الداعية والمترددة | هنيئًا معز مسعود.. لكن ماذا عمن ضاعت زهرة حياتهم بسببك؟ | عمرو عبد الرازق

الداعية والمترددة | هنيئًا معز مسعود.. لكن ماذا عمن ضاعت زهرة حياتهم بسببك؟ | عمرو عبد الرازق

18 Feb 2021
عمرو عبد الرازق
الصحوة الإسلامية مصر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

معز مسعود داعية إسلامي شهير. هو أحد أبناء الجيل الذي أنتمي إليه. ربما باعدت بيننا مسارات الفكر، لكن يحسب له مؤخرًا أنه قد قرب المسافات بيننا كثيرًا. هو ذكي بلا شك، وأذكى من أغلب أبناء الجيل، هكذا تخبرنا النهايات.

رضا الله بادٍ تجاهه، فقد امتلك نعمًا كثيرة: استقرار الدين في نفسه، يبدو هذا جليًا في حلقاته المتخصصة في الدفاع عن الإيمان – راحة نفسية من بشراه بسعادته الأخروية – الهناء الدنيوي – الشهرة – إقبال الناس عليه ومتابعتهم لأخباره – سعة مادية مبارك له فيها – زيجات ومشاعر جارفة تتنقل من زهرة لأخرى. علمونا قبلًا أنها عواطف محتقرة مبتذلة لا يرضاها الله ورسوله، حتى ولو بخيال عابر، فالحب لهو عن الله، سمعناها تكرارًا.

هو لا يكتفي مثلنا بتجاذبه بين الأهواء والسبل والأفكار والمذاهب تتخطفه، بل هو راسخ تمامًا، هو أحد الذين يشكلون للغير مسارات حياتهم. يا لها من مهنة عظيمة.. أن توجه الآخرين للفعل والترك، والإقدام والنكوص، والتقدم والتولي!

شعور لا يتذوقه غالبية البشر! فما بالك لو كان مباركًا بقداسة بحجم الدين مصدرها السماء!

فتح الله عليه أبواب خيراته، فالمؤكد أنه يستحق..

بعدما سدوا الأبواب بوجه جيلنا

لكن الواقع إن كان ثمة سمة مميزة لجيلنا، فهي ظاهرة سد الأبواب بقواعد وأعراف دينية حاكمة؛

ففى الصغر بدأت مساحة كلمة حرام ولا يجوز تتسع مساحتها تدريجيًا، حتى طغت على كل مناحي الحياة وفرصها:

– ادخار مالك في البنك حرام، فهذا مجال سد في وجهك وأحاطته الشبهات والمضايقات قبل امتلاكك المال بالأساس

– محلات تصفيف الشعر للسيدات عمل محرم على الرجال، ثم على النساء أيضًا في ما بعد، ثم تصفيف الشعر وإظهاره في العموم.. تضييق يمكن التغاضي عنه في سن مبكرة..

– بعض أعمال حلاقة الشعر للرجال أيضًا حُرِّم، كبعض موضات التصفيف والحلاقة، وحلاقة اللحية وتنظيف الوجه من الشعيرات المتناثرة الخفيفة.

تضييق يطال حتى محاولتك لإظهار نفسك بما يليق ليس إلا..

حسنًا، أمر الله نافذ. لنجد بابًا مختلفًا نحاول أن نطل منه على الحياة.

ينصب الاهتمام على التليفزيون، واجهة العصر الجديد.

عذرًا، يتفوه شيخنا بعبارات مقتضبة توجهك لعدم الارتياح لهذا الجهاز بما يحتويه، تلك الأفلام التي تتندر بعبارتها، يوجهونك لحفظ تمتمات الأسلاف خيرًا منها. وجوه عابسة وملامح مؤنبة تلاحقك إذا ما ذكرت عنوان فيلم أو اسم ممثل،

فإذا ما انتقلت للغناء، فالنصوص تلاحقك بمزامير الشيطان وكسر الآلات وتفاهة هؤلاء الضالين،، لا تنس أن من مات على شيء بعث عليه، أتريد أن تبعث وأنت تستمع للغناء؟! أيهما تحب أن يكون رفيقك فى القبر الغناء أم القرآن؟!

عبارات مبتذلة لكنها شديدة التأثير، والاستقرار فى نفوس الصغار!

”الفازة دي حرام”!

حسنًا، الرياضة هنا هي ملجأنا، صحيح لم يوجه المجتمع عنايته إليها قدر ما وجهها لأشياء أخرى كالبناء الأسمنتي المتكدس، ولا كما أنفق على التدخين والمخدرات، أو كما أنفق على تجميل الدعوة وأعمالها!

لكن للصغار دائمًا طرقا لفتح مسارات لأنفسهم واكتشاف أماكن يمارسون فيها لهوهم، في جلساتهم يتبادلون آراءً عرفت طريقها إليهم، تؤتي ثمارها في تنغيص لهوهم البسيط، فتاوى مشاهدة الكرة وممارستها وزيها الرياضي، تجد مكانها بمحل الذنب بالعقول، وترسيخ الشعور بالإثم.. هذا طريق آخر تراصت به العراقيل.

نترك رياضة الجسد ونذهب للعقل، ما رأيك بممارسة الشطرنج، بعيدًا عن الطاولة والدومينو وتحريم النرد والأرقام؟!

هنالك رواية عن علي بن أبي طالب تغلق الباب في وجهك تجاه تلك اللعبة، كما أنه لا يخفى عنك مشابهة أدواتها بالأصنام.. لا أظنك ساذجًا لتجهل مدى كراهية ممارسة تلك اللعبة، ونفور المسلم البديهي منها!

كبرنا قليلًا،، حسنا لدينا كنز نطعم من ورائه الشهد يدعى السياحة، ولكن احذر يا هذا، تخالط العاريات، تقدم للعجم كؤوس الخمر، ترى المنكرات وتصمت كشيطان أخرس، نريد إبعاد المجون عن أرضنا فتذهب لتساعدهم فيه بنفسك، وتشغل عن دينك وربك! هذا باب يفضل مواربته..

وحتى تلك الآثار، أصحابها ليسوا منا في شىء وهم عبدة أوثان وتلك أوثانهم، وليت السلف هدموها وأراحونا من شرها، فقط لو يعلمون ما هو آت لحطموها!

حسنًا، لنترك المحرمات كلها، لتهتم بمظهرك ورونقك وجاذبيتك كيانع في مقتبل العمر، يا بني لو طال بنطالك قليلًا تجره خلفك في جهنم، هل تدرك هذا؟! وتلك الملابس ابتدعوها بالغرب لنتبعهم فيها..

لن أحدثك عن أزياء وتجمل الفتيات، التحريم لا يحتاج لسرد والعقاب مرعب!

أبواب الشيطان

حسنًا.. لم يتبق لنا سوى الحب، وأظن هذا ليس حرامًا؟! الأمر ليس سوى حديث نفس، لا لقاء لا همسات..

لماذا يا فتى تفتح أبواب الشيطان على نفسك، تضع بخيالك أنثى لا تحل لك، أجننت؟

هل قصّر الله معك في رزقك؟  الحب واجب لله ورسوله، وحتى عقلك يزني كسائر بدنك..

تلك أبواب أخرى ووربت أو أغلقت، وعلق بصدرك أشياء تجاهها يصعب أن تمحى مستقبلًا!

اهتماماتك المبكرة تغلق، انعزالك النفسي عن العالم يترسخ، أنت في واد والباقي في واد، فإن تلاقيتما، ففي النفوس ما بها، لن تحصل راحة التآلف، أنت فى عصر سابق وهم فى حركة دائمة!

يستقر بنفسك أن دورك أن تكون داعية لهؤلاء الضالين حين اللقاء.. مأمورية فاشلة مسبقَا، وأنت العاجز بلا مهارة ولا هواية، الذى أوقف تطور مهارته ومنع نفسه عن خوض مجالات عديدة، أغلقها بنسفه طوعَا وكرهَا!

حتى الدعاء حرام!

تمر السنين بمناقشات تافهة هزلية، يضيق الخناق فيها حتى على الكلام، تأتي العبارات بتحريم الأقوال حتى الطيب منها، تكتشف أنه بها علة ما ويجب استبدالها، فالمباركة والتعزية عليك التوقف عنهما واستبدالهما بعبارات جديدة مقولبة.. البقية فى حياتك حرام، وعليك تعظيم وجود الله، بدلًا من مساندة المكلوم!

حتى دعواتك للسماء تتوقف عند تصحيحها، فلفظة لا تلقي لها بالاً قد توردك مهالك الشرك والنار للأبد، يأتيك الجحيم وأنت تتقرب لله، لمجرد أنك قلبت القاف همزة بلسان قومك، فحتى سعيك ونيتك لا يكفيان لبلوغ الأمر أو لنجاتك من المهالك..

كل مدى يضيق الحال. لا بوادر انفراجة. عمرك يمر نحو اتساع الزمن، وأفقك يضيق نحو الانغلاق التام..

هذا الجيل عنوانه التردد والقلق والذنب!

الدعاة الجدد

بذات التوقيت ينشأ بيننا فتيان آخرون، يوصفون بالخلق والالتزام. تتلاشى أخطاؤهم بفعل المداراة وبتجاهل المحيطين لسقطاتهم.

يستمرون في الحياة ويتباهون بامتلاكهم لأدوات غلق الأبواب، فكلما أتقنوا حجة غلق باب جديد فى وجه أقرانهم، كلما ارتفع شأنهم..

الحياة في ظل الدعوة والصحوة، هي فن فعل اللاشيء، أو فن سرد حجج الابتعاد عن كل شيء.. للحق تركوا لك أشياء بسيطة تمارسها دون زجر أو نهي، كأن تجلس مع صديقك تسبح الله، أو تتحاكيان قصص السابقين، أو أن تبكيان دون سبب!

في النهاية صار الكل مهتزًا، لا باب يمكنك طرقه دون تردد وخشية، لا ثقة في ما هو آت ولا في ما هو قائم، كل شيء مصدر للتوجس، الجميع صار مهتزًا، أفكارنا تدور حول الشبهات، وبذات الوقت مطلوب منهم أن يفعلوا الأفاعيل ليشقوا طريقهم بالحياة، رغم كل الأبواب التي أوصدت بوجه العمل والحب والنجاح، ماذا تبقى لتمارسه منطلقًا؟!

والنفس البشرية تفتح لأنفسها سبلًا أخرى بعيدًا عن الأنظار، بعد سد منافذها الطبيعية، فتستبدل بالأرقى الأدنى، وتغرق بنفسها في رذائل الممارسات..

يزداد المتردد سقوطًا في غياهب رديئة هربًا من مأساته، ويبقى الداعية الملتزم سبب المأساة نبراسًا مضيئًا!

التردد والرهاب طال جميع فئات المجتمع دون استثناء.. فنانتنا التائبة/ العائدة حلا شيحة ابنة نفس الجيل تقريبًا، طالها التأثر هي مثل باقي الجيل، تتردد بين الإقبال والشعور بالذنب، فتركت عملها واحتجبت..

ثم احترف كل ما نهى عنه

الداعية الملتزم المجيد لفن إغلاق الأبواب، نجده بعد مرور ثلاثة عقود، صار محترفًا بكل شيء تقريبًا من الذي نهى عنه.. فهو رياضي ممشوق، يرتدي أفخم الماركات، مختلط بصفوة المجتمع رجالًا ونساء، يجيد العزف الموسيقى ويمارس الغناء المنهي عنه، وجه إعلامي، منتج سينمائي،  يحاور الأجانب ويحادثهم، ويخالط غير المحجبات،

كما أنه في فعل فيزيائي، يحمل شبهة الأثر النفسي، قرر الزواج بمن وصفهن قبلًا بالمتحررات، ووصف المقترن بهن بالديوث!

تأتي التبريرات الجاهزة: أرأيتم؟ الإسلام لا ينهى عن الحياة، يمكن أن تكون ملتزمًا ومتفوقًا ورياضيًا وفنانًا؟!

فلماذا نهيتمونا سابقًا عن اللحاق بكل هذا؟!

كيف تنبأ أبوحيان التوحيدي بسلوك عبد الله الشريف. هل يعيش الإسلاميون شبابا سويا؟ | عمرو عبد الرازق

هل اعتذر؟

الفنانة المترددة بين هذا الطريق حينًا وهذا حينًا آخر، لم تمانع في الأمر. ترسخ في تكوينها التردد بين الإقبال وبين الشعور بالذنب.. خضعت لآراء الداعية ورفاقه زمنًا طويلًا، ترك بها أُثرًا ولا شك.. وقبولها لأمر الارتباط به ليس بعيدًا عن استقراره في تكوين شخصيتها، الإجابة لدى الداعية دائمًا..

فلكي يبقى الساحر ساحرًا لا بد أن يبقى المندهش مندهشًا!

هل اعتذر الداعية عن مسار أوحى به لمتبعيه من جيله، أغلق به في وجوههم سبل الحياة والترقي؟!

الداعية لا يتردد مثل متبعيه، تمنحه الدعوة قوة دفع تكفيه مدى الحياة، صالحة لمواجهة الخذلان والكبوات.. الرجل لا يتوقف للدفاع ولا لتحسين صورته، بقدر ما يغير تكنيك الهجوم..

سأقف بجوار حلا لتقديم أعمال مفيدة للجماهير!

دور وعظي آخر، ولكن بمجال السينما، الرجل لن يترك منبره..

أبناء الصحوة

قد يقول قائل: الرجل ليس بالضرورة متبنيًا لكل الآراء السابقة.. حسنًا، لكنه عاصرها وتشربها وبنى عليها وأكملها. وهو جزء مؤثر وأصيل من تجربة دعوية قامت على أكتاف باقى المدارس، وامتداد أصيل للصحوة الإسلامية، والتفرقة بينها منهجيًا، هو فصل للساق عن الجذر.

الرجل حتى لم يشتهر عنه مراجعات فكرية أو منهجية، بل يتحرك بتلقائية وخفة معتادة، فبين ليلة وضحاها تجده في موقع جديد، ذات ليلة كان بحفل جوائز مهرجان كان بين الفنانين.. كم نهونا سابقًا عن متابعة تلك المُلهيات!

الرجل أباح لنفسه ما منع غيره عنه، وكأن الأمر تضليل متعمد بغرض المنافسة والسبق، أينا يصل أولًا!

الممنوعات اتضح أنها كانت هدفًا ومسعى لصاحبنا..

لكن على مستوى النجاح والسبق وتحقيق أهداف الحياة، فالحق يقال أن الداعية نجح برحلته الحياتية، ووصل إلى حد يصعب على أغلب جمهوره أن يلحقوا أهدابه، بعد أن سلبهم أدوات انطلاقهم!

في صراع الحياة ولعبتها الكبرى، نجح معز مسعود سواء بالحيلة أو بالمصادفة أو بالمهارة، أن يضع قدمه بمكان لا يصله غيره، في حين التهى غيره بالبحث عن صحة موقعه من الدين، وتطهير نفسه من الآثام المتوهمة!

هنيئًا له من عميق قلبي.. فالذكي يستحق قطعًا ما يصل إليه..

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك