لماذا لم ينقذ الله الطفل ريان؟ جدل إسلامي قديم بين المعتزلة والأشاعرة | هاني عمارة

لماذا لم ينقذ الله الطفل ريان؟ جدل إسلامي قديم بين المعتزلة والأشاعرة | هاني عمارة

6 Feb 2022
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بعد ترقب العالم خمسة أيام لمحاولات إنقاذ الطفل المغربي ريان الذي سقط في بئر سحيق في انتظار معجزة إلهية تنقذه، ومع الإعلان عن الوصول إليه وإخراجه وسط حالة من الفرح، لم تمض دقائق حتى تحول الأمل إلى صدمة كبرى مع الإعلان عن وفاته.

أثر الصدمة بدا في حديث الناس في الشارع ومنصات التواصل، الذي تحول إلى جدل (ديني/ لاديني)  فلسفي وجودي حول سؤال: لماذا لم يستجب الله لدعاء مئات الملايين من البشر وترك طفلًا صغيرًا ليتعذب ثم يموت ميتة مأساوية كتلك؟ 

أين عدله ورحمته في هذه الحياة؟ 

وهل يرضى بما يحدث ليتركه؟

هذا السؤال كان مطروحًا بقوة بين الأقدمين من متكلمي وفلاسفة المسلمين.

مسألة آلام الطفل وموته ومصيره تحديدًا كانت حاضرة بقوة في الجدل بين الفرق الإسلامية، خصوصًا المعتزلة والأشاعرة، في أكثر من مبحث من مباحث الاعتقاد. ولها أثر عميق في الاحتجاج.

وجوهر الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة هو العدل.

ولذلك يسمى المعتزلة بأهل العدل والتوحيد، فيعتبرون العدل قيمة مطلقة يتفرج منها الخير والشر والحسن والقبح. فكل ما هو خارج عن هذا الأمر في الكون ليس من فعل او ارادة الله. 

في المقابل، يعتبر الأشاعرة أن الله عدل ابتداءً. لكن عدله غير مشروط. فكل ما في الكون من خير وشر وجمال وقبح بإرادته ومشيئته ولا يقدح في عدله.

ومسألة الطفل تحديدًا هي التي دائمًا ما تعتبر الأكثر جدلية بين الفريقين، وأهمها ثلاث مسائل:  

1- فعل الأصلح: لو عاش لربما كان كافرًا

ورد في في سورة الكهف في قصة موسى والعبد الصالح، أنه لما قتل العبد الصالح الغلام، تعجب موسى من قتل نفس بريئة، ليكون الجواب من العبد الصالح أنه قتله خشية أن يتسبب في كفر والديه المؤمنين.
ولهذا يقول المعتزلة إن الله يفعل الأصلح، ويرى بعضهم أن ذلك واجب على الله لعباده. لذا قد يموت الطفل قبل البلوغ إذا علم أنه لو عاش لكان كافرًا. 

أما الأشاعرة فلا يوجبون على الله فعل الأصلح. وتروي قصص في كتبهم أن هذه المسألة تحديدًا كانت سببًا في تحول أبي الحسن الأشعري من مذهب المعتزلة إلى مذهب أهل السنة.

ونص القصة أن الأشعري سأل أبا هاشم: “ماذا تقول في ثلاثة: كافر، ومؤمن وصبي”. فقال الجبائي: “الكافر في النار، والمؤمن في الجنة، والصبي في الجنة”.

فقال الأشعري: “منزلة الصبي تكون كمنزلة المؤمن؟” رد الجبائي: “لا. فالمؤمن استحقّ منزلة أعلى بأعماله”.

فقال الأشعري: “فيقول الصبي يا ربّ: لِمَ لَمْ تحيني حتى أعمل مثلما عمل فاكون في منزلته؟”. فرد عليه الجبائي: “يقال للصبي لأن الله علم أنك لو بلغت لكفرت بعد ذلك، ففعل ما هو الأصلح لك أماتك قبل البلوغ”.

فقال الأشعري: “فيقول الكافر: يا ربّ فَلِمَ لَمْ تراعِ مصلحتي كما راعيت مصلحته”.

2 – إيلام الأطفال – ما ذنب الطفل حتى يتعذب ويتألم في الدنيا؟

هذا السؤال طرحه الأشعري في كتابه “الإبانة” احتجاجًا على المعتزلة، القائلين بالعدل والتحسين والتقبيح،  وأن الله لا يعذب إلا بتكليف، حيث إن الأشاعرة يجيزون لله أن يعذب بغير تكليف. 

ويرد المعتزلة على الأشاعرة بأن الله يعوض الطفل المتألم ثواب ألمه في الدنيا أو الآخرة. ذلك أن الألم عند المعتزلة أما بالاستحقاق؛ كعقاب للمجرم، وإما بالعوض بالثواب،

وعليه يفسرون ألم الطفل بعلة قالوا فيها إنها تحمل مصلحة “اعتبار المكلفين والتنبيه لهم”.

3 – مشيئة الله ومعضلة الشر : كيف يترك الله الشر والكوارث في العالم؟

يرى الأشاعرة أن قدرة الله مطلقة، وأن كل ما يحدث في الكون من خير وشر بإرادته ومشيئته. 

يروى أنّ شيخ المعتزلة القاضي عبد الجبار الهمداني دخل على الصاحب ابن عباد وعنده الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائنيّ، شيخ الأشاعرة، فقال عبد الجبار: “سبحان من تنـزّه عن الفحشاء”. فرد أبو اسحاق: “سبحان من لا يجري في ملكه إلاّ ما يشاء”.

ويعلق الفخر الرازي في تفسيره على القصة قائلًا: “قال أهل السنة إنا نحمد الله ونكبره ونعظمه على أن يُجري في سلطانه شيئًا لا على وفق حكمه وإرادته، فالكل واقع بقضاء الله وقدرته ومشيئته وإرادته. وقالت المعتزلة إنا نكبر الله ونعظمه عن أن يكون فاعلًا لهذه القبائح والفواحش، بل نعتقد أن حكمته تقتضي التنزيه والتقديس عنها وعن إرادتها”.

ويرى المعتزلة أن الشر نوعان:

شر حقيقي من فعل الإنسان، ولا يوصف الله بخالق لها، وهو مناط الثواب والعقاب،

وشر مجازي مثل الكوارث الطبيعية والأمراض، فهي من خلق الله ولا تدور إلا بإرادته، لكنها ليست شرًا في حقيقتها، وإنما بالمجاز. 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك