السؤال المتكرر الذي يردده ملايين بانتظام في المنطقة العربية، جزء ثابت من مدرسة المقارنات الاستنكارية المستمرة بخصوص أي شيء وكل شيء.
عمرو دياب يسبق 500 نجم في أولى قوائم فوربس مشاهير الشرق الأوسط | إنفوجرافيك في دقائق
هذه المدرسة تريد دومًا نتائج الغرب، دون أي تغيير أو مساس بمعطيات ومدخلات المعادلة في الشرق. وترى نفسها الضحية رغم أنها أصل الداء والمشكلة، والسبب الرئيسي في (أننا ليس مثل الغرب الناجح).
لكن قبل أن نبدأ جولتنا هنا مع 3 شخصيات وقصص خلال الفترة الماضية تصلح للإجابة على السؤال، نحتاج أولًا للتوافق على تعريف ما لمصطلح الفن الراقي.
حرية التعبير في الجامعات | صرخة ترامب تلاحق اليسار في أوروبا | س/ج في دقائق
في الغرب الذي نستخدمه دومًا للمقارنة، يمكن ملاحظة إجابات مختلفة عن الشرق فيما سبق.
إجابات ملخصها أن الفن هناك لا يخبر الجماهير أنهم على صواب في كل شيء. وأن الفنان لا يحيا بالضرورة بنفس القناعات السائدة في مجتمعه، وإلا تعرض للنفي والازدراء خارج نطاق النجومية.
إجابات ملخصها أيضًا أن مساحة حرية الفكر والتعبير، تشمل أن يطعنك الفنان كمتلقي، ليس فقط بما يخالف رأيك في أبسط القضايا وأقلها حساسية، بل أيضًا بما تعتبره (استهزاء بقناعاتك – إهانة لمقدساتك.. لإلخ).
هل انتقاد الأديان ضار للمجتمع؟ 5 أسباب تقول العكس | حاتم منصور
في الحقيقة، تسير الأمور في الغرب حاليًا بشكل مضاد لتفضيلات المتلقي، بخصوص أفكار الرقابة والتسلط، بعد أن أصبحت ثقافة الإلغاء تتحرك لخدمة الوجهة التي يريدها ويحددها الوسط الفني والإعلامي، وليس الجمهور.
ثقافة الإلغاء المعاصرة لا أعتبرها مفيدة على أي حال أو أشيد بها هنا، بل هى في الحقيقة أسوأ ما أنتج اليسار والإعلام للغرب في الفترة الأخيرة، لكن المفارقة السابقة تستحق الذكر، على ضوء المقارنات المستمرة بين الغرب والشرق.
ثقافة الإلغاء | اليسار خارج السلطة يمارس هوايته في القمع | تعريفات في دقائق
وللمقارنة عمليًا، فلدينا مؤخرًا 3 قصص ومواقف تخبرنا بما هو أكثر:
لأ أدري حتى اليوم ما الجريمة. لدينا نجمة تمارس ما تمارسه النجمات في باقي العالم: التسويق لشركات الأزياء ومستحضرات التجميل من ناحية. والتسويق لنفسها كأيقونة الموضة والأناقة التي يجب أن تقصدها هذه الشركات من ناحية أخرى.
ياسمين صبري – سيدة المطر | مشهد معقد في واقع أكثر تعقيدًا | عمرو عبد الرزاق
وبالتأكيد لم تسرق ياسمين صبري ثروتها من الباعة الجائلين، وليست مسؤولة عن فقر منتشر بسبب وعي عام متدنٍ يشجع الفقراء وأصحاب الدخول الضعيفة على إنجاب العشرات، ويضاعف أعدادهم وأزماتهم بمتوالية هندسية.
لكن، في مجتمع مصاب بثقافة يسارية وإسلامجية تحرص على تقديم فقرة البكائيات والصعبانيات، عن الأغنياء الذين لا يشعرون بالفقراء، واللا عدالة في توزيع الثروات.. إلخ، ويكره أيضًا الفن ويصنفه كعهر أحيانًا، كان من المنطقي أن تصبح ياسمين صبري هدفًا للنيران.
التمييز ضد الأغنياء | عزيزي المواطن احذر.. أنت في مجتمع العنطزة والنفسنة | محمد زكي الشيمي
وكان من المنطقي أيضًا أن ترد هى بهجمة مرتدة سجلت فيها الهدف الذي ينتظره جمهورها، فاستضافت سيدة المطر الموجودة في الصورة، وتعهدت بمساعدتها ماديًا لتصبح سريعًا على السوشال ميديا (الإنسانة ياسمين صبري).
جدير بالذكر أن للسيدة المذكورة ابن لا يعمل، ورغم ذلك صمم على الزواج مرتين وأنجب ثمانية أبناء، وغالبًا ينوي زيادة العدد.
وأنها طلبت خلال لقاءاتها الإعلامية، مساعدة مالية من الدولة، لبناء دور إضافي في منزلها الريفي لابنها الآخر سيئ الحظ الذي لم يتزوج بعد، ولم يمارس حقه الإنساني النبيل في إنجاب 8 أطفال آخرين، غير قادر على الإنفاق عليهم.
هل تصل مصر إلى الخطوة الأولى في الإصلاح الاقتصادي؟ الإجابة في فيديو جيم | خالد البري
وأنك كمواطن حنون وطيب، يجب أن تشعر بالغضب من ياسمين صبري، رغم أنها تمثل في القصة الطرف الذي لا يطالب بأموالك للإنفاق على اختياراته ونمطه المعيشي.
أزمتان أثارهما الإعلام، أولهما لفنان شاب، والأخرى لفنان بدأ شهرته في الثمانينيات، ويجمعهما هوس إعلامي واحد مضمونه (لا للتطبيع).
40 عامًا من معاهدة السلام.. ماذا واجه السادات؟ وماذا جنت لمصر؟ | س/ج في دقائق
الطريف هنا بعيدًا عن صحة تصنيف هذه المواقف أصلًا كمساندة للتطبيع، أن نفس الفئات الإعلامية والسياسية التي تطالب ليل نهار بالمزيد من الحريات للفكر والرأي، لم تتردد في مباركة عقوبات نقابية وإعلامية لمحمد رمضان، والتلميح لضرورة فعل نفس الشيء مع محمد منير.
باختصار: أصبح الرفض العادي لهذه المواقف والتصرفات من النجمين، وإبداء الرأى العكسي لا يكفي.
المطلوب دائمًا وأبدًا سكينة ما يمكن بها ذبح من يجرؤ على إبداء موقف داعم للتطبيع والسلام.
الفنان والكراهية والتطبيع | أسئلة مشروعة قبل إعدام محمد رمضان | أمجد جمال
والسؤال المحير: إذا وضعنا في يد السلطة هذا السكين، سواء كانت يد جهات تنفيذية مثل وزارة الثقافة، أو يد جهات نقابية مثل نقابتي الممثلين والموسيقيين، فهل من المنطقي أن ننتظر في نفس الوقت، مناخًا فنيًا وسياسيًا يسمح للفن بتقديم انتقادات لهذه السلطات؟!
ماذا عن الفن الذي سيخالف مثلًا ما يعتبره آخرون من ثوابت المجتمع – الدين – قيم الأسرة المصرية.. إلخ من المصطلحات المطاطة التي يستخدمها كثيرون، لجرجرة المخالفين لرأيهم للمحاكم والسجون؟
وما هي نوعية الإسهامات الفكرية المنتظرة من الوسط الفني والاعلامي، طالما قرر المجتمع – ومعه سلطات الدولة – أن لدينا بالفعل رأيًا سليمًا ونهائيًا في كل القضايا والمواقف، ولا نحتاج للتسامح مع أصحاب الصوت المخالف؟
مراسلات السلام | ساسون سوميخ.. الإسرائيلي الذي صنع عالمية نجيب محفوظ | مينا منير
وما هو التكوين الابداعي والأخلاقي المنتظر لنجوم المستقبل، ما دام الدرس الأول والأخير الذي يتابعونه يوميًا حاليًا هو: اكذب ونافق ولا تخبر جمهورك بما يخالف قناعاته، وعامله دومًا كطفل صغير ساذج غير مؤهل للتفكير أو التغيير، لكنه يملك بعض المال الذي يمكن انتزاعه.
ليست صدفة بناءً على كل ما سبق، أن يغلب على أعمالنا الفنية طابع الاستسهال والرخص، وألا تقدم جديدًا. وأن أغلب نجومنا من مدعي الفن، وأن لقاءاتهم تعج دومًا بفقرات شعبوية من نوعية:
لا أعلم بالمناسبة ما الشجاعة التي يراها البعض في ترديد عبارة لا تُعرض صاحبها لأي ضرر، وسائدة أصلًا في المجتمع؟!
الشجاعة الحقيقية على حد علمي هى التصريح بما يخالف الجموع، أو ما يعرضك لخسائر وعقوبات!
بعيدًا عن الحوارات العبثية.. 7 أسئلة لرافضي سلام الإمارات وإسرائيل | محمد زكي الشيمي
وصلنا للنهاية وهو ما يعيدنا لسؤال البداية:
الإجابة قد تكون أننا نحصد ما نستحقه لا أكثر ولا أقل، بناءً على ما نقدمه من معطيات ومدخلات، وأن النتائج عادلة جدًا معنا مهما زعمنا العكس في الشرق الأوسط.