لعبة نيوتن | غاب نيوتن وحضرت اللعبة .. غابت المثالية وحضرت الجاذبية | أمجد جمال

لعبة نيوتن | غاب نيوتن وحضرت اللعبة .. غابت المثالية وحضرت الجاذبية | أمجد جمال

6 May 2021

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

مسلسل لعبة نيوتن للمخرج تامر محسن يُعد بين قلة من مسلسلات هذا الموسم التي كُتبت بنظام الورشة أو الكتابة الجماعية. القصة لتامر محسن. السيناريو والحوار اشترك في كتابتهما أربعة كُتاب تقودهم مها الوزير، ويشرف عليهم تامر محسن. 

إيقاع المسلسل موتر للأعصاب، وأحداثه سريعة. تبدأ بسفر الزوجة هنا (منى زكي) من مصر لأمريكا بغرض الولادة ليحصل طفلها على الجنسية الأمريكية، لكنها تتعثر في سفريتها، وتخالف طلبات زوجها حازم (محمد ممدوح)، فيطلقها من مصر عبر الواتساب، وتدفعها الظروف للزواج من مؤنس (محمد فراج) المحامي المتدين الذي ساعدها في محنتها في بلاد الغربة. 

المثير في لعبة نيوتن أن إيجابياته وسلبياته هي نفسها إيجابيات وسلبيات الكتابة الجماعية: ثراء في الأفكار والتفاصيل والمشهيات الدرامية، مع ترهل في البناء والتيمة والمعنى. 

لعبة نيوتن.. إحلف؟!

العنوان الأصلي للمسلسل كان “تقاطع طرق” ثم تحول إلى “لعبة نيوتن”.

في تصريحات منشورة لصناع المسلسل أكدوا أن العالم الإنجليزي الشهير اسحاق نيوتن ليس له علاقة مباشرة بأحداث المسلسل. قصدوا الاستشهاد بنظريته العلمية وحسب، حيث رأوا إمكانية لإسقاطها على كافة الأمور حتى الزواج والطلاق، وتحديدًا قانون الحركة الثالث: “لكل فعل رد فعل”. 

الملاحظ من العنوانين، الأصلي والمتغير، أن صناع المسلسل لا يقدمون لك معلومة أو معنى حقيقي يخص العمل عن طريق اسمه، بقدر ما يقدمون تعريفات لمفهوم الدراما نفسها أو عنصر الصراع في أي حكاية: “لكل فعل رد فعل”

ليس قانون نيوتن الثالث وحسب، بل هو تعريف الدراما منذ القدم، كلمة دراما في الأصل كلمة إغريقية تعني “الفعل”، وكثيرون عرّفوا الدراما – تقنيًا – بأنها سلسلة الأحداث المثيرة المترتبة على تصادم القوى المختلفة. 

إذًا، أي مسلسل درامي يمكن تسميته لعبة نيوتن لنفس الأسباب. الأمر أشبه بشخص بدأ مشروعًا لمطعم وقرر أن يسميه “المطعم”.

بالطبع مشكلة الاسم هنا ليست عضوية أو مؤثرة على المستوى الفني للمسلسل، لكنها قد تكون مؤشرًا عن رؤية صناع العمل للقصة التي يقدمونها، أو ما يستهدفونه حقًا من وراء تقديمها، بأنه مجرد دراما أو سلسلة من الأحداث المشتعلة، قد تقود لشيء أو لا. 

خماسيات القصة الحائرة

مع وصولي للحلقة الثانية والعشرين تتزايد الشكوك والتساؤلات: هل يوجد في لعبة نيوتن ما هو أبعد من المشهيات الدرامية والصراع المحتدم والإثارات المتواصلة والوثب من فوق القضايا الاجتماعية الجدلية دون حسمها؟ 

بالمناسبة، لا يعاب على لعبة نيوتن إذا لم يقدم أبعد من ذلك. لكن القصص دائمًا ما تكون أجمل حين يعي القصاص عن أي شيء تدور قصته حقًا. التيمة تحدد للقصاص المسارات التي يجب التركيز عليها. 

في الخماسية الأولى من لعبة نيوتن كنا نتابع قصة عن أهوال الاغتراب،

تحولت فيما بعد لقصة مضادة للذكورية الكريهة،

تحولت فيما بعد لدراما نفسية عن حالة البطلة المتأزمة وعدم أهليتها للحضانة،

ثم لقصة عن تلاشي الحب وتبديله،

ثم قصة عن تعقيدات إجراءات الزواج قانونيًا وشرعيًا. 

ثم ماذا؟

ربما تنتظرنا بعض الدروس العدمية من شخصية بدر بيه (سيد رجب)، ولوحة شاعرية عن الحب المستحيل من شخصية أمينة (عائشة بن أحمد)،

وهناك جريمة قتل تهدد بالكشف عن نفسها مع كل حلقة، ربما يحتفظ بها الكُتاب كورقة احتياطية لتأزيم الأحداث إذا أخفقت بقية الكروت. نسيت برطمان العسل بالأفيون الذي سيخرج عن طريق الخطأ ويتسبب في كارثة. 

لعبة سيئة السمعة

بالمناسبة، كنت معجبًا بطريقة استخدام الكُتاب لغباء شخصية هنا في صنع العقد الدرامية واحدة تلو الأخرى، رغم أن الأمر كان مفتعلًا جدا في بعض المواقف، خاصة حلقة ما بعد الولادة. وحين أفرجت هنا عن برطمان الأفيون تغير إعجابي، وتأكدت أن المشكلة أكبر من غباء الشخصية وتساءلت: هل هنا غبية لأنها غبية؟ أم لأن المؤلف لا يجد حلولا أخرى لاصطناع الإثارة إلا غباءها؟ 

الإثارة المفتعلة نلمسها أيضًا في أساليب إخفاء المعلومات وافتعال غموض غير مبرر حول ماضي ودوافع بعض الشخصيات، طبيعة مرض أمينة على سبيل المثال، مصير الطفل في الحضّانة، دوافع بدر بيه.. إلخ. 

ليست المشكلة في لجوء مؤلف لعبة نيوتن لأدوات درامية سيئة السمعة لتأزيم الموقف دائمًا. لكن الغريب هو إنه حين يكون متساهلًا يبالغ في تساهله، وذلك باللجوء لأدوات درامية أخرى لكن سيئة السمعة أيضًا، مثل الصدفة.

الصدفة أن يكون قائد أول سيارة تركبها هنا في أمريكا مصري يتحدث العربية، اللغة الوحيدة التي تتقنها هنا، على طريقة أدريانو في “همام في امستردام”.

وصدفة أخرى أن يكون لدى حبيبة حازم السابقة قريب محام صاحب نفوذ في أمريكا يعيش في نفس ولاية هنا فيتدخل ليساعدها،

وصدفة أن تكون والدة هذا المحامي هي حبيبة سابقة لبدر بيه شريك حازم في العمل… إلخ. 

تصميم الشخصيات.. “على الشعرة”

الإيجابيات في كتابة لعبة نيوتن تتركز في تصميم الشخصيات، بل أراها هي السر والسحر وراء نسب المشاهدة والمتابعة المتزايدة للمسلسل. 

كل شخصية منهم نالت حقها في الكتابة والتقديم والمساحة، في كل منهم خلل حقيقي وضعف يزيد من مصداقيتهم ويزيد من توحدنا معهم، من السهل جدًا أن ترى نفسك في شخصية منهم، أو كتجميع لسمات منهم، وهذه قوة الكتابة الجماعية، توسيع رقعة النماذج البشرية المعروضة باتساع تجارب ومعارف وأفكار الكُتاب. 

لكنني أخص بالذكر شخصية الشيخ مؤنس. متدين بعيدًا عن الكليشيهات، رغم عيوبه وخبثه وسقطاته، صادق في مشاعره، شغوف ومتفان في حبه.

حلم لطالما تمناه المتدينون، تمثيلهم على الشاشة بعيدًا عن العنف والإرهاب، وها قد تحققت الأمنية، فهل رضوا؟ لا، تحولت المظلومية من “لماذا تظهرون المتدين إرهابيًا؟” إلى “لماذا تظهرون المتدين متدينًا”! 

يتميز لعبة نيوتن كذلك بتصميم عوالمه بطزاجة غير معهودة، وكسب أراضٍ جديدة لم تدخلها الدراما الاجتماعية، عالم المناحل والريف الحديث المتأثر مزاجيًا بعالم المسلسل الأمريكي Breaking Bad، عالم هنا في أمريكا سواء ببيت زي أو بيت الفتاة اللاتينية،

عالم بدر بيه وأمينة الذي يجمع الحياة المخملية مع حياة الطبيعة،

وبالطبع عالم مؤنس سواء الذي يعيشه في أمريكا أو في مصر، وقد كان مشهد دخول هنا لبيت عائلة مؤنس للمرة الأولى من المشاهد البارعة في كشف سمات هذا العالم باستخدام التفاصيل والضمنيات. 

كلها عوالم جذابة. تخيل حين تتداخل تلك العوالم فيما بينها فيكون التأثير مضاعفًا. ذلك ما يستهويني في تتر مسلسل لعبة نيوتن الذي يصحبه موسيقى تامر كروان، وهو واحد من أفضل تترات الموسم بصريًا وصوتيًا؛ لأنه استوعب أيقونية مشاهد المسلسل ورمز لعوالمه المثيرة بلوحات معبرة تؤهلك مزاجيًا لكل حلقة.

وهو تتر لا تستطيع أن تتجاوزه لأن المسلسل قائم على نظام مشاهد الـ “أفان-تتر” التي تستبق الحلقات على طريقة المسلسلات الأمريكية الحديثة. 

اختيار الشخصيات

كعادة مسلسلات تامر محسن، يتألق الممثلون ويلمعون. هناك تفوق ملحوظ للممثل محمد فراج في كافة أدواره بموسم رمضان هذا العام، لكن شخصيته في مسلسل لعبة نيوتن أراها الأصعب والأمتع في رؤيتها على الشاشة؛ لأنها شخصية مكتوبة لتخالف توقعاتنا مع كل حلقة، فهي تحدٍ تمثيلي لفراج تخطاه بامتياز. 

شخصيتا هنا وحازم أسهل كثيرًا؛ لأنها شخصيات مسرفة في مشاعرها وردود أفعالها.

ظهر ذلك جليًا في المشهد الأول لمنى زكي في المطار الأمريكي، حيث كانت تبالغ في إظهار تعبيرات الخوف والعصبية وهي تجتاز التفتيش، لأن هذه طبيعة هنا، تخاف من الكلاب فطبيعي أن تفزع في موقف مثل ذلك، لكن الدور يمثل عودة قوية لنجومية منى زكي الغائبة. 

يحسب لمحمد ممدوح كذلك أنه اجتهد كثيرًا لتحجيم مشكلة النطق لديه والتي كانت تسبب عائقًا لسماع ما يقوله في السنوات القليلة الماضية. 

بقي الأمر الأكثر إيجابية في لعبة نيوتن؛ أن أكثر ما يثير فضولي في تلك اللحظة هو مشاهدة الحلقة الجديدة من لعبة نيوتن.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك