سكان أفغانستان أقل من سكان كاليفورنيا. ومساحتها قريبة من مساحة فرنسا..
دولة حبيسة بلا بحار ولا محيطات. لكنها كوكتيل من العرقيات التي تسبب صداعًا داخليا، يمتد لجوارها، ولو كانت جيرة بعيدة مثل روسيا.
السبب أن أغلب القبائل الأفغانية ترى أن “الحدود تراب”. أنها من صنع الأجانب. وأنها لا يمكن أن تكون أهم من الولاء القبلي.
البشتون، والأوزبك، والطاجيك مثلًا ينتشرون حول حدود أفغانستان.
لكن هذه الحدود لا تعني شيئا لهم إذا كان أقاربهم في القبيلة يعيشون في دولة مجاورة.
البشتونيمثلون 42% تقريبًا من سكان أفغانستان، حسب تقديرات CIA. لكنهم ثلث البشتون فقط، الثلثان المتبقيان من العرقية يعيشون في باكستان. والحدود التي وضعتها بريطانيا عام 1893 تقسم البشتون الذين يبلغ عددهم في الدولتين نحو 60 مليون نسمة.
حتى الدولة الأفغانية أيًا كانت حكومتها ترفض الاعتراف بخط ديورند كحدود مشتركة بينها وبين باكستان خوفًا من غضب البشتون، الذين كانوا يعرفون في العصور القديمة باسم الشعب الأفغاني، ويرون أنفسهم أصحاب الأرض الأصليين.
زعيم طالبان “هبة الله أخوند زادة” ينتمي إلى البشتون، وإليها ينتمي رئيس وزراء باكستان عمران خان.
وبحسب مجلة فورين بوليسي، كانت الحكومة الباكستانية نفسها ترعى “طالبان الباكستانية” بمناطق قبائل البشتون خوفًا من تنفيذ هجمات ضد باكستان.
نفس الحال مع باقي العرقيات، سواء الطاجيك أو الأوزبك، الذين لديهم صلات وثيقة مع دول مجاورة تحمل اسميهما “طاجيكستان” و”أوزبكستان”.
الصداع الأفغاني لا يتوقف عند العرقيات التي لا تعترف بحدود الدول.. هناك أيضًا الطائفية الدينية.
أفغانستان دولة بلا مسيحيين تقريبًا، ولا توجد بها كنائس.. لكنها كانت وطنًا لنسبة لا بأس بها من الهندوس والبوذيين والسيخ. وكانت نسبة المسلمين في 1947 حوالي 84%، بينما السيخ 8.2%.
لكن في إحصائيات 2009 بعد إسقاط طالبان، تغيرت الخريطة الدينية بشكل حاد، حيث أصبحت نسبة المسلمين 99.7% بحسب موقع CIA بينما تراجعت كل الديانات الأخرى إلى 0.3%.. تأثيرات القمع الديني لا يخفى على أحد.
لكن هذا لا يعني أن الأمور هادئة بالسيطرة الإسلامية الكاسحة.. فهناك العنف المتبادل بين السنة والشيعة.
الشيعة يمثلون حوالي 10% من السكان.. أشهر انتشار لهم في مجموعة الهزارة التي بحسب تقرير لسكاي نيوز بتاريخ 3 أغسطس 2021 كانت إيران تعمل على تسليحها لمواجهة طالبان.. الهزارة هي نفس المجموعة التي اعتمدت عليها إيران في تكوين مليشيا “لواء فاطميون” الذي يقاتل في سوريا ولغتهم الأساسية هي الفارسية.
وحتى قبل الصعود الكاسح لطالبان حاليًا، كان هناك حديث عن أن التوتر الطائفي بين السنة والشيعة سيكون أحد أسباب انهيار أي اتفاق سلام في أفغانستان بحسب تقرير لموقع “ذا ديبلومات” بتاريخ 15 أكتوبر 2020. أي قبل عام تقريبًا من الأن.
بحسب التقرير، فإن طالبان تريد السيادة الكاملة للمذهب السني الحنفي وأصرت على مناقشة “قواعد إرشادية” أولًا حول الطريقة التي ستسير بها المفاوضات مع الحكومة الأفغانية وأمريكا، ومن بين هذه الشروط أن يكون المذهب السني الحنفي المرجع الرئيسي لكل الشروط الخاصة بالمفاوضات.. قبل أن تتم المفاوضات نفسها.
أما الشيعة فهم أيضًا يريدون الاحتفاظ بالحريات التي حصلوا عليها بعد الغزو الأمريكي 2001 عندما أصبح الفقه الشيعي جزءًا من قانون الأحوال الشخصية الأفغاني وقت رئاسة حامد قرضاي ولهم حق الاحتكام لتشريعات تخصهم.. وهو ما لا تريده طالبان؛ لأن أغلب العلماء الدينيين لدى طالبان متخرجون من حقانية دار العلوم بباكستان.. والتي يسيطر عليها الطريقة الديوبندية السنية.
إذا كانت أفغانستان معضلة إلى هذا الحد، فلا تستغرب التدخلات العسكرية العديدة التي قامت بها دول أجنبية للسيطرة على أفغانستان سواء لتأمين الحدود عندما حاولت بريطانيا وضع دولة كحاجز بين الهند “التي تسيطر عليها” وبين روسيا القيصرية بترسيم حدود أفغانستان وقتالها إذا رفضت الالتزام بهذه الحدود.
أو عندما قام الاتحاد السوفيتي بغزو أفغانستان تحت سبب معلن وهو تأمين الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي.
في ظروف عادية، يمكن اعتبار أي دولة لا تملك مدخلًا للبحار، دولة حبيسة سيئة الحظ. لكن في حالة أفغانستان هناك طبيعة جبلية تصعب عملية احتلال هذه الأرض.
كما أن نقل المعدات والقوات وتأمينها سيتطلب التعاون مع دولة واحدة على الأقل من الدول الست التي تحيط بأفغانستان وهي “باكستان – إيران – أوزبكستان – تركمانستان – طاجيكستان – الصين”.
وحتى إذا نجحت في الغزو – كما فعلت قوات عديدة أجنبية لهذه الأرض تاريخيًا – المشكلة أمامك ستكون الاحتفاظ بالأرض.
بحسب كتاب “سجناء الجغرافيا” للكاتب تيم مارشال، فإن نظرة على الخريطة ستجعلنا ندرك كيف أن جبال هندوكوش تمتد من الشرق لتستحوذ على أغلب مناطق أفغانستان مما يجعل الدولة ومن فيها معزولين على نحو كبير..
و75% من أفغانستان مناطق جبلية ونصف الأرض ترتفع عن مستوى البحر بحوالي 2000 قدم بالمتوسط. بالتالي من المستحيل تأمين الطرق الوعرة بنسبة 100%.
هنا تظهر الجغرافيا الأفغانية لماذا كانت هذه الأرض الملجأ المثالي للجماعات الإرهابية مثل القاعدة في نهاية الحرب ضد السوفيت.. لأنه لا أحد سيزعجهم هناك.
ويمكنك بنظرة أن ترى عدد المرات التي تعرضت فيها أفغانستان للغزو منذ القرن التاسع عشر فقط وعدد الخسائر في أفراد الجيوش الأجنبية في هذه الحروب.