كومة ضخمة من الوثائق الرسمية، وكتب عن تجارب الانتقال من الاشتراكية إلى الرأسمالية، والتنوير في آسيا الوسطى قبل ألف عام، والحرب الحديثة، وتاريخ أفغانستان، كانت أهم ما وجده مسلحو طالبان في القصر الرئاسي وسط كابول. كل ورقة تحمل هوامش مدونة بالقلم الرصاص. هي الآن في مكتب الرئيس الهارب أشرف غني.
مسلحو طالبان في مكتب أشرف غني
أكاديمي تكنوقراط اختير بين أهم مفكري العالم. لكنه اعتبر فاشلًا تمامًا في السياسة والإدارة.
يملك رؤية بعيدة كليًا عن أي حليف محتمل. أبعد الجميع وقرب شبابًا بلا خبرة. فقضى أيامه الأخيرة في كابول بلا ظهير، قبل أن يختار الفرار.
بروفايل في دقائق
محمد أشرف غني. ابن عائلية أفغانية من عرقية البشتون الأكبر في أفغانستان.
ولد في 1949. لأب مسؤول في عهد الملك ظاهر شاه، وجد قائد عسكري سابق لعب دورًا في تنصيب الملك نادر 1929.
في 1966، خرج كطالب ثانوية إلى أمريكا في منحة تبادل. وهناك حصد أول منصب بالانتخاب كعضو مجلس طلاب.
في 1973، نال شهادة العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية في بيروت. وهناك قابل المسيحية اللبنانية رولا سعادة وخطبها.
رولا سعادة
في العام التالي عاد إلى كابول للتدريس.
حذره والدها: “ستصبح سياسيًا. وستدمر حياة ابنتي”.
أجاب بثقة: “أنا ملتزم تمامًا بكوني أكاديميًا”.
في السنوات التالية دخلت أفغانستان فوضى انتهت بسيطرة طالبان. فهربت عائلة غني لربع قرن.
فقد معظم معدته بسبب السرطان. وبات مجبرًا على وجبات لا تتجاوز التمر والمكسرات. فيما يقول مقربون منه إنه تغير جعل منه شديد العصبية.
أصبح أشرف غني باحثًا رائدًا في العلوم السياسية والأنثروبولوجيا.
حصل على دكتوراه جامعة كولومبيا. ثم درس في بيركلي وجونز هوبكنز، فضمه البنك الدولي، ثم الأمم المتحدة.
في 1995، كلفه رئيس البنك الدولي جيمس ولفنسون بالبحث عن إجابة لسؤال: لماذا ظلت دول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية فقيرة رغم اتباعها لسياسات البنك؟
قدم الإجابة بعد دراسات موسعة: الفساد – ضعف المؤسسات – الممارسات غير المدروسة من قبل المانحين.
أمر ولفنسون بمراجعة شاملة لبرامج البنك بناء على انتقادات أشرف غني فتحول إلى شخص بغيض بين زملائه.
لكن براعته في تخصصه وضعته على قائمة فورين بوليسي لـ ” “أفضل 100 مفكر عالمي” في 2010.
غزوة البطاطس | كيف أسقطت طالبان “نسخة جيش أمريكا الملعوب في دفاتره”؟ | ترجمة في دقائق
بسقوط طالبان 2001، عاد أشرف غني مستشارًا خاصًا للمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، فرسم خارطة الطريق الانتقالية. ثم استقال من مناصبه الدولية، ليصبح مستشار الرئيس حامد كرزاي.
الوظيفة تطوعية. لكنها منحته سلطة التحضير لانعقاد “اللويا جيرغا” التي أقرت الدستور.
عين وزيرًا للمالية في 2002. فاشتهر بالنزاهة الشخصية والصارمة ضد الفساد، مركزًا على محاربة الفقر بخلق الثروة وترسيخ المواطنة.
ويُنسب له تصميم الإصلاحات الأصعب؛ موجة إقالات للمهتمين بالفساد رغم تهديدات الانتقام، وإيقاف رواتب العسكريين “الوهميين”، وإصدار عملة جديدة في وقت قياسي.
بالنتيجة، حصل على أعلى وسام مدني في أفغانستان، وجائزة أفضل وزير مالية في آسيا من Emerging Markets في 2003.
وفي أبريل 2004، أعد برنامج الاستثمار العام الذي وصف بـ “الأكثر شمولًا الذي تقدمه دولة فقيرة للمجتمع الدولي” فنجح في تأمين كل طلباته من المانحين.
بعد انسحاب بايدن | طالبان – الحرس الثوري.. هل يستمر شهر العسل ؟| س/ج في دقائق
بمزيج من “الاستقامة والغطرسة” استعدى أشرف غني الحكومة بأكملها.
الأخضر الإبراهيمي قال إنه لا يملك صديقًا في أفغانستان.
هدده أمير الحرب محمد فهيم بالقتل بعدما أوقف كشوف رواتب لعشرات الآلاف من المجندين الوهميين.
رد كرزاي: “لست وحدك.. طابور طويل جدًا ينتظر قتل أشرف”.
هربًا من الخلافات، طلب العودة لملعبه الأصلي: الأكاديميا، فعين مستشارًا لجامعة كابول.
هناك، انهالت محاضراته حول الحوكمة وتدريب ذوي المهارات على قيادة بلادهم في عصر العولمة.
أسس لاحقًا معهد فاعلية الدولة في واشنطن، لمساعدة الحكومات على بناء أنظمة حكومية أكثر فاعلية وخاضعة للمساءلة.
وبصفته رئيسًا للمعهد، شارك في تأليف كتاب “إصلاح الدول الفاشلة” ولاقى إشادة دولية.
بعد انسحاب بايدن | طالبان – الحرس الثوري.. هل يستمر شهر العسل ؟| س/ج في دقائق
في نقاش حول الكتاب، يقول أشرف غني إن الفشل يحدث لأن المؤسسات تحوي تراكمات من الحطام التاريخي التي لا تخضع لتفكير واعٍ.
يضرب مثالًا: اسأل وزارة التعليم “ما وظيفتكم؟ ومن زبونكم؟” فيضحكون علي. يصدمهم أن الزبون هو الطفل، وأن الوزارة أداة لا هدف.
وفي فصل “السياسة الفاشلة”، يفترض أن السياسة مدمرة إلا ما نجا من المصالح والمساومات. يعتقد أن الناس سيتصرفون بشكل صحيح بمجرد عرض المسار المعقول “أو فرضه” عليهم.
يقول: أول مبدأ في التصدي للفساد هو عدم الانخراط فيه، ثم امتلاك إرادة المواجهة بغض النظر عن المتورطين”.
الممثل الخاص الأمريكي دانييل فيلدمان وصف أفكاره بـ “الملهمة وغير القابلة للتصديق معًا”. يقول: “كنا نخرج من الاجتماعات لنقول إنه بالتأكيد لا يتحدث عن أفغانستان. بل عن سويسرا”.
عمران خان + طالبان | أي كارثة ينتظرها العالم من تأسلم “الفتى اللعوب سابقًا”؟| ترجمة في دقائق
في 2009، ترشح أشرف غني لمنافسة كرزاي على الرئاسة فحل رابعًا بـ 4% من الأصوات.
لكن تعيينه في 2010 رئيسًا للجنة تنسيق الانتقال من الناتو إلى الأمن الأفغاني، منحه انتشارًا أوسع وعلاقات بأمراء الحرب.
1- الأكاديمي “التكنوقراط النزيه” شوه سمعته الدولية باختياره لعبد الرشيد دوستم نائبًا الرئيس، وهو أمير حرب وصفه غني نفسه سابقًا بـ “قاتل معروف”.
2- اتهامات تزوير مؤكدة بما اضطره للتحالف مع خصمه الرئيسي عبد الله عبد الله بصفقة أمريكية.
3- بدء انسحاب القوات الأجنبية:
هذا لا يعني فقط توسيع انتشار طالبان. بل انهيار الاقتصاد الرسمي المعتمد على القواعد والعقود الأمريكية، لتتجاوز البطالة 40%، ويتراجع تسليح الجيش الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن محاربة طالبان بأسلحة أقل.
رغم الصعوبات وعد بمحاربة الفساد، وتحويل البلاد لمركز تجاري إقليمي. وبدأ تمكين جيل الشباب الأفغان المتعلمين في مناصب قيادية.
اتفاق الولايات المتحدة – طالبان | هل تتحول طالبان إلى حزب الله أم فيتنام أم كولومبيا | س/ج في دقائق
بدا وكأن أشرف غني بعد عقود من الأكاديميا، يؤمن بقدرته على حل المشكلات دفعة واحدة.. واعتمادًا على نفسه فقط.
فرض رؤيته على كل أركان الحكومة. أجبر أكثر من 100 جنرال، و50 سياسيًا مخضرمًا، وجميع المحافظين والوزراء، و40 مدعيًا عامًا، على الاستقالة.
وثق في قلة؛ لدرجة أنه لم يجد من يوظفه كمتحدث باسمه.
كان يراجع كل شيء بنفسه، ويقود كل اجتماع حتى لو يحتج لشخص الرئيس.
يقول مسؤول: “إذا طلب ملفًا عن القمامة، وتلقى 500 صفحة، يقرأها بالكامل، ثم يدون ملاحظات كثيرة”.
بالنتيحة، شعر الوزراء بالخوف فصمت الجميع. رئيس المخابرات السابق أمر الله صالح، يقول: كان صمتًا غادرًا. غني كان وحيدًا فكريًا”.
في 2011، نشر كتيب “معجم أفغانستان” كموسوعة تؤرخ لدورات الإصلاح ورد الفعل والفوضى المتكررة.
وصف الملك أمان الله (1919- 1929) بالتحديثي العظيم الذي أضاع ثورته بخسارة العناصر الرئيسية في المجتمع، ليطيح به تمرد ريفي قاده زعماء القبائل، بعد فشله في صياغة إجماع سياسي واسع النطاق لإصلاحاته التي ألغتها ثورة المحافظين كدرس مثالي لمن يأتي بعده.
وعندما أصبح رئيسًا، كرر أشرف غني نفس الأخطاء.
حاول العودة لقواعد اللعب القديمة لاحقًا، لكن أعداءه كانوا يستعدون لاستعادة السلطة ولو عبر طالبان، فسلموا مناطقهم للتنظيم دون مقاومة.
يقول مقربون منه: “إنه ذكي جدًا في تشخيص كل المشكلات. مصنع أفكار متحرك. لكن ليس بالإمكان إنجازها جميعًا”.
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان | هل يعيد جو بايدن إحياء تنظيم القاعدة؟ | س/ج في دقائق.
باقتراب طالبان من كابول، اختار أشرف غني الانسحاب “حقنًا للدماء”. تكرار لـ 2014 باختلاف التفاصيل.
حينها، تظاهر 15 ألفًا ضده في انتخابات الرئاسة. أصرت دائرته القريبة على الرد بحشد 100,000 متظاهر.
يتذكر منسق حملته حمد الله محب، رد غني: “أستطيع أن أراهن أنه إذا زحفتم إلى كابول، ستخرج الرصاصة الأولى. إذا كان بإمكان أحدكم أن يضمن لي موعد إطلاق الرصاصة الأخيرة، فسأسمح بالمسيرة”.
السيرة الذاتية للرئيس أشرف غني (موقع الرئاسة الأفغانية)
من هو أشرف غني؟ التكنوقراط الذي سعى لإعادة بناء أفغانستان (بي بي سي)
أشرف غني: رئاسة أفغانستان أسوأ وظيفة على وجه الأرض (بي بي سي)
المنظر العام لأفغانستان.. أشرف غني (نيويوركر)
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
