حكايات هوليوود المنسية (1): تمرد بيتي دافيز – أوليفيا دي هافيلاند الذي غير مسار هوليوود | أمجد جمال

حكايات هوليوود المنسية (1): تمرد بيتي دافيز – أوليفيا دي هافيلاند الذي غير مسار هوليوود | أمجد جمال

17 Sep 2020

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

حكايات عصر هوليوود الذهبي لا تنتهي. تملك دائمًا قدرة أكبر على إثارة الانتباه والتأملات مقارنة بحكايات هوليوود الحاضر. ليس من باب النوستالجيا، أو لأن الحاضر خالٍ من الحكايات المثيرة، أو من الحياة المترفة الفاضحة المحاصرة بالنميمة والشائعات والأضواء. فما كان موجودًا بالأمس لا يزال موجودًا اليوم.

لكن ما يعطي السحر لحكايات عصر هوليوود الذهبي أنها السنوات الأولى لتشكّل الصناعة، حيث لا مرجع لتسيير تلك الحياة وتوقع حدودها.

بالإضافة، كان أبطال الحكايات شخصيات لا مجرد ممثلين. كان الجمهور يقصد الأفلام ليرى نجمه المفضل، وهو يسرب ذلك الجانب المحبب من شخصيته على الشاشة، ويكرره بنسب متفاوتة في كل أعماله. وكانت الشركات تستغل الأمر، وتساهم في تأكيد انطباعات الجمهور عن النجوم، بل والضغط على النجم لتتماهى شخصيته الحقيقية مع شخصيته على الشاشة. لدرجة لم يعد مهمًا بعدها إذا كان ذلك الجانب من شخصياتهم حقيقيًا، أو اصطنعه المنتج أو الاستوديو أو المخرج أو خبراء التسويق والصحافة. المهم أنه يطبع “بيرسونة” أو شخصية سينمائية متعارفة عن الممثل، تكون في الغالب سببًا في نجاحه، ويذوب فيها الحقيقي مع الخيالي.

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد: 5 مفاهيم مغلوطة (جزء 1) | أمجد جمال | دقائق.نت

همفري بوجارت

Humphrey Bogart GIF - Find & Share on GIPHY

ذات مرة، تحدث رئيس ستوديو وارنر برازرز جاك وارنر مع أحد موظفيه عن أيقونة الشركة في الأربعينيات همفري بوجارت. يقول: “أحب بوجي بشدة. هو رجل ظريف. المشكلة أنه حين يسكر بعد منتصف الليل يبدأ في الاعتقاد أنه همفري بوجارت بحق”.

في ذلك الوقت، كان جاك وارنر غاضبًا من همفري بوجارت لأن الأخير قرر الاستقلال عن وارنر برازرز بعد انتهاء عقده بسلسلة نجاحات، ليؤسس شركته الخاصة Santana Productions. سمّاها باسم الشخصية التي جسدها في فيلم Key Largo من إنتاج وارنر برازرز.

جاك وارنر بجملته الملتوية حاول إيصال فكرة بأنه صاحب الفضل في تكوين شخصية همفري بوجارت السينمائية. والآن يترك الشركة ويرحل! بعد أن التقطه جاك من الأدوار الثانوية الكريهة بأفلام الثلاثينيات، ومنحه الفرصة ليكون همفري بوجارت آخر.. البطل الأنيق الواثق الجاذب للنساء بوسامته الخشنة ونظراته حادة الذكاء. بوجارت العدمي الذي يقدم جسده في كل ثانية هدية للتدخين الشره أو الكحول، كما يظهر في Casablanca وThe Big Sleep وThe Maltese Falcon. وكلهم من إنتاج وارنر التي قدمته في تلك الصورة المحببة.

الطريف أن همفري بوجارت أخذ معه سمات الشخصية التي قدمه بها جاك وارنر ورحل بها لشركته الخاصة. لكن كل الأفلام التي أنتجتها شركته فشلت، حتى اضطر بوجارت لبيع الشركة بسبب الإفلاس، وعاد للتمثيل بالاستوديوهات.

ما قدمه جاك وارنر لبوجارت، فعل مثله مع نجوم آخرين، مثل جايمس كاجني، فتى الشركة المدلل، الذي سبق وتخطى همفري بوجارت في الشعبية بأفلام مثل The Public Enemy وRoaring Twenties وWhite Heat. وكلها تعتبر من كلاسيكيات أفلام العصابات.

ورغم أن كاجني حاول الاستقلال أكثر من مرة عن جاك وارنر بإنتاج أفلامه بنفسه، لكنه كان يخفق كل مرة، ويضطر للعودة لأحضان الاستوديو الذي رعاه وكتب نجوميته.

James Cagney Smashes A Grapefruit Into Mae Clarke's Face GIF | Gfycat

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد (3).. كيف انتصرت لنا على السلطة الأخلاقية | أمجد جمال

بيتي دافيز في ستوديو للرجال فقط

ورغم مسؤولية وارنر عن نجاحات هؤلاء، وصناعة اسمين من أكبر النجوم في تاريخ هوليوود، إلا أن ذلك خلّف وراءه نمطًا سيئ السمعة عُرفت به وارنر برازرز بأنها استوديو للرجال فقط. معظم مواضيع أفلامهم تتمحور حول الذكور، بعكس بعض منافسيهم، مثل بارامونت الذين امتلكوا نجمات من عيار كارول لامبارد ومارلين ديتريك وماي ويست وكلوديت كولبير وكلارا بو وجلوريا سوانسون وغيرهن من النجمات اللامعات، اللاتي كانت الأفلام تباع باسمهن حين احتكرتهن بارامونت على فترات مختلفة.

في المقابل، كانت وارنر تملك بيتي دافيز.. موهبة نسائية تفوقهن جميعًا. لكنها موهبة معطلة بسبب طبيعة إنتاجات الشركة التي تهمش الأفلام النسائية.

بيتي دافيز عُرفت داخل الشركة بطباعها الحادة وتذمرها الدائم. لم تكن مشكلة دافيز أن الشركة لا تقدم لها الأدوار والأفلام التي تشبع موهبتها وطموحها فحسب، بل تفرض عليها أدوارًا تكرهها؛ لأن عقدها ينص على ذلك.

بيتي دافيز

Judy.. عن هوليوود التي شيدت مجدها بالانتهاكات | أمجد جمال

الهروب مؤقتًا إلى الأوسكار

حاولت بيتي دافيز دائمًا الفكاك من قبضة التعاقد بالإعارة لاستوديوهات منافسة. وكان نظامًا متبعًا حينها أن تستعير شركة نجمًا من شركة منافسة ليؤدي دورًا في فيلم ثم يعود للشركة التي تحتكره.

فعلتها في فيلم Of Human Bondage (1934)، حين استعارتها شركة RKO لأداء الدور بعد سجال طويل مع جاك وارنر الذي اعترض بداية على الإعارة بسبب طبيعة الدور الشريرة؛ إذ كان يخاف على صورة نجمته بيتي دافيز التي أرادها رقيقة ورومانسية ومحبوبة. لكنه قبل العرض في صفقة تبادلية مع النجمة أيرين دون التي كان يحتاج لاستعارتها من نفس الشركة.

جسدت بيتي دافيز الدور ببراعة نالت بها إشادة نقدية كبيرة ساد معها شعور عام بالظلم عندما لم تترشح عنه لنيل الأوسكار.

وقاد زملاؤها – وبينهم النجمة نورما شيرر التي كانت مرشحة لنفس الجائزة – حملة ضغط على الأكاديمية لتراجع قرارها وترشح بيتي دافيز عن دورها المستحق.

الحملة لم تنجح في ترشيح دافيز لكنها كانت سببًا في تغيير منهجية التصويت للأكاديمية. وفي السنة التالية فازت بيتي دافيز بالأوسكار عن فيلم من إنتاج وارنر بعنوان Dangerous (1935)، لكن دافيز لم تقتنع بالانتصار، وصرحت وقتها أنها تعتبر الجائزة “مجرد عزاء” من الأكاديمية عن خسارتها في العام السابق.

أنجح 10 أفلام في تاريخ هوليوود | حاتم منصور

ثورة فاشلة غيرت مسار بيتي دافيز

بعد سنتين، وصلت بيتي دافيز لنقطة الثورة على وارنر برازرز. ضربت بتعاقدها عرض الحائط، وهربت من كاليفورنيا إلى لندن لتمثل في فيلمين بريطانيين بعيدًا عن منظومة هوليوود.

لكن ستوديوهات وارنر طاردتها سريعًا أمام القضاء الإنجليزي، الذي حكم لصالح وارنر برازرز.

حينها، تعاطفت الصحافة والإعلام مع وارنر برازرز ضدها، ووصفوها بالجشعة الباحثة عن المال. صرحت بيتي دافيز وقتها بأنه لم يكن لديها خيارات. لو ظلت تحت رحمة وارنر سيتأثر مشوارها المهني سلبًا بسبب سياساتهم، ولو هربت سيكون مستقبلها المهني على المحك قانونيًا. في النهاية عادت إلى كاليفورنيا لتفي بشروط تعاقدها مع وارنر برارزر بموجب حكم القضاء.

كان المتوقع بعد هذا الموقف أن ينتقم جاك وارنر وقد أصبح في الموقف الأقوى. يستطيع أن ينهي كارير بيتي دافيز. يستطيع أن يمزقها.. لكنه فعل العكس!

استغل جاك وارنر الضجة التي أثارتها تلك القضية، ومن قبلها نجاح بيتي دافيز بالشخصية الكريهة في فيلم Bondage، وفكّر في إعادة تشكيل شخصيتها السينمائية وفق المستجدات، وقد أصبحت بيتي دافيز توحي للعوام بأنها سيدة مشاغبة وخائنة ومتسلقة، ومستعدة لخسارة سمعتها في سبيل المال، فاختار جاك وارنر أن يكون أول دور تجسده دافيز مع وارنر برازرز بعد القضية دور عاهرة في فيلم The Marked Woma، دور صعب ومختلف تمامًا عن طبيعة أدوارها السابقة، ونال أداؤها فيه إشادة كبيرة.

ليس ذلك وحسب. بعد تلك القضية بأقل من عام شهد مشوارها نقلة فنية كبرى، إذ انتزعت بيتي دافيز الترشح للأوسكار لخمس سنوات متتالية في أفلامها مع وارنر برازرز. فازت بأول جائزة منها عن دورها في Jezebel (1938).

bette davis Jezebel 1938

هوليود .. كاليفورنيا .. صعدت هربا من توماس إديسون .. لكنها تكاد تنسى | الحكاية في دقائق

الخلاص.. أوليفيا دي هافيلاند

التمرد – وربما الصدفة – لعبا الدور الأكبر في تملص موهبة تمثيلية عظيمة بحجم بيتي دافيز من عقد احتكار خانق ومكبل لطاقاتها. لكن المشكلة لم تحل جذريًا إلا بفضل النجمة أوليفيا دي هافيلاند – زميلة دافيز في شركة وارنر برازرز – والتي تعاقدت معها الشركة في 1936 لسبع سنوات وبنفس الشروط.

أوليفيا دي هافيلاند عانت نفس معاناة دافيز. لكن بعض الإعارات كانت تنقذها من حين لآخر. أشهرها إلى مترو جولدن ماير للعب أحد الأدوار في مشروعهم الأضخم Gone with the Wind (1939).

بعد المجد الذي حققه الفيلم، شعرت أوليفيا دي هافيلاند بمسؤولية تجاه جمهورها بانتقاء الأدوار، فرفضت طلبات وارنر برازرز لبعض الأفلام التي رشحها لها.

وارنر برازرز عاقبتها بحظر العمل على فترات متباعدة، حتى انتهى التعاقد في 1943. لكن الشركة رفضت إنهاء التعاقد، وادعت أنها مدينة لهم بستة أشهر كبديل عن فترات حظرها. هنا قاضت أوليفيا دي هافيلاند الشركة، وبررت رفضها للعمل ببعض أفلام وارنر برازرز بأنها “لم تكن تناسب قدراتها، أو تنبع من ضميرها الحي” لينتصر القضاء لموقفها.

أوليفيا دي هافيلاند لم تكن الوحيدة التي تحررت من شروط الاحتكار التعسفية. لكن هوليوود كلها تغيرت في هذا اليوم بفضل تمرد امرأتين.

أهم 10 أفلام عن الاغتصاب والتحرش والجرائم الجنسية | حاتم منصور

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك