باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
في شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب في قضية داعش إمبابة عن طبيعة دوره في الدعوة السلفية في مصر، قال للمحكمة: “أبو إسحاق الحويني يخاطب طلاب العلم. محمد حسان يخاطب الملتزمين. وأنا أخاطب العوام”.
كلام محمد حسين يعقوب هنا لم يكن عفويًا ولا عشوائيًا، بل يدلل على انتشار السلفية المصرية وفق منهج واضح وتوزيع أدوار.
محمد حسين يعقوب يخطب في الأمور التي يعتقد أنها تعيق المسلم عن الالتزام السلفي، مثل عدم الالتزام في الصلاة، والإقلاع عن التدخين، وإطلاق اللحية، وارتداء النساء للنقاب.
أما الشيخ محمد حسان فركز خطابه على الملتزمين بالسلفية بالفعل، أو على الأقل من يمتلكون حدًا أدنى من الثقافة الإسلامية، حيث كان يلتزم بالعربية الفصحى، ويتحدث في موضوعات إسلامية عامة وتاريخية، مثل السيرة، أو وقصص الصحابة، مع موضوعات معاصرة مثل الصهيونية وكرة القدم وهكذا.
أبو إسحاق الحويني خاطب شريحة مختلفة كليًا؛ فكان مقصده السلفي الملتزم الذي يتجه لطلب العلم عمومًا، وعلم الحديث تحديدًا.
هذا التصنيف كان صحيحًا في بداية الدعوة السلفية منذ التسعينيات وحتى أوائل الألفية، لكن الأمر اختلف نسبيًا بعدها؛ بسبب تحولات الشيخ محمد حسان التي سنوضحها في الفقرات التالية:
فن المراوغة لإمام “اللا أدرية” محمد حسين يعقوب.. “شاهد شاف كل حاجة” | عمرو عبد الرازق
في المرحلة الأولى، بخلاف أحاديثه التقليدية في السيرة والصحابة وعلامات الساعة، والتي بنى عليها شهرته الأساسية، كان الشيخ محمد حسان امتدادًا سلفيًا لظاهرة الشيخ عبد الحميد كشك؛ حيث الشعبوية والتعالي على المجتمع، والتجهم في الخطاب، والهجوم على كل مظاهر المجتمع غير الإسلامية، والحديث عن كل الموضوعات العامة بسطحية وجهل أحيانًا، مثل خطبته عن الاستنساخ، وكرة القدم، وبروتوكولات حكماء صهيون، وهجومه على الفنانين والمسيحيين.
ساعد الشيخ محمد حسان في ذلك انتشار ظاهرة الشريط الإسلامي، وحداثة الظاهرة السلفية، التي دفعت الكثيرين لمعرفته باعتباره نجمها الاوحد قبل ظهور آخرين.
لبيك “إسلام الجريمة”.. كلنا نفدي الحمى .. أكان الشيخ شاهدا أم مجرما؟ | خالد البري
في هذه المرحلة التي حدثت مع أوائل الألفية، يبدو أن شيئًا تغير عند الشيخ محمد حسان فجأة؛ تغير خطابه بصورة يعرفها جيدًا من كان يتابع دروسه وخطاباته في التسعينيات.
في تلك الفترة، ادعى الشيخ محمد حسان أنه درس علم الحديث فاكتشف أن خطبه القديمة كانت معتمدة بالأساس على أحاديث ضعيفة. لكنني لا أظنه السبب الحقيقي، الذي أعتقد أنه ربما حدث بسبب تداعيات أحداث 11 سبتمبر، وربما كان نوعًا من النضج وتطور الوعي. وكان من مظاهر هذا التغيير:
1 – قلل من حدة خطابه المتشنج، واستخدم نبرة صوت رقيقة، وهي التي لا يزال يعرف بها إلى الآن.
2 – تخلى بعض الشيء عن خطابه الصارم بالفصحى، كما أصبح يتخلل كلامه شيئًا من الفكاهة ومحاولة المزاح.
3 – تخلى عن أو تحاشي الآراء المتشددة والتحريضية، فلم يعد يتحدث عن النقاب واللحية، وتحاشى الهجوم على المسيحيين والفنانين.
في هذه المرحلة بدا الشيخ محمد حسان أقرب لظاهرة الشيخ محمد متولي الشعراوي (رجل الدين الشعبي).
وبسبب هذا التحول، لم يعد حكرًا على السلفيين، بعدما أبداه من مرونة في مقابل نظرائه السلفيين، ليصبح مقبولًا جماهيريًا عنهم لدى رجل الشارع العادي ونطاق غير المتدينين “مع احتفاظه بجمهوره السلفي المتزايد”.
ساهم في هذا انتشار القنوات السلفية، منها واحدة يملكها شقيقه، ويقال إن الشيخ محمد حسان نفسه هو المالك الفعلي لها، وأن أخيه مجرد واجهة أعمال.
الطاغوت | كلمة السر في تكفير الجهاديين لأنصار الإسلام السياسي بقاعدة سيد قطب | هاني عمارة
تعتبر أهم مرحلة في حياة الشيخ محمد حسان لتلازمها مع أحداث يناير 2011؛ حيث بدأها بداية “موفقة” بدعمه للثورة، مع تأكيد دعمه للجيش، ورفضه للفوضى.
كما شهدت هذه المرحلة تحولات جذرية بدت تمردًا على النمط السلفي؛ فقد ظهر إعلاميًا مع مذيعات غير محجبات.
استخدم كذلك خطابا وديًا مع المسيحيين؛ حيث ساهم في تهدئة الفتنة الطائفية في أحداث أطفيح.
كما وصف المسيحيين في كلامه بـ “إخواننا الأقباط” عكس الموقف السلفي الرافض للأخوة، والمتمسك بوصف النصارى.
في تلك المرحلة، تواصل الشيخ محمد حسان مع شخصيات عامة، بينهم أعضاء مجلس الوزراء، وشيخ الأزهر، وقيادات المجلس العسكري، كما ترأس وفد المصريين في السعودية بعد أحداث حصار السفارة السعودية في القاهرة.
لكنه، مع ذلك، ومن أجل الحفاظ على جمهوره الإسلامي، شارك في بعض نشاطات الإسلاميين الاستعراضية والتحريضية، مثل جمعة الشريعة ومظاهرات استاد القاهرة الداعية للجهاد في سوريا.
بعد الإطاحة بالإخوان، حاول الشيخ محمد حسان أن يبدو حياديًا، ومارس وساطة بين الجيش والإخوان، قبل أن يرتكب أكبر أخطائه عندما توجه للمعتصمين في مصطفى محمود يوم فض رابعة، في تصرف بدا تحريضيا ضد قرار السلطة بالفض، قبل أن يتعرض لإغماء وينتقل للمستشفي في موقف بدا تمثيليًا بعد أن تبين ضعف الحشود.
خرج الشيخ محمد حسان من المستشفى بعد فض الاعتصام، واختفى لمدة عام، استقرت فيها الأمور، وتبين فشل رهانه وقراره الخاطئ بالذهاب للمعتصمين، فعاد بعدها بعام ليعتذر بالعموم عما أسماه “أخطاء الدعاة”.
توجه الشيخ محمد حسان بعدها لاستئناف دروسه وحلقاته التلفزيونية، لكن بصورة أقل، مع التركيز في الأمور العامة في التفسير والحديث والوعظ الديني، وتجنب كل ما هو جدلي سواء كان سياسيًا أو عقديًا أو فقهيًا، إلا في مواضيع الإجماع الشعبي، مثل حديثه عن سد النهضة، وأزمة كورونا التي توجب التعجيل بإخراج الزكاة.
كل هذا لم يشفع للشيخ محمد حسان. فلم تنقطع حملات الهجوم عليه من كل اتجاه:
الأول: تحريض القنوات والإعلام الاخواني بالخارج ضده، واتهامه بالجبن والتخاذل ونفاق السلطة، فيما يقوم شقيقه ووكيل أعماله برد الهجوم.
الثاني: الحديث عن شهادة الدكتوراه التي حصل عليها وما شابها من اتهام بالتواطؤ والفساد.
الثالث: الكلام عن ذمته المالية هو وشقيقه.
الرابع: الحملة المضادة لتيار الصحوة التي تهاجم رموزه على أخطاء الماضي، مدعومة بمقاطع صوتية ومصورة قديمة للشيخ، تتراوح ما بين تشدد ديني وتحريض طائفي.
لكن الأمر لم يقتصر على هذا؛ فلا يزال شبح الماضي يطارده، مثل استدعائه للشهادة في قضية داعش إمبابة بعدما ذكر المتهمون اسمه ضمن المرجعيات التي استندوا إليها في فعلهم، كما حدث مع زميله الشيخ محمد حسين يعقوب.
شهادة الشيخ محمد حسين يعقوب: قراءة موثقة في تناقضاته ومراوغاته ودوافعها | هاني عمارة