مسلسل ريفو .. دراما برائحة شرائط الكاسيت | أمجد جمال 

مسلسل ريفو .. دراما برائحة شرائط الكاسيت | أمجد جمال 

16 Jun 2022

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المعادلة بسيطة:

لتنافس شاهد ونتفليكس يجب أن تستوعب التفاوت بين شريحتي جمهور المنصات والتلفزيون، في المواضيع، والأسلوب الفني، وعدد الحلقات، وثقافة العرض. 

المنصة المصرية Watchit أثبتت مؤخرًا أنها بين أسرع المؤسسات تعلمًا من أخطائها، فأجرت عملية “ريبراند”، بتطورات تقنية وشكلية موفقة، وتلافت معظم الشكاوى السابقة الخاصة بمشكلات برمجية. وعالجت نظام التسعير وعدد الأجهزة، إلخ.

كما لم تعد ظهيرًا رقميًا لإنتاجات الشركة المتحدة، تستورد ما تنتجه قنواتها الفضائية وحسب، بل كيانًا قائمًا يسهم في صناعة محتواه بما يناسب وسيط العرض الرقمي. 

ريفو وتحقيق

على ضوء ذلك، يأتي مسلسل ريفو (١٠ حلقات) كثاني الإنتاجات الأصلية لمنصة Watchit بعد مسلسل تحقيق (١٢ حلقة). والعملان متميزان ومتمردان على تقاليد الدراما المصرية شكلًا وموضوعًا. ويضعان اللبنات الأساسية لسياسة المنصة إنتاجيًا.

الملفت أن المسلسلين طُرحا بكامل حلقاتهم في موعد واحد، وليس بتسلسل يومي أو أسبوعي، لتؤسس المنصة بذلك لمفهوم المشاهدة النهمة أو Binge watch، أي أن تشاهد موسمًا دراميًا كاملًا في جلسة واحدة، ذلك المفهوم العصري الذي اشتهرت به نتفليكس، وأكسبته شعبية بين جمهور المنصات مقارنة بأسلوب “تنقيط” الحلقات أسبوعيًا، الذي سينقرض لا محالة. 

يجذبك مسلسل ريفو بنوستالجيا التسعينيات التي تفوح من ملصقه الدعائي، وباعتماده على كاست غير معتاد، يتزعمه أمير عيدـ قائد فريق كايروكي.

وتتلامس حكاية “شادي” مؤسس فريق ريفو في المسلسل مع قصة صعود أمير نفسه وتأسيسه لفريق كايروكي، مع لمحات من حياته الشخصية، أبرزها معاناة والدته مع مرض ألزهايمر؛ لذلك فيبدو أن اتفاقات أو جلسات تحضيرية جمعت أمير عيد بمؤلف المسلسل محمد ناير قبل الكتابة.

مسلسل ريفو من إخراج يحيى إسماعيل، وتتوزع أحداثه على خطين رئيسيين يعرضان بتوازٍ: خط معاصر عن مريم (ركين سعد) ابنة السيناريست الراحل، التي تحاول استكمال كتابة آخر قصص والدها؛ حيث يؤرخ فيها لفريق موسيقى مجهول ظهر في التسعينيات بمسمى ريفو. 

نبشها في الماضي يوقعها في مشكلات مع المتورطين في ذلك الماضي، ويعرفها بأسرار كان من الأفضل لو لم تعرفها. لكنه يعرفنا كذلك على شخصيات هذه الفرقة، فنعود معهم بخط درامي آخر يدور في التسعينيات؛ لنواقع قصة صعود ريفو ونقترب أكثر من الحلم ومن المأساة. 

الخطان الدراميان في مسلسل ريفو يكملان مكعبات الحكاية، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما، ذلك مع الاعتراف أن الخط الدرامي المعاصر، افتقد للمشهيات التي تجذب للمتابعة، باستثناء الأداء القوي لركين سعد، وخفة ظل الفلوجر-الممثل محمد المولى، فكان ذلك الخط بمثابة الواجب الذي علينا تحمله في سبيل الرجوع بالأحداث للتسعينيات.

جيل التسعينيات

التسعينيات هو العصر الذهبي لموسيقى “الجيل” التي قامت على أكتاف ثلاثة موزعين موسيقيين أساسيين، هم حميد الشاعري وطارق مدكور، والثالث هو حسام حسني الذي يظهر بشخصيته الحقيقية في المسلسل، هذا من المعروف. أما المسكوت عنه أن جمهور شباب التسعينيات أو الجيل X فكان منفتحًا على الأنواع الموسيقية البديلة، ولم يكتف أبدا بالموسيقى السائدة (الجيل). 

فالتسعينيات هي الفترة التي ازدهرت فيها شعبية فرق الروك الغربية، مثل نيرفانا والعقارب وACDC. وانتشرت ألبومات What’s Now، ولا ننسى أن ضحايا قضية الرأي العام الأبرز وقتها كانوا مئات من شباب الطبقة المتوسطة والطبقة المتوسطة العليا المتعلقين بسماع وأداء موسيقى الميتال لدرجة أوقعتهم في تهمة “عبادة الشيطان”! 

لم يتطرق المسلسل بشكل مباشر لهذه الأشياء، لكنه اعتمدها ضمنيًا بابتعاده عن الخيار السهل، أي بحصر التسعينيات في موسيقى الجيل وحسب. أنار الزوايا المعتمة للمشهد الموسيقي في تلك الفترة، ومنها ظاهرة تكوين الفرق الموسيقية التي تؤدي أنماط مختلفة في الأماكن العامة والخاصة، مع صعوبة وصول هؤلاء الحالمين للتيار العام، في ظل سيطرة الكيانات الإنتاجية الكبيرة، ومؤسسات محافظة كالإذاعة والتلفزيون، وعدم توافر وسيلة سحرية كالإنترنت. 

ذلك الصراع الذي عبرت عنه أغنية فريق ريفو الرئيسية في المسلسل، تقول كلماتها: “يمكن دا مش مكاني أو الزمان دا مش زماني… أنا نجم بس مفيش سماء …إلخ” 

كذلك يذكرنا المسلسل بثقافة مجتمع النوادي، وهي تفصيلة تسعيناتية جدًا، يبدو أننا استبدلناها حديثًا بثقافة الكافيهات والمولات والقرى السياحية المغلقة، فيما كانت الأندية آنذاك هي ملاذ كل الأنشطة الاجتماعية والرياضية والفنية. 

شادي (قائد)، وماجد (درامز)، ونعمان (بيز جيتار)، ثلاثة أصدقاء طفولة ينتعشون بعد انضمام عضوين جديدين لفريقهم الموسيقي، أولهم الشاب المنطوي الرقيق مروان (صدقي صخر) على الكيبورد، ثم مدحت (حسن أبو الروس) على الجيتار الكهربائي، وهو أكثرهم احترافية بعزفه في شرائط أهم نجوم التسعينيات. 

كل منهم لديه مشاكله الخاصة، شادي يطارد المجد الفني ويعاني تفكك أسري ويخوض قصة حب مرتبكة مع ياسمين (سارة عبد الرحمن) الفتاة الثرية المنفلتة ابنة رئيس النادي، مروان يريد الرفقة والأصدقاء ويقدم في سبيلها موهبته وسيارة فولفو أنيقة تحت تصرف الشلة، ومدحت تغريه القيمة الفنية فيضحي بالمال في سبيلها. هكذا تأسس فريق ريفو. 

الدراما الموسيقية

الدراما الموسيقية، جونرا مهجورة تمامًا في الدراما العربية، والسينما كذلك، آخر عمل بارز من تلك النوعية بتعريفها الكامل، أي قصة درامية ترتكز على نشاط صناعة الموسيقى، كان “أيس كريم في جليم” ١٩٩٢ للمخرج خيري بشارة، ويظهر مسلسل ريفو تأثرًا واضحًا بهذا الفيلم. 

بشوارع المعادي التي احتضنت أحداث العملين، والتركيز على مفهوم الموسيقى البديلة، والبدء بصناعة الأغاني من جراج يجمع شلة الأصدقاء، مع أجواء التسعينيات نفسها التي كانت بطلًا في العملين، وطبعا حسام حسني نفسه كعامل مشترك بين العملين. 

كذلك الأزياء، الجاكيت الجلد الأسود الذي ميّز شكل البطل هنا وهناك، خيري بشارة قال إنه استلهم هذا “اللوك” لعمرو دياب من جيمس دين، وفي مسلسل ريفو يبدو أن الإلهام خاص بأمير عيد نفسه، الذي يؤدي شخصية مكتئبة طوال الوقت، كأنه عضو في طائفة الإيموز أو ربما يرتديه تشبها بأزياء فرق الميتال المعاصرة.

يحيى إسماعيل، يقدم عمله الدرامي الأول كمخرج بالتعاون مع مدير التصوير محمد عبدالرؤوف. يحيى له نجاحات في صناعة الإعلانات، ويسهل ملاحظة تأثر العمل بأسلوب التصوير والإضاءة في مشاهد كثيرة بإعلانات أحد المشروبات الغازية، هذا لا يعيب المسلسل. لكن بقيت هناك مشكلتان تتعلقان بالإخراج، انتقصتا قليلًا من جودة المسلسل. 

أولًا: التفاوت العمري للشخصيات التي تظهر عبر الخطين الدراميين، لم يكن مقنعًا بصريًا مع كل الممثلين، ربما هي مشكلة مكياج أو ستايلست أو كاستينج. لكن المخرج مسؤول بالتبعية. 

ثانيًا: بروزة الأغاني دراميًا، وهي سمة تميز الدراما الموسيقية عمومًا، وغابت هنا، كنا نسمع الأغاني فقط لأنه جاء دور الفرقة لتغني، وكأن شادي أتى بكلمات وألحان من العدم ليغنيها، ماذا عن كواليس تأليف تلك الأغاني وتلحينها وتوزيعها، وتوضيح إسهام كل عضو بالفريق بشكل واضح؟

ولماذا لم نسمع صدى هذه الأغاني في الموسيقى التصويرية لساري هاني؟ تلك التفاصيل الصغيرة التي نستمتع بها في أعمال تلك النوعية، كان على صناع العمل دراسة أفلام الأيرلندي جون كارني مثلا، Once – Begin Again – Sing Street.

يمكن استثناء الأداء التمثيلي لأمير عيد من التقييم، لكونه يجسد شخصيته الفعلية، أو نسخة قريبة جدًا منها في قصة مستلهمة من حياته بالأصل. فيما تفاوتت مستويات تمثيل الآخرين من مقبول إلى تميز واضح من صدقي صخر، فكان الأكثر إقناعًا في المرحلتين الزمنيتين، شكلًا وموضوعًا، بجانب أداء مفعم بالروح والطاقة من سارة عبد الرحمن، وكذلك نجح الممثل هشام الشاذلي بلفت الأنظار بدور المنتج السينمائي المستغل.

ختامًا: كفة المميزات تطب العيوب. مسلسل ريفو تجربة درامية ناجحة، تعرف جمهورها، وتقدم صنف درامي اكتسب قيمة مسبقة نتيجة إلى ندرته.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك