هل يصح هذا من نقابة الصحفيين المصرية؟ | خالد البري

هل يصح هذا من نقابة الصحفيين المصرية؟ | خالد البري

6 Apr 2023
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يقدم المجلس الجديد لنقابة الصحفيين المصرية نفسه إلى الرأي العام باعتباره مجلس الدفاع عن الحريات. وهكذا يقدمه أنصاره من الصحفيين بثقة واطمئنان وتفاخر. كلاهما يستغل مفهومًا شائعًا يخلط بين أن تكون معارضًا وأن تكون نصيرا للحريات. وآخر يخلط بين الحريات السياسية المستدعى ذكرها في أي صراع بين سلطة ومعارضة، وبين الحريات الأساسية التي يحتاج إليها المواطن العادي لكي يشعر أنه مواطن في بلده.

كنت أحسب أننا تعلمنا هذا الدرس بعد 2011، وقد سمعنا بآذاننا من عاشوا أعمارهم يقمعون حرياتنا في محل السكن والجامعة والحي، ويدعون إلى ذلك من ميكروفونات المساجد وفصول المدرسة ومطبوعات الجماعة، ويستخدمون اليد واللسان والتحريض لحمل المواطنين العاديين على الإذعان، سمعناهم ورأيناهم وهم يقدمون أنفسهم بوصفهم أنصار الحريات. ورأينا اليسار المصري في شقه الأكبر يتحالف معهم. وبالتالي رأينا أيضًا داعميهم في اليسار العالمي وهم يغمضون أعينهم عما يعرفونه ونعرفه، ويتواطؤون على تقديمهم إلى العالم بهذه الصفة، إلى الدرجة التي جعلت صحيفة بريطانية مرموقة تضع صورة لعاصم عبد الماجد يخطب من منصة رابعة. وفي التعليق المصاحب للصورة تقول إن هذا جانب من اعتصام “أنصار الديمقراطية” في مصر.

في الأخير هؤلاء أجانب، فلن نتوقف عندهم.

لكن ما عذر قيادات صحفية محلية إذ تضع على قائمة المجلس الجديد شخصًا خرج على تليفزيون أرضي، مجاني، يراه المواطنون كافة، لكي يحرض على قتل مواطنين مصريين بهائيين باعتبارهم مرتدين. كيف يكون مجلس أنت به نصيرًا للحريات! هل للحرية، أو لأي قيمة أخرى في الوجود، معنى في غياب احترام حياة المواطن، وحرية المواطن في اختيار عقيدته، وحرية من ولد على عقيدة بأن يتمسك بها؟!

مجلس نقابة الصحفيين الحالي يكمل إذن مسيرة اليسار في تذيُّل الإسلامجية المتعصبين. بعد ٢٠١١ اكتشفنا أن هذا لم يكن جديدًا. أن تحالفه مع جماعات الإرهاب بدأ من قرن تقريبًا، في حزب العمال الاشتراكي الإسلامي القومي، المتهم الرئيسي في حريق القاهرة، ثم في التمهيد لاغتيال السادات وبعدها تبريره، ثم في حزب العمل الاشتراكي/الإسلامي، والحركات الأخرى التي سبقت ٢٥ يناير وتلته.

علام يراهن هؤلاء الصحفيون في تحالفهم مع مروجين للقتل؟ لا إجابة. لماذا لا يشعر المجلس بالخزي لأن بين أعضائه محرضًا على القتل؟ لا إجابة. لماذا لا يخشى مجلس لنقابة نخبوية، لمهنة هي المعنية الأساسية بمسألة الحريات، من التأثير السلبي لوجود عنصر يقوض القيم المعلنة للمهنة؟ لا إجابة. ليس لتعذر الإجابة بل لأنها متشعبة فكريًا وطبقيًا وتاريخيًا وثقافيًا.

القيمة الأخلاقية عند اليسار لا تقاس بالفلسفة، نظرية أم تجريبية. إنما تقاس بمردودها المباشر. وعدد مؤيديها الآنيين. يفسر هذا لماذا صار اليسار في المنطقة محيرًا. لدينا الآن يسار سياسي، يدير وجهه نحو السائد من أفكار محليًا، ومستعد للتحالف مع أسوأ الأفكار إن مكنته من تحقيق مكسب مباشر. ويسار ثقافي، وهذا يدير وجهه نحو الرائج من الأفكار خارجيًا، لكي يكون وكيل التوزيع محليًا. كيف يتعايش هذان الطرفان معًا؟ من أين لهما هذا التسامح الساري بينهما؟ لا أحد يعلم.

وهذا منعكس بدقة في خريطة منتسبي الصحافة. ومنعكس بالتالي في القائمة التي يقدمها اليسار لكي يحصل على أصوات الذين لا يرون في القتل على العقيدة مشكلة. ولا تتعجب إن رأيت نفس المجموعة الداعمة لهذه القائمة في الصباح هي نفسها التي تقود في المساء حملة لمكافحة “العنف ضد المرأة”. ولا تتعجب أيضًا إن رأيت ”داعمي الحريات“ في الصباح، يرفضون في المساء التوقيع على قانون يكافح جريمة الختان.

الصحافة بطبيعتها تمنح الصحفيين سلطة عظيمة. ومن ثم تحتاج إلى قدر أكبر من النزاهة ونكران الذات ومراجعة النفس. وإلا – لو اختلطت هذه السلطة العظيمة بالبجاحة – فالنتيجة أن تعمى، وأن تصبح أداة في ترويج الأخطاء الذاتية. وفي مقايضة الغرض السياسي مقابل تجميل وجه الأفكار الإرهابية وأصحابها.

وما يزعجني هنا بشكل أكبر أن التبجح فردي. لا يحاول أن يتوارى في زحمة التصويت الجماعي. بل يخرج الصحفي أو الصحفية متباهيًا، هاؤم انظروا اختياري. موحيًا بأن المختار والمختار، الفاعل والمفعول، مستحقان الاحتفاء. يحرمنا حتى من خجل عاصري الليمون حين اختاروا التحالف مع إرهابيين. هل يعقل أن كل هؤلاء الأفراد، وبعضهم أصدقاء أعزاء، على استعداد للتباهي بمدح مجلس حرض أحد أعضائه على قتل أناس على عقيدتهم؟ كل هؤلاء لا يخشى الواحد منهم من ردة فعل، ولا نقصان مكانة، بسبب تعزيز نفوذ شخص حرض على مواطنين مصريين؟

كلما رأيت صحفيًا يمدح هذا المجلس تذكرت ٢٠١١، وكيف اكتشفنا أننا واقعون تحت هيمنة إسلامجية متخفين، تسللوا إلى مهنة الصحافة حتى سيطروا عليها. ستجد نفس الأصوات المنشغلة بمحاربة معارضي الإسلامجية وسط صفوف الكتاب والإعلاميين، هي نفسها الملمعة لوجوه الإسلامجية، المادحة لوجودهم في مراكز مؤثرة.

في الأخير، يعود هذا كله إلى عوار فكرة النقابة في مجتمعاتنا. تحول النقابة من هيئة دفاع عن منتسبي المهنة إلى فرع من السلطة، يخرج بها عن دورها، ويحولها إلى جناح كأجنحة الحزب الشيوعي السوفييتي. يملك سلطة اختيار من يُعترف به من الصحفيين ومن لا يُعترف به، فيحول النقابة إلى غنيمة. وفي نفس الوقت يمجد نفسه بأنه معارضة مناضلة. وضع يذكرني بحكام حزب البعث، يمارسون القمع، وتحتفي بهم الجماهير بوصفهم أنصار التحرر، ومناهضي الإمبريالية العالمية.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك