بارعة علم الدين صحفية وكاتبة لبنانية مقيمة في لندن. وهي والدة المحامية أمل علم الدين (أمل كلوني)
المياه تنفد والعطش يقترب من إيران. الماشية تموت، والمحاصيل تتلف، خصوصًا مع تزامن نقص المياه مع ارتفاع درجة الحرارة.
وبسبب الظمأ واليأس، يخرج الناس إلى الشوارع للاحتجاج، أولاً في خوزستان ثم في جميع أنحاء إيران.
وكالعادة أخمدت قوات النظام عطشهم بالذخيرة الحية.
وسط هذا الواقع المرير الوحشي، يخرج المرشد الأعلى علي خامنئي، لأول مرة على الإطلاق، دون محاولة إلقاء اللوم على إسرائيل وأمريكا، معترفًا أن مشكلات المياه ضمن نطاق مسؤوليته.
المرشد الأعلى تعامل بسخاء هذه المرة قائلًا: “لا يمكننا أن نلوم الناس حقًا”. مع ذلك، لم يوضح لماذا فتحت قواته النار على المحتجين في إيران بسبب العطش.
إيران فقدت أهم أسلحتها .. الوقاحة.. لهذا اقترب سقوط دولة آيات الله | ترجمة في دقائق
ليس جديدًا على النظام في إيران أن يواجه أي محاولة للمعارضة بالإعدام، إن لم يكن ميدانيًا في الشارع، فبتهم ملفقة لاحقًا.
لكن الجديد هذه المرة أنه وجه رسالة مسبقة لمن يحاول التظاهر: سنعمل على ألا تجد من يدافع عنك، ولا حتى في الخارج.
حين أعدموا المصارع البطل نفيد أفكاري، بعد مشاركته في احتجاجات 2018، تحول إلى أيقونة شعبية؛ فعمد النظام لاضطهاد أسرته وسجن شقيقيه لمدد خيالية؛ وصلت إلى 54 عامًا، والاعتداء على والدته، وتدمير نصب تذكاري وضعه معارضون في مكان دفنه.
لكن الخطوة الأكبر كانت مطاردة المخابرات الإيرانية لأكبر المدافعين عن أفكاري، الصحفية الإيرانية الأمريكية مسيح علي نجاد، التي غردت ضد المرشد الأعلى شخصيًا: “أنا أبصق على روحك العفنة”،
ليكشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في يوليو 2021 أنها كانت هدف مؤامرة إيرانية معقدة لاختطافها وإعادتها إلى طهران التي استأجرت محققين أمريكيين خاصين للتجسس عليها.
وفي الداخل، وصفتها الميديا الإيرانية بالجاسوسة والمدمنة والمغتصبة، وضايقت المخابرات أسرتها، بما دفع أختها للتبرؤ منها على شاشة التلفزيون، وإجبار والديها على مطالبتها بمغادرة أمريكا إلى تركيا من أجل “لم شمل الأسرة”.
محاولات كتم الصوت طالت حتى بي بي سي فارسي ومقرها لندن: ثلاثة أرباع الموظفين أبلغوا عن مضايقات طالت أسرهم التي لا تزال تعيش في إيران، بخلاف تهديدات بالقتل، مصحوبة بتقديم ضباط المخابرات الإيرانية لأنفسهم بأسمائهم وأرقام هواتفهم.
أسد الله أسدي | “الدبلوماسي” الذي أدار شبكة جواسيس إيران في أوروبا | س/ج في دقائق
منعت إيران إمدادات المياه عن المحافظات الشرقية في العراق، مما تسبب في أزمة هناك تهدد بوقف إمدادات الكهرباء عن هذه المناطق.
وتحذر اليونيسف من أن نظام المياه في لبنان كذلك على وشك الانهيار التام، نتيجة لإخفاقات منهجية لنظام حكم فاسد يحتكره حزب الله وحلفاؤه.
المواطنون اللبنانيون مفلسون بالفعل ويتضورون جوعًا.
يعيشون في الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي لا نهاية له، ويجلسون في منازلهم بسبب ندرة البنزين ويعانون من عواقب النقص المزمن في الرعاية الصحية.
لماذا نتوقع أن يكون حسن نصر الله وميشال عون وبقية العصابة الحاكمة من أتباع إيران أكثر استجابة عندما يبدأ المواطنون في الموت من العطش الوشيك؟
إيران تمنع الماء عن العراق | الجفاف أم “تعجيل المهدي”؟ وهل تشعل حرب المياه؟ |س/ج في دقائق
إيران والعراق وسوريا ولبنان تحكمها مجموعات لا تهتم بأي شيء لمواطنيها، إنهم يكتفون بتركهم يموتون، أو يطلقون عليهم الرصاص إذا تجرأوا على التعبير عن غضبهم.
لقد أهدرت بلايين الدولارات بسبب الفساد والإرهاب وعدم الكفاءة، وحيث إن الماء هو الأرخص والأكثر وفرة من بين جميع المنتجات على كوكب الأرض، فيمكن لمحتويات الحسابات المصرفية الشخصية لخامنئي أو نصر الله أن تحل الأزمة بسرعة، لكنهم يرون أنه من الأفضل أن يموت الناس كالذباب بدلًا من أن يتخلى نصر الله عن ذرة واحدة من ممتلكاته، أو أن يضطر خامنئي إلى تحويل الأموال المخصصة لنشر الموت والفوضى في اليمن وسوريا والعراق لإنقاذ شعبه.
يمكن للناس أن يعيشوا بدون كهرباء أو بنزين، ويمكنهم حتى التمسك بالحياة لبضعة أسابيع دون طعام أو دواء.. لكن العطش – كما يحدث الآن في جميع أنحاء إيران ولبنان واليمن وسوريا والعراق – يقود الوضع إلى التحول للأسوأ بسرعة.
حروب المياه | بدأت منذ فجر التاريخ.. هل يكررها سد النهضة؟ | مصطفى ماهر