هي منطقة سكنها اليونانيون منذ قديم الأزل، تقع في إقليم الأناضول الذي كان حينها تابعًا للإغريق وهو اليوم أصبح جزءًا من تركيا المعاصرة.
نالت هذه المنطقة هذا الاسم من قبيلة الأيونيين، وهم إحدى القبائل اليونانية الأربعة، وهي بحسب التقسيم الإغريقي القديم: دوريان، إيولايانس، آخيانو، إيونيانس.
اتخذت تجمعات الأيونيين العلمية شكلاً دينيًا في أول الأمر، من خلال عقد اجتماعات دورية لعبادة إله الشمس أبولو، على هامش هذه الاجتماعات جرت نقاشات حرة حفّزت العلماء على وضع العديد من النظربات العلمية المعتبرة.
استوطن الأيونيون 12 مدينة في هذا الإقليم، أشهرها: ساموس وهاليكارناسوس وميليتس.
لم تقصر ميليتس ارتباطها الثقافي على الأناضول وإنما درست أيضًا حضارة مصر وبلاد ما بين النهرين، ما جعلها مركزًا ثقافيًا عالميًا ولُقّبت بـ”جوهرة أيونيا”.
بفضل التبادل التجاري، احتك الأيونيون بالثقافيتن المصرية والبابلية. البابليون القريبون من الأناضول امتكلوا حضارة عريقة اهتمت بالحسابات الرياضية، وحققت فيها تقدمًا كبيرًا، حاول البابليون تسخير هذه البراعة الرياضية في تحليل ظواهر الفلك بدلاً من الاكتفاء بالاعتقاد بأن ظهور المذنبات أو لمعان النجوم تقع بأوامر الآلهة.
بداية من القرن الـ6 ق.مـ عاش في ميليتس العديد من الفلاسفة البارزين، مثل: طاليس، أنكساغوراس، ديوجين، أرخيلاوس، وفيثاغورس، استفادوا من هذه الآراء وحاولوا تطبيقها على كافة العلوم الآخرى.
اعتمد الأيونيون على ما درسوه من علوم فيزيائية، مثل: الهندسة والفلك والجغرافيا لتفسير ظواهر الكون بدلاً من الطريقة اليونانية القديمة في الاعتماد على الفلسفة، أو الاهتداء بالتفكير النظري المجرد.
فلقد اعتنق العلماء الأيونيون منطق أن الكون له نظام داخلي يُمكن فهمه من خلال الملاحظة والتفسير. لذا اهتمّوا باكتشاف القوانين الأساسية التي تحكم الظواهر الطبيعية بدلاً من نهج الفلاسفة في تفسيرها عبر الاعتماد على الأساطير الدينية والجدل.
توصل علماء أيونيا إلى عددٍ هام من النظريات الفيزيائية مثل العلاقة بين طول الأوتار في الآلات الموسيقية والأصوات الناتجة عنها، فيثاغورس هو واضح أصول الأوكتاف، أو السلم الثماني، الذي نستخدمه إلى اليوم.
وأيضًا قوانين الروافع التي شرحها أرشميدس بالتفصيل، والتي نستخدمها حتى اليوم في نقل الأوزان الثقيلة. أرشميدس واضع قانون الطفو، الذي يحكم صناعة السفن.
و توصل ديموقرطس إلى أن كافة الأجسام على الأرض مكوّنة من ذرات تتحرك حول نفسها.
كما أيّد أريسطرخوس الفكرة القائلة بأن البشر مجرد سكان عاديين على الكوكب وليسوا محور الكون، و أجرى معادلات رياضية معقدة أثبت بها أن الأرض ليست مركز الكون وأنها تدور حول الشمس مثلها مثل باقي الكواكب، وتبنى أن النجوم التي نراها في السماء ليست إلا شموس بعيدة.
على نفس النهج، رفض الفيلسوف طاليس التفسير “الأسطوري” لظواهر طبيعية مثل البرق والزلازل والرعد باعتبارها “من أفعال الآلهة”، وإنما سعى لتفسير كافة هذه الظواهر منطقيًا، فكان أول من فسّر الزلزال بأنه ارتجاج للأرض وحاول وضع مبررات فيزيائية منطقية لظهور الرعد والبرق.
لسوء الحظ، لم تستمر جهود الأيونيين في تحديد القوانين العامة التي تحكم الطبيعة أكثر من قرون معدودة
السبب الرئيسي وراء ذلك هو الحرب التي شنّها فلاسفة اليونان على هذه الأفكار، حيث اعتبروا انها تتعارض مع مفهوم تدخل قوى علوية لحُكم العالم.
الفيلسوف أبيقور انتقد هذا النهج بشدة وقال عنه “من الأفضل اتّباع خرافات الآلهة على أن نُصبح عبيدًا للمصير الذي يقول به الفلاسفة الطبيعيون”، كما رفض أرسطو المفهوم الأيوني لتكوّن المواد من ذرات لاعتقاده إنه يتعارض مع مفهوم الروح الإنسانية.
و كانت معارضة الفلاسفة لفكرة أن الإنسان والأرض ليسا مركز الكون أثرًا في إهمالها لسنوات طويلة حتى أعيد إحياؤها على يدي جاليليو لاحقًا.
التصميم العظيم: إجابات جديدة على أسئلة الكون الكبرى، ستيف هوكينج (كتاب)
العلماء الأوائل: الفلاسفة اليونانيون في إيونيا
أصول الفلسفة، كوجين كاراتاني (كتاب)
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
