإمارات ودول الخليج من أمن العراق، وأن أي استهداف لأمنهم هو استهداف لأمنه.
مع ذلك، أعلن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط اعتراض العراق على بيان القمة العربية الطارئة الختامي، والذي ندد بتدخل إيران في شؤون الدول الأخرى.
أبو الغيط قال إن العراق “أعاد التأكيد على استنكار بغداد لأي عمل من شأنه استهداف أمن السعودية ودول الخليج، لكنه أعلن عدم مشاركته في صياغة البيان الختامي، وسجل اعتراضه على صياغته الحالية”.
وقال وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني جواد ظريف، الأحد الماضي، إن بغداد تقف إلى جانب طهران.
سوريا – التي غابت عن قمم مكة بسبب تجميد عضويتها – انتقدت بيان القمة العربية أيضًا في بيان صادر عن وزارة الخارجية فيما يخص التدخل الإيراني في الشؤون السورية.
الوزارة وصفت البيان بـ “تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية”، واعتبرت أن “الوجود الإيراني في سوريا مشروع؛ لأنه جاء بطلب من الحكومة السورية وساهم بدعم جهود دمشق في مكافحة الإرهاب المدعوم من قبل بعض المجتمعين في القمة”، بحسب البيان.
البيان قال إن القمة لم تدن “تدخلات الدول الأخرى في الشأن السوري والتي تفتقد إلى الشرعية والمشروعية وكانت وما تزال تهدف إلى تقديم الدعم اللامحدود بمختلف أشكاله إلى المجموعات الإرهابية وإطالة أمد الأزمة في سوريا”.
الرئيس الإيراني حسن روحاني أعرب عن أسفه لعدم حضوره قمة التعاون الإسلامي “لعدم التزام السعودية بالمراسم الخاصة بدعوة قادة الدول”، ودعا للدفاع عن فلسطين ومواجهة “مؤامرة صفقة القرن التي تستهدف القضاء على الحقوق الفلسطينية وتوسيع الاحتلال والعدوان على جميع الدول الإسلامية”.
جماعة الإخوان التي تصنفها عدة دول مشاركة في القمة تنظيما إرهابيا، وبينها السعودية المضيفة، أصدرت بيانا عن قمم مكة سار على نفس خط بيان طهران، فلم يأت على ذكر التهديدات الإيرانية التي دُعيت القمم للتصدي لها.
ركز بيان الجماعة على رفض خطط السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
كما أشار بيان التنظيم أيضا إلى أزمة قطر، مطالبًا بعمل جاد لـ “تصفية الانقسامات البينية بين الدوحة وشقيقاتها”.
شاركت قطر على مستوى رئيس الوزراء عبد الله بن ناصر آل ثاني في قمم مكة الثلاث، ليصبح أرفع مسؤول قطري يزور السعودية منذ إعلان المقاطعة في 2017.
وهبطت طائرة أميرية قطرية في مطار جدة لأول مرة منذ اندلاع الأزمة الخليجية قبل عامين.
بلومبرج وصفت الزيارة بـ “أول خطوة ملموسة نحو إنهاء الصدع الذي قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وسط مخاوف من احتمال انزلاق المنطقة إلى صراع على خلفية الضغوط الأمريكية الاقتصادية والعسكرية على إيران.
الوكالة نقلت عن “مسؤولين عرب طلبوا عدم الكشف عن هويتهم” أن الأزمة الحالية يجب أن تترجم إلى دعم سياسي للسعودية والإمارات، فيما نقلت عن مسؤول خليجي لم تسمه قوله إن “الوقت ليس مناسبًا لقطر لتقف ضد السعودية”.
وقالت شبكة الجزيرة القطرية إن رئيس الوزراء سيعقد لقاءات مع مسؤولين كبار في السعودية والإمارات والبحرين على هامش القمة، لكنها لم تتحدث عن تفاصيل تلك الاجتماعات التي لم تشر لها أي مصادر أخرى.
وأشارت بلومبرج إلى “تكهنات” بأن المواجهة يمكن أن تؤدي إلى جبهة إقليمية موحدة ضد طهران رغم الانقسامات عميقة الجذور في الشرق الأوسط، حيث تميل بعض العواصم نحو طهران.
الوكالة نقلت عن مسؤول عربي قوله إن “الاضطرابات لم تفرض حتى الآن أي تحولات حقيقية لعلاج الانقسامات على الأرض”، مؤكدًا أن “الأمر يحتاج صياغة دقيقة للغاية لإشراك الجميع”.
وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن بلاده تشارك قمم مكة “لأن “التحديات العديدة في المنطقة تتطلب تعزيز مفهوم الحوار والتعاون للحفاظ على الأمن الإقليمي”.
المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، مورجان أورتاجوس، رفضت التعليق المباشر على بوادر تحقيق اختراق في حل أزمة قطر، لكنها قالت إن وحدة الخليج تحمل أهمية حيوية لجهود مواجهة نفوذ إيران الخبيث في المنطقة، معربة عن أملها في أن تؤدي قمم مكة لإحراز تقدم في هذه المسألة.
ورفضت المتحدثة التعليق على دور محتمل لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الوساطة بين قطر ورباعية مكافحة الإرهاب.
ورصدت العدسات مصافحة “صامتة” جمعت رئيس الوزراء القطري بالملك سلمان وولي عهده، قبيل انطلاق قمة مجلس التعاون الخليجي، لكن الأمر لم يتكرر مع قادة بقية دول المقاطعة.
وصل فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة طرابلس، فجأة إلى مكة للمشاركة في قمة التعاون الإسلامي بعدما غاب عن القمة العربية.
وعلى هامش القمة، استقبل وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف نظيره في حكومة السراج محمد الطاهر سيالة، في اجتماع قالت وكالة الأنباء السعودية إنه تناول “العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وجدول أعمال قمة التعاون الإسلامي”.
وتلقى السراج دعوة المشاركة من الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي “دون إشارة لدعوة من الملك سلمان؛ تمامًا كما حدث مع إيران”، لكنه لبى الدعوة بالتزامن مع إعلان الجيش الوطني الليبي مقتل القيادي في تنظيم داعش عبد السلام بورزيزة، الخميس، بينما كانت يقاتل مع قوات المجلس الرئاسي في طرابلس.
وظهر بورزيزه في إصدار تنظيم داعش “معاني الثبات 2 “، إلا أن أخباره انقطعت منذ 2016.
وفي نفس اليوم، أغار سلاح الجو الليبي على من وصفهم بـ “مرتزقة تشاديين” يقاتلون في صفوف قوات حكومة السراج.
وزار خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، الرياض قبيل شن عملية طرابلس بأيام، واجتمع بالملك سلمان وولي عهده، وعدد من المسؤولين السعوديين، بينهم وزير الداخلية السعودي ورئيس الاستخبارات العامة.
استعرضت السعودية أدوات عسكرية حوثية إيرانية الصنع استهدفت أهدافًا حيوية في المملكة، على طريق الوفود المشاركة في قمم مكة عبر معرض أسمته “حقائق في دقائق”، الذي استضافته الصالة الملكية في مطار الملك عبدالعزيز الدولي.
المتحدث باسم قوات التحالف العربي تركي المالكي أطلع المشاركين على محتويات المعرض، وبينها نماذج الصواريخ البالستية من نوع (قيام)، والطائرات بدون طيار من نوع (أبابيل – راصد)، والزوارق المفخخة والمسيرة عن بعد, وقاذفات آر بي جي، وناظور رصد بصري، وصاروخ (دهلوي) المضاد للدروع.
كما ضم المعرض شاشة عرض تلفزيونية تظهر أدلة تورط إيران في تزويد ميليشيات الحوثي بتلك الأسلحة.
وبلغت الصواريخ الحوثية التي استهدفت السعودية 225 صاروخًا بالستيًا، أحدها حاول استهداف مكة نفسها، بخلاف أكثر من 155 طائرة بدون طيار.