احتكار البث | بتر الذاكرة.. حتى انتصارك سيتحول البحث عنه إلى عنصر إحباط | عمرو عبدالرازق

احتكار البث | بتر الذاكرة.. حتى انتصارك سيتحول البحث عنه إلى عنصر إحباط | عمرو عبدالرازق

19 Aug 2021
عمرو عبد الرازق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الصورة النمطية لبث المنافسات الرياضية العالمية تغيرت بشكل حاد فى العقدين الأخيرين. فمن أحقية الشعوب فى متابعة فرقها ومنتخباتها الرياضية، إلى أحقية شركات الإعلام فى احتكار البث الرياضي وتوزيعه “ظاهريًا” طبقا لآليات السوق والعرض والطلب. وتوارت الشعوب جانبًا!

فى أولمبياد طوكيو 2020. كانت متابعة الجماهير لفرقها الرياضية فى مصر وأغلب بلدان المنطقة يشوبها التوتر، وتداخل المواعيد، وغياب المعلومة الدقيقة لمواعيد البث والقنوات الناقلة. وظهرت طرق للتحايل لمشاهدة البث عبر بعض مواقع الإنترنت، التي اجتهدت فى نقل المباريات، تارة عبر بث قنوات بى إن سبورتس بشكل غير قانوني، وتارة عبر النقل من قنوات أوروبية بتعليق أجنبي.

وفى النهاية كان المشاهد المفتقد لأدوات الإنترنت وخدماته، والمفتقد للقدرة على سرعة المتابعة وملاحقة المواقع، فريسة منهكة أمام سطوة احتكار البث، لم تستطع تحقيق حدها الأدنى في المتابعة، وإن تحققت فبمجهود وتحايل يفسد عليه متعتها!

Urban Dictionary: Author kelamist

أرشفة الإنجاز

تتذكر الجماهير المصرية خاصة مشاهد تتويج كرم جابر بذهبية أوليمبياد أثينا 2004 أو أهداف منتخب مصر في بطولات أفريقيا، وقتما كان متاحًا بث المباريات أو مقتطفاتها وأهدافها في ما بعد! قبيل مرحلة احتكار البث الرياضي. تتذكر أهدافًا وانتصارات أقدم زمنيًا، أكثر من بطولات أحدث عهدًا.

لكن الجماهير لا يوجد بذاكراتها مباريات وأهداف هامة فى بطولاتها أو نتائجها، كمباريات المكسيك وبوليفيا بكأس القارات 1999 مثلًا، على أهميتها وروعتها، نظرًا لاحتكار حقوق بثها!

أهداف مصر فى مباراة البرازيل الشهيرة 2009، لا تذاع بقنوات مصرية، رغم أنها من أفضل المباريات التاريخية لمنتخب مصر. لكن بدلًا من أن تصبح ملكية للشعب، وعنصرًا من عناصر الفخر والتحفيز لأبنائه، صارت ملكية لأدراج بضعة أفراد كأنها إرث عائلي من حقها أن تبدده إن شاءت، أو زالت!

حتى أن الحكومة المصرية لجأت لإذاعة تلك المباراة بإحدى قنواتها، وقت تصاعد أحداث يناير 2011 كمحاولة لتذكير المصريين بتوحدهم وإنجازاتهم!

لعنة أولمبياد طوكيو | ألغته الحرب في 1940.. هل يلغيه كورونا في 2020؟ | الحكاية في دقائق

احتكار القيمة

في مقطع أرشيفي، يتحدث الفنان الراحل نور الشريف عن الفن والرياضة وذاكرة الشعوب.

يتناول دور الإعلام ووسائل السيطرة والتوجيه فيه للترويج لفنان أو لاعب بعينه، ومحو آخر عن خريطة المشاهدة!

كما تناول كثافة المعروض عبر الإنترنت بشكل مثير، بما يجعل المتلقي حائرًا لعدم قدرته على استيعاب المعروض أمامه، واضطراره فى اليوم التالي لمحو ما سجله بالأمس، نظرًا لمحدودية ذاكرته، واستعدادا لبدء تسجيل أحداث يوم جديد!

تناول ببراعة فكرة التجنيس بين الرياضيين، ومنح جنسيات دول لأفراد يلعبون تحت علمها وهم لا يستطيعون الحديث بلغة هذه الدولة!

التناول كان مدهشًا، خاصة في كونه قادمًا من زمان مضى!

ربما نجحت القنوات الرياضية الاحتكارية، كما تحدث نور الشريف، في خلق حالة لهاث استهلاكي، بشكل مواز للترويج بين الجماهير لقيمة التجنيس وسرد مسبباته بين الأفراد، لتحفيز حالة النقم واليأس بينهم.. فمن مشاهد لا يستطيع متابعة ترفيهية كانت متاحة بالمجان، إلى دغدغة مشاعره بأن الجنسية التى يحتمي بها، لن تمنحك ملايين نهبها لمن يتنازل عنها.. فنحن نمتلك كل شيء حتى الدين حماته يرعون بأرضنا!

حتى انتصارك عنصر إحباط

إن جيلًا قد نشأ على متغيرات وبدائل عبر الاحتكار الإعلامي الرياضي، جعلت أولوياته مختلفة.. الصوت الذى يرن فى آذانه ملازمًا للمتابعة الرياضية، هو صوت مزعج يصيح باستمرار محملًا بأطنان من السجع والجناس، لا علاقة لتعبيراته بالرياضة، بقدر ما هى تعبيرات مؤدلجة!

في السابق كانت أفضل المشاهدات الرياضية، تأتيك بنبرات واثقة هادئة تتيح لك الاستمتاع بالمباراة دون تدخل من المعلق – ميمي الشربيني- مثالًا، الآن صار المعلق اللاعب رقم 23، حتى أن كثيرًا من الاشتباكات الرياضية الجارية بين الجماهير، تأتي بأثر تعبير أو جملة من معلق، لا تنتهي آثارها بنهاية المباراة،

المعلق صار كأسًا على بار بين فردين.. يزيد من وهج المباراة، كتاجر يروج لبضاعته، وهو أمر ملائم لحالة الرهان التي تمارسها هذه القنوات لتفوز باحتكار المسابقات!

يختفي المشهد الرياضي المحفز للشعوب، فأنت مثلًا لا تعرف ملمح مسابقة رياضية واحدة، ضمن خمس مسابقات أداها بطلنا أحمد الجندي الحائز على فضية الخماسي الحديث، وليس لديك سوى صورة وحيدة له وهو على خط نهاية مضمار العدو، لا تتيقن هل هي من مسابقات طوكيو أم أنها صورة قديمة!

احتفاؤك بعزف النشيد الوطني المصري لانتصار بطلة الكاراتيه فريال أشرف، هو ملكية خالصة لقناة تحتكر البث، ورغم أنه متاح على قناة المحطة بموقع يوتيوب، إلا أنه يخرج بالمشهد من الذاكرة الجمعية للشعوب، إلى صدفة ومشاهدة عابرة، ستُمحى من الذاكرة بمجرد قدوم تريند جديد، حتى لو حاولت أن تقوم بتنزيله على جهازك، ستجد أن خاصية الداونلود غير مفعلة بأمر مالكي القناة.

فلقد تفوقت نعم، لكن عليك أن تنسى هذا سريعًا، فحتى انتصارك سيتحول البحث عنه لعنصر إحباط!

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك