باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
أكثر ما يلفت نظر من يطالع القرآن الكريم، خصوصًا قسمه المكي، هو كثرة ورود اسم النبي موسى وتكرار قصته مع “فرعون” في عدة مواضع، وبصيغ مختلفة، تتفاوت في التفاصيل
القرآن يشبه كثيرًا أعداء النبي محمد من مشركي قريش بفرعون، ويتوعدهم بنفس المصير “كدأب آل فرعون والذين من قبلهم”،
والسيرة تستحضر قصة النبي موسى في عدة مواقف،
منها مثلًا قول الصحابة للرسول في بدر: “لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ولو بلغت بنا برك الغماد ما تخلف عنك أحد. ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى: “اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ” ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون”.
وفي حنين، عندما وجد الصحابة المشركين يقدسون شجرة يعلقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، قالوا للنبي محمد: “يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط”، فقال النبي: “الله أكبر، إنها السنن. قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لنبيهم موسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. لتركبن سنن من كان قبلكم..”.
ولما خرج الرسول في غزوة تبوك، استخلف علي بن ابي طالب، فقال علي: أتخلفني في الصبيان والنساء، فقال الرسول: “ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ لما قال “اخلفني في قومي”.
ومن يدقق السيرة جيدًا، يجد تشابهًا ملفتًا في مسار الأحداث بين قصة النبي موسى وسيرة النبي محمد، تصل أحيانًا إلى بعض التفاصيل الدقيقة.
ولما كان الحدث الأساسي الفارق في القصتين مسألة الهجرة (أو الخروج) وإقامة الدولة، نذكر سبعة تشابهات في الأحداث المتعلقة بهما في القصتين:
في قصة خروج النبي موسى كانت هجرته الأولى بحسب التوراة إلى مديان. لكن المصادر اليهودية الأخرى مثل “سفر ياشير” تذكر أنه هرب من مصر بعدما طاردوه لقتل المصري، أولًا إلى بلاد الحبشة. وهناك وجد ملك الحبشة مخلوعًا بعدما تآمر عليه أحد قادة جيشه مستغلًا خروجه لحرب إحدى المناطق المتمردة، فدبر انقلابًا وأطاح به، فعسكر الملك بما تبقى من جيشه على الأطراف؛ تمهيدًا لإعادة دخول المملكة واستعادة ملكه.
ولما جاءه عرف أنه الأمير المصري موسى، فقربه منه، وعينه قائدًا لجيشه واستعان به في إعادة بناء الجيش ثم استعادة المملكة نفسها.
وبعد أحداث طويلة، لا مجال لذكرها، يخرج النبي موسى من الحبشة هاربًا، ليقيم عند أحد الكهنة، ويتزوج ابنته، ويقضي هناك بضع سنوات، قبل أن يعود إلى مصر، لتنتهي هجرته الأولى. (رابط القصة لمن أراد التفاصيل).
وفي الإسلام، خلال الفترة المكية، عندما اشتد الأذى بالمسلمين، هاجر قسم منهم الى الحبشة بإذن من الرسول، الذي قال لهم: “فيها ملك عادل لا يظلم أحدًا”. وعندما وصلوا الحبشة، وجدوا الملك يتعرض لمحاولة تمرد ويوشك على خوض مرتقبة مع أحد قادة جيشه، فناصروا الملك، فانتصر واستتب ملكه، وأكرمهم، ووفر لهم الحماية حتى عادوا إلى مكة.
10 قصص محكية عن النبي موسى .. أين الحقيقة وأين الأسطورة؟ | الحكاية في دقائق
في قصة النبي موسى، بعدما اشتد الأذى ببني إسرائيل، أمرهم الله بالخروج من مصر. وجرى الخروج سرًا في الليل، كما تذكر التوراة والقرآن.
وحاول فرعون وجنوده منعهم، وطاردوهم.
كذلك كانت هجرة النبي محمد والمسلمين الذي آمنوا بدعوته من مكة إلى المدينة سرًا، وحاول المشركون منعهم، وطاردوهم، كما تذكر مصادر السيرة.
الإسراء والمعراج | خلافات المفسرين حول 6 تفاصيل أساسية في رحلة النبي محمد | عبد السميع جميل
خروج النبيين محمد وموسى لم يكن سهلًا في القصتين؛ فكلاهما تعرض للمطاردة، حتى تمكن العدوان من اللحاق بهما، لتتدخل المعجزة الإلهية لإنقاذهم وإكمال مسار الهجرة.
في خروج النبي موسى كانت المعجزة، فظهرت العصا وشق البحر، وغرق فرعون وجنوده.
وفي السيرة النبوية، تذكر بعض كتب الأحاديث، كالطبري ومصنف عبد الرزاق ومسند أحمد، أن المشركين لما طاردوا النبي محمد، وبلغوا الغار الذي يختبئ به، وجدوا عليه عنكبوتًا قد نسج خيوطه، واستبعدوا أن يكون فيه وانصرفوا.
وزادت بعض المصادر وجود حمامتين بفم الغار، كما في طبقات ابن سعد والبيهقي في الدلائل ومعجم الطبراني ومسند البزار والفاكهي في أخبار مكة.
صولجان المسيح | هل رأى معاصروه يسوع ساحرًا؟ وما علاقتها بعصا موسى؟ | ترجمة في دقائق
بعد عبور النبي موسى وغرق فرعون، تذكر التوارة احتفال مريم النبية، أخت هارون، ونساء بني اسرائيل بقيادة الرقص والغناء بالدفوف.
جاء في سفر الخروج: “فأخذت مريم النبية أخت هرون الدف بيدها. وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص. وأجابتهم مريم: رنموا للرب فإنه قد تعظم… الفرس وراكبه طرحهما في البحر.
أما في السيرة النبوية، تروي القصة الشهيرة التي نقلها البيهقي في الدلائل عن هجرة النبي محمد أن عائشة قالت: “لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:
طلع البدر علينا … من ثنيّات الوداع
وجب الشّكر علينا … ما دعا لله داع
ويذكر ابن ماجه في سننه وبعض كتب السيرة، أن النبي محمد في هجرته مر ببعض المدينة، فإذا هو بجوار يضربن بدفهن، ويتغنين، ويقلن:
نحن جوار من بني النجار … يا حبذا محمد من جار
فقال لهم: (الله يعلم إني لأحبكن).
عاشوراء السني.. ولغز انتصار موسى على فرعون | هاني عمارة
تذكر التوراة تنصيب هارون كاهنًا من سبط لاوي قبل دخول الأرض الموعودة، بعد اختيار نقيب من كل سبط من الأسباط الاثني عشر، ووضعه عصا امام الهيكل، فاختار الله عصا هارون التي أنبتت وأزهرت، فبايعه الإسرائيليون بالكهانة له ولذريته من بعده. وقد أشار القرآن لهذه القصة: “ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا”
وفكرة النقباء قبل هجرة النبي محمد استحضرها المسلمون من الأنصار في بيعة العقبة، حيث جاء مصعب بن عمير ومعه 12 نقيبا يمثلون بطون الأوس والخزرج، حيث بايعوا النبي محمد عند جمرة العقبة، في بيعة العقبة الأولى.
ألغاز تراثية (4) – بين الموسوية والمسيحانية.. مفارقات في تاريخ وفاة النبي محمد | هاني عمارة
بعد استقرار النبي موسى وبني إسرائيل في البرية بعد الخروج، أمر الرب موسى ببناء معبد لإقامة الطقوس الدينية، وسمي بالمسكن أو خيمة الاجتماع.
وقد استفاضت التوراة في وصفه وطريقة بنائه.
أما بعد هجرة النبي محمد بأسبوعين، فقد شرع في بناء المسجد، ليكون مقر حكمه، ومكان الصلاة.
وتسهب كتب السيرة كذلك في ملابسات وتفاصيل طريقة بناء المسجد النبوي.
بعد خروج موسى وصعوده الجبل تلقي الألواح وفيها الشريعة اليهودية وكذلك بعد هجرة محمد بدأ التشريع فرضت الصلاة والزكاة والصوم ونزلت الآيات التشريعية في القرآن المدني.
ألغاز تراثية (3): بين معراج النبي محمد و معراج النبي موسي.. لغز ليلة 27 رجب | هاني عمارة