ألكسندر دوغين | فيلسوف “النظرية الرابعة” المتحكم في عقل فلاديمير بوتين | مصطفى ماهر

ألكسندر دوغين | فيلسوف “النظرية الرابعة” المتحكم في عقل فلاديمير بوتين | مصطفى ماهر

6 Mar 2022
روسيا فلسفة
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

«في روسيا اليوم، هناك بوتين وهناك الشعب .. وهناك دوغين» 

يعيش العالم – الآن – حالة من الترقب، بعد دخول القوات الروسية أوكرانيا. وهناك جوانب عديدة للأزمة التي تنذر عند البعض باحتمال نشوب حرب عالمية جديدة.

هدف بوتين هنا واضح: “منع انضمام أوكرانيا لحلف الناتو مهما كانت التكلفة”.. وقراراته تبقى العامل الأخطر في تصعيد أو تهدئة الأحداث.

وبينما يرى البعض أن بوتين مجرد ديكتاتور مختل جديد، مهووس بالقوة والسيطرة، على شاكلة هتلر وموسوليني وفرض السيطرة، يراه آخرون قوميًا صلبًا يدافع عن مصالح وسيادة روسيا أمام النفوذ الغربي.

لكن السؤال الغائب عن الجميع على أهميته: ما العقيدة الفكرية التي تتحكم في عقل الرجل الأقوى في العالم كما وصفته فوربس؟ 

كلمة السر: «ألكسندر دوغين» أو كما هو معروف «عقل بوتين»

فمن هو ألكسندر دوغين صاحب العبارة التي افتتحنا بها المقال؟ 

متصوف مولع بالسياسة 

وصف تشرشل روسيا مرةً بـ «لغز في لغز ملفوف في لغز» وهي عبارة تنبطق على ألكسندر دوغين لحد كبير.

من الصعب أن تجد وصفًا محددًا للرجل، بهيئته الدينية التي تشبه كهنة الأرثوذكسية، وما خلفها من مسيرة أكاديمية وفكرية طويلة، جعلته ثالث الكتاب الأكثر إنتاجًا وتأثيرًا في روسيا. 

ألكسندر دوغين

ألكسندر دوغين

ولد إلكسندر دوغين في 1962، لأب يعمل في الاستخبارات العسكرية السوفييتية.

بدأ مسيرته في معهد موسكو لدراسة الطيران، وسرعان ما بدّل تعليمه لدراسة الفلسفة التي حصد فيها الدكتوراة، ثم عزز مساره الفكري بدراسة العلوم السياسية. 

في تلك الفترة، انخرط دوغين في مجموعات سرية روسية معارضة للشيوعية، أشهرها «حركة المثقفين – المحافظين». 

تأثر دوغين بزعيم الحركة الشاعر الصوفي غولوفين، فكان سببًا في تحفيزه لتعلم اللغات المختلفة. وبعد سنوات من التعليم الشاق، أصبح يجيد 9 لغات! 

والبداية لصعود نجم ألكسندر دوغين كانت فترة انهيار الاتحاد السوفييتي،  فرغم رفضه للنظام الشيوعي، إلا أنه كان معارضًا للرئيس بوريس يلتسين –  أول رئيس للاتحاد الروسي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي – وقد شارك في الانتفاضة الشعبية ضده. وفي نفس الفترة قدم أخطر كتبه:  «الخلاص من الغرب / الأوراسية».

صعود مشترك: بوتين ونظرية ألكسندر دوغين السياسية

لم يكتفِ دوغين بأنشطة المثقفين المعتادة، فحاول نشر أفكاره بين المنظمات السياسية الوطنية في روسيا. 

ومنذ 1991، تمكن من إلقاء محاضرات داخل الأكاديمية الروسية لهيئة الأركان العامة، ثم تعاون مع مجلة وزارة الدفاع، ونشر الطبعة الأولى من أعماله، فاكتسبت أفكاره مكانة مهمة في الأوساط السياسية والعسكرية. 

جذبت نظريات دوغين العسكريين الروس؛ لأنها قدمت لهم تفسيرًا لموقف الغرب من روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واستمرار التهديد الغربي بعد تفكك الاتحاد، رغم بوادر تحول روسيا إلى ليبرالية، تسمح بصعود سياسيين يعملون على دمج الدولة في الثقافة الغربية. و قدمت تفسيرا لاستمرار زحف الناتو على روسيا رغم تنازلاتها على الصعيدين العسكري والاقتصادي وقتها. 

في نفس المرحلة كان بوتين قد صعد إلى السلطة السياسية، بمساعدة أطياف متعددة في روسيا، رأوا أن البلد في طريقها للانهيار.

وكأغلب رجال السياسة والعسكرية في روسيا، تبنى بوتين نظريات ألكسندر دوغين علنًا، في خطابه السياسي وكذلك قراراته، وهو ما ظهر بشكل صريح في خطابه السنوي 2012 أمام الجمعية الفيدرالية في الكرملين، فكان الأمر شبه رسالة مشفرة للنخب بأن أفكار دوغين وصلت معه إلى السلطة. 

فما هي نظريات وأفكار دوغين التي أسرت عقول النخبة في روسيا وعلى رأسهم الرئيس الروسي نفسه؟ 

النظرية الرابعة : الحضارة الروسية الأرضية مقابل الحضارة الغربية البحرية 

يدافع ألكسندر دوغين في أغلب كتبه عن عقيدة “الأوراسية”. ولنظريته شقان: 

جغرافي – تاريخي:

فما يقصده بالأوراسية هي المنطقة الممتدة بين أوروبا وآسيا وتشمل أربع حضارات: الحضارة الروسية، والصينية، والهندية، والإيرانية. 

يرمز ألكسندر دوغين لتلك المنطقة بـ “الحضارات الأرضية” وهي في حالة صراع أبدي مع ما يسميه “الحضارات البحرية أو الأطلسية”، والتي كانت تمثلها قديمًا بريطانيا وفرنسا، والآن أمريكا. 

الفكرة الأساسية في الحضارات الأرضية أن لها فلسفة تفسر الناس وحياتهم وثقافتهم من خلال الأرض التي يسكنونها، ولذلك تتمسك تلك الشعوب بما هو قديم وروحاني،

كما أنها حضارات شمولية وتمتلك عادات محافظة، ولذلك تقاوم بضراوة قيم الحضارات البحرية الأطلسية، التي تميل للتغيير الدائم وتدافع عن فكرة التقدم.

وطبقًا لهذه النظرية، فإن روسيا وكل المناطق السلافية (وعلى رأسها أوكرانيا) هي كيان قاري مستقل في حد ذاته يدعى “أوراسيا”. 

الشق السياسي: 

بناءًا على تقسيمه الجديد لجغرافيا العالم، يقدم ألكسندر دوغين نظرية جديدة في السياسة يُطلق عليها “النظرية الرابعة”. وفيها، فإن جميع الأنظمة السياسية في العصر الحديث نتاج 3 نظريات أساسية: 

 «الديموقراطية الليبرالية» – «الماركسية» – «الفاشية»

فشلت الفاشية بنهاية الحرب العالمية الثانية، وانتهت الماركسية بسقوط الاتحاد السوفيتي، لتبقى الليبرالية “عقيدة الغرب”. 

لكن مشكلة الليبرالية عند دوغين أنها لا تقدم نفسها باعتبارها مجرد نظرية في السياسة والمجتمع، بل كحقيقة مسلم بها لكل شعوب العالم،

وأنها تجذرت بعمق لدرجة أن الشخص العادي لا يدرك أن هناك نظرية سياسية تتحكم في العالم من حوله.

والنتيحة – بحسب دوغين – إغراق العالم في حالة تشابه مطلقة تتضمن تدمير كل ما هو مميز في الثقافات والشعوب المختلفة. 

والبديل عند ألكسندر دوغين هو صياغة نظرية سياسية تصبح فيها كل حضارة من الحضارات الأساسية الأربع قائمة في مجالها الجغرافي الخاص: 

فمجال روسيا هي الأقاليم الناطقة بالسلافية والديانة الأرثوذكسية وصولًا لجنوب الاتحاد السوفيتي قديمًا وحتى تركيا.

بينما يشمل حيز الحضارة الصينية والهندية كل مساحات آسيا الوسطى والغربية،

أما الحضارة الإيرانية فمجالها المناطق الإسلامية والشرق الأوسط (لذلك تصبح إسرائيل عقبة في نظرية دوغين لأنها ممثلة للحضارات الغربية البحرية في حيز مختلف عنها)

والفكرة الأوراسية عند دوغين تدافع عن المركزية المطلقة للدولة، وترفض فكرة التقدم المتطور للتاريخ الإنساني، وبدلًا من ذلك تحافظ على التقاليد القومية والعرقية والدينية لكل إقليم.

لكنها في نفس الوقت تؤمن بالتعددية وتضمن حقوق الأقليات، فالعالم بطبيعته «متعدد الأقطاب»، على النقيض من الرؤية الغربية التى تسعى لعالم يحكمه قطب واحد: أمريكا، العدو اللدود في فكر دوغين.

تفسر تلك الأفكار بعض سلوكيات الرئيس بوتين التي تبدو للبعض غير مفهومة، فحرصه الدائم على التواصل مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ما هو إلا تطبيق لأفكار ألكسندر دوغين عن الولاء القومي والتمسك الروحاني بالقيم الأرضية للثقافة الروسية. 

وماذا عن أوكرانيا؟

بنهاية ديسمبر 2021، وقبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا بشهرين فقط، نشر دوغين مقالة مطولة تحت عنوان: “أوكرانيا في اللعبة الكبرى”،

عرض فيها موجزًا دقيقًا لتاريخ أوكرانيا وعلاقتها الجغرافية والتاريخية بروسيا، مركزًا على مدى التشابك الثقافي بين البلدين، ومعتبرًا أن التقسيم الذى حدث في فترة الاتحاد السوفيتي كان تقسيمًا إداريًا فقط، تطور لانفصال كامل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي نتيجة لتدخل الغرب. 

وفي نهاية المقال يتنبأ دوغين بحال من الاثنين في ظل تصاعد المطالب الأوكرانية بالانضمام للتحالف الغربي:

1- تقسيم أوكرانيا: “الضفة اليمنى الغربية لأوكرانيا، ونوفوروسيا، مع وضع خاص لكييف”.

2- أو أن نشهد صراعًا عسكريًا مسلحًا يمكن أن يؤدي لحرب كونية جديدة! 

ويختم المقال بأن “من دون أوكرانيا، لا يمكن لروسيا أن تصبح قطبًا سيادياً لعالم متعدد الأقطاب”. 


المراجع: 

1- الخلاص من الغرب، ألكسندر دوغين، ترجمة وتقديم: علي بدر

2- أوكرانيا في اللعبة الكبرى – مقال ألكسندر دوغين (الميادين)

3- ألكسندر دوغين – أخطر فيلسوف في العالم (بيج ثينك)

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك