وحيد حامد | فارس منتصر أم نبي مهزوم.. كيف تطور وعيه في صراعه مع الإسلاميين؟ | هاني عمارة

وحيد حامد | فارس منتصر أم نبي مهزوم.. كيف تطور وعيه في صراعه مع الإسلاميين؟ | هاني عمارة

7 Jan 2021
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

الصحوة الإسلامية سينما عربية سينما مصرية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الراحل وحيد حامد كان أحد أبرز الأسماء في معركة الدولة المصرية مع الأصولية الدينية، من خلال أعماله التي هاجم فيها التيار الإسلامي الأصولي وكشف وجهه السيئ. لكننا هنا لا تناوله بالنقد الفني أو المهني، بل نحاول تقييم معركته ضد الإسلاميين.

مسلسل العائلة.. بداية المعركة

في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، تصاعد نفوذ الجماعات الإسلامية بسبب حرب أفغانستان، التي شارفت على نهايتها بعدما أكسبتهم الخبرة القتالية المطلوبة، فقرروا استئناف المعركة مع الدولة المصرية، بما استدعى موجة إرهاب كبيرة طالت شخصيات كبرى في الدولة، أهمها رئيس البرلمان رفعت المحجوب.

فنيًا، دشنت السينما والدراما موجة موازية نجحت في ترسيخ الصورة النمطية لشخصية الإسلامي الأصولي في فترة التسعينيات. وحيد حامد – ورغم كونه الاسم الأبرز – إلا أنه دخل المعركة متأخرًا من خلال مسلسل العائلة 1994 الذي حشد عددًا ضخمًا من الممثلين الكبار وقتها ليكون نظيرًا للمسلسلات الاجتماعية الكبيرة كالشهد والدموع وليالي الحلمية.

وبرغم تحقيق المسلسل جماهيرية كبيرة كأهم مسلسل في الموسم الرمضاني، ومع جرأته الشديدة في التعاطي مع بعض القضايا الحساسة، إلا أنني أشهد كمعاصر لتلك الفترة أن مردود مسلسل العائلة كان سلبيًا؛ لأسباب سأذكرها لاحقًا، وإن كان أكبر دليل على فشله هو عزوف القنوات عن إعادة عرضه لاحقًا.

بعدها، تعاون وحيد حامد مع عادل إمام في فيلم طيور الظلام الذي كان أفضل في التناول من مسلسل العائلة لتركيزه على الجانب السياسي وعلاقة الجماعات الإسلامية بدوائر الفساد داخل الدولة. لكنه وقع في فخ الفكرة النمطية التي تساوي بين السلطة والإرهاب، واعتبار الشعب ضحية بينهما.

لاحقًا، انتهت الموجة الفنية في أواخر التسعينيات دون أن تحقق الهدف منها، برغم بعض مميزاتها مثل الجرأة في الهجوم على التيار الإسلامي، لأول مرة. وكانت أول صفاتها تنميط السمت الإسلامي السلفي المتعلق باللحية والنقاب.

لكن، يحسب لصناع تلك الأعمال أيضًا – خصوصًا وحيد حامد وعادل إمام – الجرأة الشديدة، خصوصًا أنهم أنتجوها وسط أجواء من الخوف بعد اغتيال فرج فودة، مع تهديدات الجماعات المتكررة بمصير مماثل لغيره، بما أدى لعزوف كثير من الفنانين عن تلك الأعمال.

لماذا لم تنجح تلك الأعمال في إيصال رسالتها؟

1 – الصورة الكاريكاتورية لشخصية الإسلامي

على غرار شخصية اليهودي الكاريكاتورية المبالغ فيها في الأعمال الفنية، حظيت شخصية الإسلامي بصورة مشابهة، كشخص ملتح متشنج فظ يتحدث بالفصحى، يحرم ويكفر لأتفه الأسباب، مع استخدام نماذج شاذة أو غير موجودة في أوساط التيارات الإسلامية، مثل مشهد تحريم الخيار في مسلسل العائلة، أو القبض على شارب خمر من أمام حانة وجلده حدًا للخمر، وهي حالات ونماذج قليلة أو مبالغ فيها يصعب تعميمها على واقع الأصوليين في مصر وقتها.

وفي حالة الإسلاميين بعكس اليهودي لم يكن الأمر سهلًا؛ فالمشاهد كان يحتك بالإسلاميين على اختلاف أطيافهم يوميًا في كل مكان حوله، ولا يجد تلك الصورة بنفس الشكل.

هنا استغل الإسلاميون أعمال وحيد حامد وغيرها بشدة في ترويج رواية أن الدولة تتجنى عليهم وتشوه صورتهم. ساعدهم في ذلك أن هذه الصورة، وإن كانت منتشرة فترة السبعينات وأوائل الثمانينيات، إلا انهم وقت عرض هذه الأعمال كانوا قد تجاوزوها، بل وسخروا منها مع الساخرين.

هذا الفيديو مثلًا “الذي أنتجته إحدى قنوات الإسلاميين” استغل هذه الثغرة:

2 – الخلط بين فصائل الإسلام السياسي

الإسلاميون أطياف شتى، بينهم السلفي والإخواني والجهادي والوسطي، إلا أن أعمال تلك الفترة عممت شخصية الإسلاميين في صورة السلفي التكفيري الجهادي المتشدد، كما ظهر في مسلسل العائلة. بينما كان قوام الإسلاميين الأساسي حينها من الإخوان تحديدًا كانوا حريصين على الظهور بالملابس المدنية وحلق لحاهم.

يتضح هذا الخلط في فيلم وحيد حامد “طيور الظلام” حيث جعل المحامي الإسلامي إخوانيًا، لكنه يحرك عمليات إرهابية لقتل الضباط، وهي العمليات التي كانت تمارسها جماعة الجهاد.

هذا التعميم لم يخدم الفكرة، ولم يقنع الناس وقتها، خصوصًا أن الاخوان كانوا يدينون تلك العمليات، ولم توجه لهم الدولة أي اتهام بشأنها.

هذا التنميط  سمح للإسلاميين الذين لا يظهرون بتلك الصورة أن يتخفوا وراء مظهرهم “العادي”، أي منح صك براءة الإسلاميين الذي لا يظهرون بهذه الصورة، إذ استغلوها لترويج أنفسهم بمظهر المعتدل الذي يعادي هؤلاء المتطرفين، وهو أكبر فخ سقط فيه المجتمع بنخبته وعوامه في تلك الفترة.

نظرة أعمق | معالم في طريق أسرار الإخوان.. متى ولماذا وأين يصبح الإخواني أليفًا؟

3 – وضع أجهزة الدولة والأصوليين في كفة واحدة 

من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها صناع الفن في تلك الفترة “بحسن نية” هو وضع أجهزة السلطة  والأصوليين في كفة في مواجهة الشعب. وعادة ما عبروا عن السلطة بالأجهزة الأمنية أو المسؤولين ورجال الأعمال الفاسدين. هذا يتضح في فيلم طيور الظلام والمشهد الأيقوني لعادل امام في مواجهة رياض الخولي، أو في فيلم دم الغزال الذي رمز لمصر بالعروس “منى زكي” التي هجرها عريسها، ليتصارع عليها البلطجي “عمرو واكد” والإرهابي “محمود عبد المغنى”. والإسقاط هنا في البلطجي على الأجهزة الأمنية القمعية، بينما الإرهابي يمثل الإسلاميين.

والواقع أن هذا الخلط الذي استقر في ذهن المتلقي أضر بالدولة أكثر مما أضر الإسلاميين؛ لأن الإسلاميين كما أسلفنا لديهم القدرة على التلون والتخفي بمخالفة الصورة النطمية، بعكس الدولة التي اختزلتها الأعمال في إدارة فاسدة وأجهزة أمن قمعية.

هذا الفخ لا يزال قائمًا إلى الآن، وتعاني منه الدولة إعلاميًا ودوليًا في مواجهة المحاور الإقليمية المعادية.

4 – عدم استيعاب جذور المشكلة

ركزت تلك الأعمال كذلك على نسب مشكلة التطرف إلى مشكلتين رئيسيتين: القمع الأمني، والفقر وغياب العدالة.

في مسلسل العائلة كان ابن البواب الفقير الذي عانى من التمييز، وأعيد نفس النمط في فيلم عمارة يعقوبيان، حيث ابن البواب الذي رفضته كلية الشرطة فاتجه للإرهاب. في حين لم تتطرق كثيرًا لجذور المشكلة المتعلقة بالخطاب الديني، والحاضنة الشعبية من قيم الأسرة وأخلاق القرية التي تتقاطع معها في نقاط كثيرة، وتواطؤ بعض النخب والأحزاب.

5 – الرهان على الدين الشعبي في مواجهة الأصولية:

اعتمدت تلك الأعمال على تيمة الرهان على التدين الشعبي أو “الرسمي الأزهري” كبديل لمواجهة الإسلاميين، وهو رهان أثبتت الأحداث الأخيرة فشلة، خصوصًا مع معركة تجديد الخطاب الديني ومقاومة الدين الشعبي والرسمي لها، وبروز مظاهر وسلوكيات ممقوتة، مرجعها الدين الشعبي وصمت الدين الرسمي.

مظاهر خسارة المعركة

للأسباب السابقة، وبعكس كثيرين، أرى أن وحيد حامد ورفاقه خسروا معركة التسعينيات بجدارة. أبرز مظاهر تلك الخسارة كانت الصحوة الإسلامية الثالثة التي اجتاحت المجتمع في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، مع ظهور الانترنت والفضائيات والدعاة الجدد وانتشار الحجاب والنقاب.

هذه التحولات تركت أثرها في مجال الفن والسينما، خصوصًا مع ظهور السينما النظيفة وتصالح السينما مع الحجاب من خلال عدة افلام بطلاتها محجبات، وأفلام تقبلت ظاهرة الإسلاميين وروجت للتعايش معها، مثل فيلم “أنا مش معاهم” وعودة عدد من الممثلات المعتزلات للتمثيل بالحجاب.

مسلسل الجماعة الأول  – التراجع والحياد

بعد هذه الخسارة، عاد وحيد حامد عام 2010 ليكتب الجزء الأول من مسلسل الجماعة، والذي – بعكس أعماله الأولى – بدا أقل حدة؛ بسبب الاتهامات التي لاحقته بمعاداة الإسلاميين بشكل متطرف قبل وأثناء العمل، وانعكست على المسلسل.

في مسلسل الجماعة حاول وحيد حامد أن يبدو محايدًا. في بداية المسلسل، أظهر شباب الإخوان كطلاب أرياف وسكان عشوائيات فقراء، وحمل القيادات وحدها المسؤولية، في فخ راج بين النخب، بينما الحقيقة التي أثبتتها أحداث ما بعد 2011 أن القيادات الوسطى والشباب كانوا أكثر تطرفًا.

انتقل بعدها وحيد حامد إلى التاريخ، فعرض شخصية حسن البنا بصفة عامة من وجهة نظر الجماعة اعتمادًا على مذكراته، فأظهره كرجل متدين مخلص لدعوته، وبرأه من دم النقراشي وبقية الاغتيالات، وحملها للنظام الخاص، وأظهر ندمه على إنشاء النظام الخاص في آخر المسلسل، في تطابق مع الرواية الإخوانية.

في المقابل، لم يستطع مسلسل الجماعة إظهار الجانب الانتهازي والبراجماتي في شخصية حسن البنا، أو يتبنى الرواية القائلة بمسؤوليته المباشرة عن كل أحداث العنف، ومشروعه للانقلاب على الدولة من خلال التنظيم العسكري داخل الجيش. فكان المسلسل – وبشهادة كثيرين – دعاية مجانية من الدولة للإخوان، ورحبت به الجماعة في أوساطها الداخلية، وإن انتقدته ظاهريًا.

بدون ذكر أسماء.. الاستسلام للواقع

بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، قدم وحيد حامد مسلسله الشهير “بدون ذكر أسماء” الذي عرض في فترة حكم الإخوان، وتناول الإسلاميين بشكل حيادي اقرب للواقع، انطوى كذلك على نقد لهم تحرر فيه من المبالغات والصورة النمطية، وأبرز مدى توغلهم في المجتمع، واستسلام الناس وتقبلهم لهم برغم كل مساوئهم، وخطورة خطابهم على كيان الدولة مع أمنيات بالخلاص منهم.

كان أفضل وصف لحامد في هذه المرحلة ما خطه الشاعر صلاح عبد الصبور: “نبي مهزوم يحمل قلمًا ينتظر نبيًا يحمل سيفًا”.

الجماعة الثاني .. أحلام الفارس القديم

وبنفس وصف صلاح عبد الصبور “أحلام الفارس القديم” كان موقف وحيد حامد بعد ظهور نبي السيف والإطاحة بالإخوان، بدا كفارس قديم يريد تحقيق حلمه بالعودة للميدان لرد اعتباره، فكان الجزء الثاني من مسلسل الجماعة.

بدا المسلسل تكريمًا لشخص وحيد حامد كمحارب قديم تم استدعاؤه لما له من شرف السبق بالقتال، حتى وإن خسر معاركه الأولى.

كان بالفعل أفضل تكريم، حيث خرج المسلسل بأفضل ما يكون سيناريو وإخراجًا وتصويرًا، بشكل يضعه من في مقدمة أفضل الأعمال الدرامية في آخر 10 سنين، تخلص فيه من كل الصور النمطية القديمة وعرض التاريخ والشخصيات بشكل يحاكي الحقيقة بشكل كبير، مع معالجة درامية متقنة. ساعده في ذلك طول فترة الإعداد، واستعانته بكوادر إخوانية تائبة في كتابة المسلسل، وقراءته العديد من المصادر والمراجع، مما أحدث أثرا جيدًا لدى المشاهد، الذي أصبحت له ذاكرة قريبة من عنف وانتهازية الإسلاميين.


ختامًا، نقول إن الحفاوة بوحيد حامد لا يجب أن تثنينا عن هذا التقييم لمعركته هو وجيله من تلك النخبة، ومعرفة أخطائهم التي لا تزال العديد من الأجيال الجديدة تقع فيها.
لكن ذلك قطعًا لا يجعلنا نبخس حقهم وشرف السبق في تلك المعركة المصيرية، في ظروف كانت أكثر صعوبة وقتها، والتي وإن خسرها وحيد حامد ورفاقه حينها، لكنهم تركوا تراثًا عاد لتشكيل الصورة في التحفيز لمعركة مصر الدولة في مقابل مصر الولاية.

 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك